Menu

عطاءٌ مجهول الهوية

جويد التميمي _ وفا

في قرية الصرة، إحدى القرى القريبة من بلدة دورا جنوب غرب مدينة الخليل، دخل أحد الأطفال مخبز القرية الرئيسي، واشترى 100 رغيف خبز، وبعد أن دفع ثمنها، طلب من صاحب المخبز وضعها في صندوقي كرتون كانا بحوزته، ليسهل عليه حملها.

غادر الطفل الذي قدر صاحب المخبز عمره بـ(11 عامًا)، وعند الباب الخارجي للمخبز، وضع الصندوقين في منطقة عادة ما تكون مكتظة بالمارين، وكتب أعلاهما بخط عريض "هي للمحتاج دون مقابل.. خذ حاجتك وانصرف، واترك لغيرك حاجته"، وغادر المكان.

دقائق قليلة مرت، أقبل طفل إلى المكان وأخذ حاجته من الخبز وذهب، وسط دهشة العاملين في المخبز، والذين أخبروا مالك المخبز حسين محمد المشارقة (57 عامًا)، بالحادثة. دفع المشهد المشارقة للعودة إلى كاميرات التسجيل للتعرف على هوية الطفل، لكنه لم يستطع التعرف على ملامحه، وبقي يسأل في المحيط عنه دون جدوى، فلم يستطع أحد رؤيته عند دخوله المخبز سوى من يعملون فيه، لذا بقيت هويته مجهولة.

يقول المشارقة "فوجئت بفعل الطفل، دخل الى المخبز ودفع ثمن ما اشتراه وخرج دون أن يتفوه بكلمة، حتى انني لم اعرفه، وفضولي دفعني للعودة الى تسجيل كاميرات المراقبة علني أعرفه لكني لم أستطع، ومن يعملون برفقتي في المخبز ومن يجاوروننا لم يستطيعوا التعرف عليه أيضا، لكن يكفي أن نقول إن هذه هي مكارم الأخلاق التي يجب علينا أن نزرعها في أطفالنا".

ويضيف "استوقفني الموقف وغمرني بشعور من الفرح أنا ومن حولي، ولو كنت أعلم أنه سيقوم بذلك لقدمت له الخبز دون مقابل، أو بثمن أقل من التسعيرة".

ويشير إلى أن "وباء كورونا هز العالم بأسره، لذا لا بد وأن نخرج منه بكثير من العبر، ومنذ بداية انتشاره ونحن نشهد فضائل في شعبنا وتراحم، كل منا يبحث عن فقراء ليعطيهم ويقدم لهم ما يستطيع، يتفقد حال احبته وجيرانه وأهل بلده، المحبة والإخاء بين الناس في هذه الظروف العصيبة".

ويتابع المشارقة "رغم أنني مدرس متقاعد في اللغة العربية، إلا أن هذا الطفل علمني وعلم كل من سمع عنه، درس في الحياة والعطاء والقيم".

"لا تحتاج الفضائل لكاميرات وعدسات تصوير، هي بين العبد وربه أجمل، لتبقى بعيدة عن الرياء والنفاق، ومن دفع ابنه لهذا العمل يريد أن يصبغه بهذه القيم الإيجابية"، يقول.

ويوضح: اقتطعت من كاميرات المراقبة مقطع فيديو قصير يوضح ما قام به الطفل، "الذي لم تظهر ملامحه جيدا" ونشرته على صفحتي الشخصية على موقع "فيسبوك"، ليعلم أهل القرية أن الطفل هو صاحب المبادرة، وليكون قدوة لغيره من الناس والأطفال.

وبحسب المشارقة فإن أهل قرية الصرة يمتازون بالبساطة، ويعتمدون في عيشهم على قطاعي الزراعة وتربية الماشية، غير أن البعض منهم يعملون داخل أراضي عام 1948، واسمها مأخوذ من كلمة "مصرورة" اي مجموعة من الأشياء تحزم في قطعة من القماش، وذلك بسبب الطبيعة الجغرافية للقرية الواقعة على منطقة جبلية، كما أن لها مدخل واحد.