تواصل سلطات الاحتلال حربها الشاملة على مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، بهدف ضرب وإنهاء هذا النشاط الوطني الاجتماعي الفلسطيني، وخاصة في المدينة المقدسة؛ إذ كانت تلك السلطات أعلنت عن إغلاق 28 مؤسسة وجمعية وهيئة فلسطينية ناشطة في مدينة القدس المحتلة، في مقدمتها بيت الشرق ونادي الأسير، وغيرها من المؤسسات الفلسطينية في المدينة، وأعلنت سلطات الاحتلال، أنها ستواصل سياسة تمديد إغلاق هذه المؤسسات بحجة أنها لن تسمح باختراق السيادة الإسرائيلية على القدس الموحدة، على حد زعمها، وأتى هذا الإعلان يوم الإثنين 4/4/2022، خلال إحاطة شاركت بها الأجهزة الأمنية ووزارات إسرائيلية، من بينها قيادة الجبهة الداخلية ووزارة الأمن الداخلي، وجهاز المخابرات، إلى جانب بلدية الاحتلال بالقدس، وجاءت هذه الهجمة المتجددة على المؤسسات المدنية الفلسطينية المقدسية في سياق مخطط أوسع وأشمل وأخطر يهدف إلى تصفية الوجود المدني الفلسطيني في المدينة المقدسة.
ففي إطار المشهد الصراعي الشامل ما بينها وبين الفسطينيين، تفتح المؤسسة الاحتلالية الإسرائيلية كل الجبهات الممكنة ضد الفلسطينيين بهدف محاصرتهم وإنهاء قضيتهم، من الجبهة العسكرية – الاستخباراتية وسياسات التطهير العرقي، إلى الجبهة السياسية، فالإعلامية، فالتراثية، فالاقتصادية، فالقانونية والأخلاقية، وصولا إلى حربها الشرسة ضد مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، وكذلك الجبهة الدولية –الأممية-. فوفق المعطيات تشن "إسرائيل" حرباً واسعة ضد عدّة مؤسسات دولية – أممية – تعنى بحقوق الإنسان تدّعي "إسرائيل" أنها "منحازة بالكامل لصالح الفلسطينيين"، وأبرزها: منظمة اليونسكو، التي تعتبرها القيادة الإسرائيلية الأخطر على إسرائيل نظراً لقراراتها التي تنسف الرواية الصهيونية المتعلقة ب"أرض إسرائيل" والأساطير الصهيونية التوراتية، كما واصلت إسرائيل حربها أيضاً ضد منظمة "الأونروا" التي ترمز إلى وجود اللاجئين الفلسطينيين وقضية حق العودة، بهدف تصفيتها، بينما تستهدف من جهة ثالثة المفوضية السامية لحقوق الإنسان، بسبب نشر لائحة بأسماء الشركات التي تعمل في المستوطنات الصهيونية، كما جاء في الإعلام العبري، في حين تستهدف من جهة رابعة الهيئات والمنظمات الأممية غير الحكومية التي تساند القضية الفلسطينية، غير أن جبهة الحملة الدولية لمقاطعة إسرائيل (BDS) أخذت تحتل في السنوات الأخيرة حيّزاً كبيراً متزايداً في الهواجس والمدارك الإسرائيلية من جهة، وفي الاستراتيجية الحربية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني من جهة ثانية.
غير أن التصعيد الحربي القمعي الصهيوني على الفلسطينيين يشهد في الآونة الأخيرة تصعيداً شرساً يهدف إلى اقتلاع مؤسسات العمل المدني الفلسطيني والقضاء على كافة النشاطات الفلسطينية الفاعلة في إطار توثيق جرائم الحرب الصهيونية، وشكل إعلان وزير حربهم بيني غانتس عن ست منظمات مدنية فلسطينية كـ"منظمات إرهابية- الجمعة 22 أكتوبر 2021"، نقلة إضافية خطيرة في نهج القمع الصهيوني للوجود الفلسطيني. وبحسب زعم إعلام العدو، فإن هذه المؤسسات جزء من شبكة مؤسسات تعمل تحت ستار مدني في الساحة الدولية من أجل دعم وتمويل أنشطة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، والمؤسسات هي: مؤسسة الحق، مؤسسة الضمير لحقوق الانسان، جمعية المرأة، الحركة العالمية للدفاع عن الطفل، مركز بيسان للأبحاث، واتحاد لجان العمل الزراعي.
ورغم كل التدخلات والضغوطات والمطالبات بإلغاء قرار الاحتلال المشار إليه، إلا أن قوات الاحتلال عادت واقتحمت فجر اليوم الخميس 18/8/2022 مقرات المؤسسات الستة التي كانت صنفتها في وقت سابق كـ"مؤسسات إرهابية"، وأغلقتها بشكل كامل. وأفادت مصادر محلية بأن قوات الاحتلال اقتحمت مدينتي رام الله والبيرة، وأغلقت مؤسسات: الحق، والضمير، وبيسان للبحوث والإنماء، واتحاد لجان المرأة، واتحاد لجان العمل الزراعي، ومؤسسة لجان العمل الصحي، واستولت على بعض محتوياتها، وأغلق جيش الاحتلال أبواب المقر باللحام والحديد ملصقًا أمرًا بإغلاق المكان بزعم أنّ المؤسسات تتبع لمنظمة غير مشروعة.
التقت ردود الفعل والتعليقات المختلفة الفلسطينية والعربية والأوروبية، على أن هذا القرار الاحتلالي القمعي، يوجه ضربة للمجتمع المدني الفلسطيني ويهدف إلى إسكات الصوت الفلسطيني، بل يهدف إلى تدمير المجتمع المدني الفلسطيني الحي برمته... ما يستدعي بطبيعة الحال، استنفاراً وطنياً فلسطينياً شاملاً على مختلف المستويات وتشكيل جبهة إعلامية فلسطينية حيوية، لغاية فضح حقيقة المخطط الصهيوني الإجرامي... ويبقى هذا التصعيد القمعي الاحتلالي في إطار الاشتباك المفتوح مع الاحتلال والمشروع الصهيوني.