Menu

تغليبٌ للمصالح وتغوّلٌ على المسحوقين

تقريرازدواجية الضرائب ونهج "المعاملة بالمثل"

أحلام عيد

خاص_بوابة الهدف الإخبارية

لم يعد بوسع المواطن الغزي تحمل المزيد من القهر والأسى والتعدي على أبسط حقوقه الإنسانيّة؛ فمنذ أكثر من 16 عاماً والمواطن الغزي يدفع ضريبة الانقسام الفلسطيني، وتضيع حقوقه بين حكومتين، حكومةٌ تشاركه بقوت يومه وأخرى تحرمه من حقه في التوظيف وتفرض خصومات على دخله الشهري، ويضاف إلى ذلك استغلاله من قبل "حيتان المال والاقتصاد" الذين يحققون أرباحاً مهولة على حساب فُتات دخله.

فما بين حصار خانق وغلاء فادح في الأسعار، جاء قرار حكومة حماس في قطاع غزة، بفرض ضرائب على منتجات الضّفة الغربيّة الذي من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع إضافي على أسعار المنتجات والسلع التي بالكاد يستطيع المواطن توفيرها.

منذ عدة أيّام شرعت الدوائر الضريبية المختصة في قطاع غزة بفرض ضريبة على ثلاث سلع يتم إدخالها من الضفة المحتلة إلى غزة وهي المشروبات الغازية ورقائق البطاطا "الشيبس"، والمياه المعدنية، ومن المقرّر- وفقاً لتصريح سابق لمدير عام السياسات والتخطيط في وزارة الاقتصاد الوطني بغزة، أسامة نوفل أن يصل عدد السلع التي تضاف عليها الضريبة خلال الفترة القادمة إلى 24 سلعة ستشمل منتجات الصناعات المعدنية والأخشاب.

أثار هذا القرار الذي تذرّع بحماية "المنتج المحلي" حفيظة المواطنين وعدد من الجهات الحقوقيّة ومؤسسات المجتمع المدني، الذين رفضوا بدورهم القرار الذي يعتبر ضمناً منتجات الشّق الآخر من الوطن منتجات "غير محلية"، فيما طرح البعض تساؤلات: هل يجوز وفقاً للقانون الفلسطيني فرض ضرائب على منتجات التجارة الدّاخلية، وهل يحق للسلطة الفلسطينيّة استمرار فرض رسوم التعلية والقيمة المضافة وضريبة "البلو" وغيرها.

وللإجابة على كافة التساؤلات التي تجول في ذهن المواطن بهذا الصّدد، تواصلت "الهدف" مع الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر الدكتور سمير أبو مدلّلة، الذي أكّد على أنّ حالة الانقسام الفلسطيني ألقت بظلالها على كافة البنى الاقتصاديّة والسيّاسية والاجتماعيّة في قطاع غزة، لافتاً إلى أنّه منذ العام 2007، هناك تضارباً بالقوانين حيث يوجد قوانين تطبق بالضّفة وقطاع غزة وقوانيناً أخرى تطبق في القطاع ولا تطبق بالضفة المحتلة، إضافة إلى وجود الازدواج الضريبي، واستمرار فرض ضرائب التعلية على السلع التي تدخل عبر معبر كرم أبو سالم - بمعنى أنّه يعاد تقييم السلع وفرض ضرائب جديدة-.

وأشار أبو مدللّة إلى أنّ هذه الازدواجيّة تنعكس على المواطن الفلسطيني "المتضرّر الأكبر"، خاصة أنها تأتي في ظل استمرار الحصار وارتفاع الفقر ونسب البطالة، ما من شأنه مفاقمة الأوضاع الاقتصاديّة للمواطنين حيث وصلت نسب الفقر والفقر المدقع في القطاع إلى نسبة 53%.

وفي السّياق، نفى أبو مدلّلة دقة روايتي السلطة وحكومة حماس اللتان تدعيان عدم فرض كلٍ منهما ضرائب على منتجات التجارة الداخلية بين شطري الوطن، ووفقاً للخبير الاقتصادي، تتعاكس هذه الإجراءات مع ما يتم طرحه من ادعاءات الحرص على "دعم المنتج المحلي" وتقلل من فرص تنمية المنتج المحلي.

وفي معرض رده على سؤال حول انعكاس استمرار فرض ضريبة "البلو" على الوقود الوارد إلى قطاع غزّة، أفاد أبو مدلّلة بأن ارتفاع سعر الوقود -الذي تحتاجه كافة المصانع- سيرفع من التكلفة التشغيليّة وبالتالي ارتفاع سعر المنتج، مطالباً السلطة الفلسطينيّة برفع هذه الضريبة.

وطرح أبو مدلّلة سلسلةً من الخطوات العمليّة لدعم المنتج المحلي، ومن بينها إيقاف فرض الضرائب على السلع التجارية بين شطري الوطن، وتقديم دعم للمنتجِين عبر خفض أسعار الكهرباء، وخفض قيمة التراخيص المفروضة، إضافةً إلى إعفاء ضريبي للسلع الأساسية، مضيفاً: "في حال تحقيق ذلك سيتمكن المنتِج من تقديم سلع ذات جودة عاليّة بأسعار تتناسب مع أوضاع المواطن الاقتصاديّة الصعبة".

من جانبه اعتبر عضو اللّجنة المركزية للجبهة الشعبيّة إياد عوض الله قرار حكومة حماس بفرض ضرائب على منتجات الضّفة، تكريساً للانقسام وإضعافاً واستنزافاً للحاضنة الشعبية، مطالباً حماس بالتراجع عن هذا القرار واستبداله بقرارات من شأنها دعم المنتجات الفلسطينيّة.

كما أشار عوض الله إلى أنّ الظروف الفلسطينيّة تتطلب وبشكل عاجل إنهاء الانقسام الفلسطيني، وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني وفق رؤية وطنية مشتركة يجتمع عليها الكل الوطني، منوّهاً إلى أنّ إنهاء الانقسام هو الحل الوحيد لمواجهة هذا التفرد بالقرارات والتي يدفع المواطن ثمنها.

ويرى عوض الله أنّ الاقتصاد الفلسطيني يواجه تحدّيات جمة، أبرزها الارتباط "باتفاقية باريس الاقتصاديّة"، داعياً السلطة الفلسطينيّة إلى التنصل من اتفاقية أوسلو كمقدمة أساسيّة لدعم الاقتصاد الوطني.

كما نوّه عوض الله إلى أنّ العدو الصهيوني يتحكم بمقدّرات شعبنا، عبر استمرار التوسع الاستيطاني، وفرض القيود التي تعرقل الوصول إلى الموارد الفلسطينيّة وفرص الاستثمار، مشدّداً على ضرورة التوجه إلى المحاكم الدوليّة لإجبار العدو على الانسحاب من كافة أراضي الضفة المحتلة.

تبادل للاتهامات بين حكومتي الوطن المكلوم، حيث تتجرأ سلطة رام الله على الشعب المستنزف في قطاع غزة عبر فرض الضرائب واقتصاص الرّواتب، وتنتهج حكومة حماس سياسة "المعاملة بالمثل"، دون أدنى اكتراثٍ بالمواطن المسحوق، لتغلب المصالح الفئوية على المصالح الوطنيّة، وبدلاً من توفير مقومات صمود الشعب الفلسطيني أمام عدوٍ متكالب في ظروف سياسية هي الأسوأ، تستمر المناكفات بين الطرفين، ويبقى وحده إعلاء الصوت ورفض الأمر الواقع هو الحل أمام شعبنا لوقف المزيد من التغوّل على حقوق المواطن ولقمة عيشه.