Menu

ورقة بحثية: في ظل أجواء الاقتحامات اليومية الإرهابية: افتراضية "هدم الأقصى" وبناء "الهيكل الثالث".. الاحتمالات والآفاق...!

نواف الزرو

     في ضوء هذا الانفلات الإرهابي الاستيطاني الصهيوني المسعور على القدس والحرم والأقصى الذي بتنا نتابعه على مدار الساعة بالبث الحي والمباشر، أصبح يخالج الكثيرين من المتابعين والكتاب والباحثين والمواطنين جملة من التساؤلات: إلى أي مدى وما هو سقف وتداعيات هذه الاقتحامات...؟! وهل ستكون الخطوة التالية بعد كل هذه الاقتحامات والانتهاكات والجرائم تفجير أولى القبلتين وثالث الحرمين؟ وكيف سيكون رد فعل الأمتين العربية والإسلامية بل والرأي العام العالمي...؟!

بالتأكيد تعتبر هذه تساؤلات كبيرة وتحتاج إلى إجابات معمقة ومقنعة حولها، وخاصة حول افتراضية "هدم الأقصى" ومدى احتماليتها. في الرد على هذه التساؤلات وفي محاولة للإحاطة بها والاضاءة عليها، أجتهد شخصيا بتقديم التحليل التالي:

   في أحدث وأقرب الأحداث في قلب البلدة المقدسية العتيقة والمسجد الأقصى نتابع:

- مواجهات واشتباكات باتت يومية صباح مساء في باحة الأقصى.

- اقتحامات شبه يومية للحرم والاقصى، تقوم بها عصابات المستوطنين الإرهابيين.

- تنظيم زيارات – اقتحامات – انتهاكات شبه يومية للأقصى، من قبل مجموعات وحركات وتنظيمات متطرفة، يرافقهم أعضاء من الكنيست الصهيوني.

- تنظيم جولات لطلاب المدارس الدينية اليهودية في باحات الأقصى وإقامة صلوات تلمودية، تهدف إلى ربط هؤلاء روحيا وثقافيا ب"الهيكل" الذي يفترضون أنه مكان قبة الصخرة.

- دعم حكومي مفتوح لكل هذه الاقتحامات والانتهاكات.

 وغير ذلك الكثير الكثير من العناوين، ومنها ما كشف النقاب عنه من تعميم أذرع من الجيش الإسرائيلي صورة للمسجد الأقصى المبارك وقد أزيلت منه قبة الصخرة مدعية أن هذه الصورة تمثّل "جبل الهيكل"، التسمية التهويدية للمسجد الاقصى، خلال فترة الهيكل الثاني، واعتبرت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث ذلك تعدياً سافراً "على قدسية وإسلامية المسجد الأقصى المبارك وإشارة خطيرة لما يطمع له الاحتلال الاسرائيلي من إقامة الهيكل المزعوم.

إلى ذلك، هناك مسلسل طويل من الأحداث اليومية ما بين الانتهاكات والاقتحامات والصدامات والاعتقالات في المدينة المقدسة، كلها تشير إلى شيء من الهستيريا الصهيونية التي تسيطر على السياسات الاحتلالية في المدينة. وفي ظل هذه الهستيريا -الحملة الصهيونية السافرة على القدس والأقصى، "أنتج متطرفون يهود –مبكرا منذ سنوات- تسجيلا لواقع افتراضي يمثل تصورا لهدم المسجد الأقصى المبارك بالقدس، وذلك من خلال قصفه جوا"، ويفيد التقرير أنه "يتم تداول هذا الشريط بين اليهود المتطرفين في مناسبات اجتماعية، في محاولة لإنشاء جيل يضع مسألة هدم الأقصى باعتبارها واحدا من أهدافه"، ويأتي هذا التسجيل الافتراضي بالتزامن مع مخططات إسرائيلية أخرى هدفها المس بالمسجد الأقصى سواء عبر حفر الأنفاق أو بناء الكنس اليهودية في محيطه، كما يأتي ضمن محاولات عديدة للمتطرفين لبناء الهيكل المزعوم مكان المسجد الأقصى، وقال مدير مركز الأبحاث الإسلامية بجامعة القدس مصطفى أبو صوي للجزيرة "إن المتطرفين يتمنون لأبنائهم عندما يبلغون سن الثالثة عشرة (سن النضوج لديهم) أن يصبحوا طيارين ليقوموا بقصف المسجد الأقصى وهدمه".

الحقيقة الكبيرة الصارخة أن هذا الواقع الافتراضي بالنسبة لهم، إنما ينتظر لحظة الانتقال إلى التطبيق وتحويله إلى حقيقة، فنحن عمليا في ظل مناخ صهيوني إرهابي تدميري متكرس، والمسالة ليست تصريحات عابرة لهذا الحاخام أو ذاك..!

فقد أنتجت المؤسسة الدينية اليهودية، عبر مدارسها وهيئاتها وتنظيماتها ومستنقعاتها المنتشرة على امتداد المجتمع الصهيوني في فلسطين المحتلة على امتداد مساحتها التاريخية، ثقافة وعقلية عنصرية عدوانية دموية تدميرية ضد العرب ومقدساتهم، وضد الأقصى والصخرة مضاف إليهما المقدسات المسيحية أيضا وفي مقدمتها كنيسة القيامة. كما فرخت مؤسساتهم ومدارسهم ومستوطناتهم الدينية المتعصبة مجموعة من التنظيمات والحركات الاستيطانية الإرهابية السرية والعلنية التي اقترفت مسلسلا طويلا متصلا من الانتهاكات والجرائم ضد القدس وأهلها ومقدساتها، وكل ذلك تحت سمع وبصر وغطاء بل ومشاركة ودعم الجهات الرسمية الإسرائيلية حكومية وبرلمانية وعسكرية وأمنية وإدارية، وذلك عبر مختلف الوزارات واللجان المتخصصة بشؤون القدس أو حتى غير المتخصصة.

وقد تكشفت هذه الثقافة والعقلية التدميرية المؤدلجة لديهم مبكرا جدا بعد العدوان والاحتلال عام/1967، حينما طلب الحاخام شلومو غورن كبير حاخامات الجيش الإسرائيلي آنذاك من الجنرال عوزي نركيس قائد المنطقة الوسطى في يوم احتلال القدس واقتحام الحرم القدسي الشريف عام 1967، "العمل على نسف الصخرة والمسجد الأقصى للتخلص منهما مرة واحدة وإلى الأبد". والحقيقة الساطعة أيضاً أن الحاخام اليهودي غورن لم ينفرد بهذه العقلية التدميرية ضد الأماكن المقدسة، حيث أن عدد رجال الدين الحاخامات اليهود الذين شاركوه أفكاره ومعتقداته ونواياه أو ساروا عليها لاحقاً، ضخم، وقد تزايد وفرخ أعدادا أخرى وأخرى على مدى سنوات الاحتلال.

ونشير في السياق إلى ما كان غرشون سلوموم زعيم جماعة أمناء جبل الهيكل التي تسعى بلا توقف إلى هدم الأقصى المبارك، قد أكد عليه قائلاً: "أن وضع حجر الأساس للهيكل يمثل بداية حقبة تاريخية جديدة، نريد أن نبدأ عهداً جديداً للخلاص اليهودي"، وكذلك إلى يوم فتح النفق الاحتلالي تحت الحرم القدس الشريف عام/1996، حيث ان نتنياهو أعلن كما هو معروف قائلا: "لقد بدأ التاريخ اليهودي عند هذه الصخرة مشيرا إلى صخرة كبيرة في النفق".

وقد استخلص زياد منى الباحث الفلسطيني في التوراة والتاريخ القديم المتصل بفلسطين في دراسة موثقة أعدها بهذا الصدد "إن النفق كان خطوة على طريق تعريض أسس القبلتين للهدم وإقامة مملكة إسرائيل الكبرى... وإن إعادة بناء هيكل سليمان تشكل أساس وجود اليهودية المادي ولا معنى لكيان صهيوني دون الهيكل".

ومن عهد غورن إلى الراهن في المشهد، فقد كان الحاخام الأميركي مانيس فريدمان التقى مع غورن بعد اثنين وأربعين عاما، إذ دعا إلى "قتل العرب رجالا ونساء وأطفالا، وتدمير مقدساتهم"، وذلك في رده على سؤال في عدد مايو/أيار-يونيو/حزيران 2009 من مجلة "مومنت" (Moment) الأميركية في قسم بعنوان "اسألوا الحاخامات"، وقال في رد على سؤال عن كيفية معاملة اليهود لجيرانهم العرب "أنا لا أومن بالأخلاقيات الغربية التي تقول لا تقتلوا المدنيين أو الأطفال، ولا تدمروا الأماكن المقدسة، ولا تقاتلوا أثناء الأعياد ولا تقصفوا المقابر ولا تطلقوا النيران حتى يبدؤوا هم بذلك/ وكالات/ الجمعة 5 / 06 / 2009"، وأضاف فريدمان، وهو حاخام بمعهد "بياس تشانا" للدراسات اليهودية بولاية مينيسوتا أن "الطريقة الوحيدة لخوض حرب أخلاقية هي الطريقة اليهودية: دمروا مقدساتهم، واقتلوا رجالهم ونساءهم وأطفالهم ومواشيهم... فعند تدمير مقدساتهم سوف يتوقفون عن الاعتقاد بأن الرب إلى جانبهم". وربما تكون نوايا الهدم بلغت ذروة جديدة لها في الآونة الاخيرة، والحكومة الإسرائيلية متواطئة تماما في ذلك، إذ كشف الكاتب إسرائيل هرئيل النقاب في هآرتس - 15/10/2009- عن أن الحكومة الإسرائيلية تراجعت في اللحظة الأخيرة عن نيتها هدم المساجد في جبل الهيكل، ولم تستغل الحج في عيد العرش لإقامة مراسم إرساء حجر الأساس للهيكل الثالث، وكذلك أجل إلى موعد أكثر مناسبة خوف انتفاضة ثالثة ترحيل عرب القدس وأم الفحم"، مضيفا: "ينبغي أن يسوى – حتى في هذا الحين المتأخر – بين مكانة اليهود والمسلمين (لا يشتمل ذلك بطبيعة الأمر على دخول اليهود المساجد) في جبل الهيكل، سيهدد العرب بالجهاد وستأتي تنديدات من كل صوب، لكن التصميم اليهودي سيجعل المسلمين ومؤيديهم اليهود يعتادون مع الوقت الواقع الجديد".

 ومن هنا ليس صدفة أن رأينا ونرى حتى يومنا هذا مسلسل أفكار ومقترحات ومطالبات التدمير ضد الأماكن المقدسة، بغية نسفها ومحوها من الوجود إلى الأبد، فها هي زوجة النائب بالكونغرس الأميركي سكوت تيبتون، تدعو الجماعات الدينية اليهودية والمستوطنين المتطرفين لاحتلال المسجد الأقصى والسيطرة علية، وإقامة "الهيكل" المزعوم-وكالات-: 26/02/2018 -، وجاءت دعوة زوجة النائب تيبتون، بعد أيام على اقتحام زوجها والنائب ديفيد ماكينلي، المسجد الأقصى في خطوة استفزازية وبحماية من شرطة الاحتلال. وكتبت تيبتون في تدوينة لها على موقعي التواصل "فيس بوك وتويتر"، قائلة إنها "تحلم باليوم الذي يصبح فيه المسجد الأقصى تحت السيطرة اليهودية". وكذلك وزير الإسكان الإسرائيلي أوري أريئيل من حزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرف الذي دعا الى بناء الهيكل مكان المسجد الأقصى، وقال إن قيام دولة فلسطينية هي "قصة خيالية"، وأضاف أريئيل خلال مؤتمر صحفي عقده في مستوطنة شيلو في الضفة الغربية، أن الإسرائيليين بنوا الكثير من الهياكل، إلا أنهم في حاجة لبناء، ما سماه، بـ"الهيكل الحقيقي في جبل الهيكل-  5 / 07 / 2013  -. وقبله قال النائب المتطرف ارييه إلداد من كتلة الاتحاد الوطني اليمينية لدى مشاركته في مسيرة طافت أسوار البلدة القديمة في القدس "إنه يجب مستقبلا إزالة المسجد الأقصى دون هدمه، ونقله إلى مكان آخر ليحل محله الهيكل اليهودي-29 / 07 / 2012 -.

ولا تقتصر عملية التخطيط والتدبير لاقتراف الجرائم وهدم الأماكن المقدسة على التنظيمات المشار إليها، إذ أشارت دراسة إلى "وجود نحو 125 جماعة يهودية متطرفة خمسها تخصصت في المساعي الرامية إلى هدم الأقصى وبناء الهيكل". كما أشارت إلى أن السعار المتلهف لهدم الأقصى لم يقتصر على اليهود في الداخل والخارج، بل تعدى إلى مسيحيين متعصبين مهووسين قادمين من الخارج"، وحسب ما ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت، فإن بعضهم وصل من إيطاليا في مهمة مقدسة ومحدودة لهدم الأقصى.

 إذاً كل هذه الأجهزة الرسمية الإسرائيلية.. وكل هذه التنظيمات والحركات الإرهابية اليهودية السرية والعلنية تعمل وتسابق الزمن وتتسابق فيما بينها لاقتراف أكبر قدر من الانتهاكات والجرائم ضد المدينة المقدسة أولاً، وتتسابق من جهة ثانية فيما بينها على هدم الأقصى وبناء الهيكل اليهودي المزعوم. فهناك إذاً بلا تهويل، ثقافة وأيديولوجيا صهيونية، تستهدف هدم الأقصى المبارك، ولا تقتصر هذه الثقافة على بعض الحاخامات أو القيادات السياسية، بل إنها تنتشر مع سبق التخطيط لتصل إلى الأجيال الصهيونية الصاعدة.

تحتاج فلسطين والمدينة المقدسة والمقدسات والأقصى في مقدمها إلى تحركات عربية إسلامية وأممية جادة وحقيقية ومسؤولة، وعلى مستوى تاريخي، وإلا تلك الافتراضية الصهيونية، ستغدو أقرب ما يمكن إلى الواقع...؟!