Menu

تلخيص لدراسة الكاتب اليساري خورخي مارتن

فنزويلا: الثورة المضادة فازت بالانتخابات

ناخبة تدلي بصوتها في الانتخابات الفانزويلية الاخيرة

فنزويلا: الثورة المضادة فازت بالانتخابات

 07 ديسمبر 2015

في وقت متأخر من ليلة 06 ديسمبر، أعلن المجلس الوطني الانتخابي الفنزويلي النتائج المؤقتة، لكن الحاسمة، للانتخابات البرلمانية. فازت "حركة طاولة الوحدة الديمقراطية" (MUD) المعارِضة المناهضِة للثورة بـ 99 مقعدا مقابل 46 للحزب الاشتراكي الفنزويلي الموحد، مع بقاء 22 مقعدا آخر بدون معطيات لحد الآن. هذه نكسة خطيرة، ومن واجبنا تحليل أسبابها وتفسير العواقب المحتملة.

كانت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات عالية: 74.25٪ من أصل 19 مليون ناخب، أي أعلى بثماني نقاط عما كانت عليه خلال انتخابات الجمعية الوطنية السابقة عام 2010، على الرغم من أنها لم تصل إلى مستوى الانتخابات الرئاسية 2013 (حين كانت 80٪).

كانت هناك، منذ الصباح الباكر، تعبئة شاملة في الأحياء الفقيرة والمناطق العمالية في المدن الكبيرة من أجل الخروج للتصويت، لكن كانت هناك أيضا تعبئة مماثلة وأكبر بين ناخبي المعارضة. كانت هناك طوابير طوال اليوم في مراكز الاقتراع، وأخيرا كان على المجلس الانتخابي الوطني (CNE) تمديد وقت التصويت ساعة إضافية أخرى، حتى السابعة مساء. وفي كثير من الحالات بقيت مراكز الاقتراع مفتوحة لمدة ساعة أخرى أو أكثر، للتأكد من أن كل من كان في قائمة الانتظار قد سمح لهم بالتصويت. وكانت الفضيحة هي أن القادة الرئيسيين للمعارضة "الديمقراطية" احتجوا على هذا القرار وطالبوا بأن تقفل مراكز الاقتراع أبوابها!

وعلى الرغم من أن النتائج الوطنية الكاملة لم تنشر بعد، فإنه من الممكن إجراء تحليل أولي للمعطيات. إذا قارنا هذه الأرقام مع انتخابات الجمعية الوطنية لسنة 2010، يمكننا أن نرى أنه في حين عرفت الأحزاب الثورية عموما تراجعا في الأصوات التي فازت بها، فإن الأصوات التي فازت بها المعارضة ارتفعت بنسبة كبيرة، الأمر الذي يشير إلى أن الغالبية العظمى من الزيادة في المشاركة وكذلك الناخبين الجدد قد كانت لصالحها.

ما هي الأسباب الرئيسية لهذه الهزيمة؟

 هناك عدد من العوامل:

 الحملة الإعلامية ضد الثورة، والتدخل والتحرش الامبريالي ضدها (من طرف الولايات المتحدة مباشرة وبشكل غير مباشر عبر كولومبيا وغوايانا والرئيس الأرجنتيني الجديد ماكري ومنظمة الدول الأمريكية (OAS)، الخ)، وتخريب الاقتصاد وتزايد انعدام الأمن وارتفاع الجريمة.

 ومع ذلك فإنه لا يمكن القول بأن هذه العوامل كانت حاسمة بالنظر إلى أنها كانت موجودة بالفعل في الانتخابات السابقة، ورغم ذلك تمكن الحزب الاشتراكي الفنزويلي الموحد من الفوز فيها.

هناك أيضا عدد من المشاكل الجديدة، أو بعض تلك التي جعلت الأمور أسوء بكثير، وخاصة في مجال الاقتصاد، وقد أدى انهيار سعر النفط إلى تقليص كبير لهامش المناورة للحكومة من حيث المال المتاح لتمويل سياساتها الاجتماعية وقدرتها على استيراد المواد الغذائية لتزويد السوق المحلية التي خنقها تمرد المنتجين الرأسمالين ضد سياسة الرقابة على الأسعار .

التضخم الهائل وندرة المنتجات الأساسية والابتزاز والسوق السوداء، كل هذه العوامل لعبت بشكل واضح دورا رئيسيا.

وقد ذكرها مادورو في خطابه الذي أعلن فيه قبول نتائج الانتخابات، عندما قال: "يمكن القول بأن الحرب الاقتصادية قد انتصرت".

 لكن هذا ليس سوى تفسير جزئي. لقد صمدت الجماهير الثورية في الماضي أمام الهجوم الاقتصادي الذي شنته الطبقة الرأسمالية، ولا سيما خلال حملة إغلاقات المصانع التي شنها أرباب العمل طيلة شهرين وتخريب صناعة النفط منذ دجنبر 2002 حتى أوائل فبراير 2003. لماذا الوضع مختلفا هذه المرة؟

إلى جانب هذا التقاعس وصلت البيروقراطية والفساد مستويات غير مسبوقة، مما تسبب في انتشار الإحباط والشك وحتى الكلبية بين صفوف فئات واسعة من الجماهير البوليفارية وعناصرها النشطة. وعندما نرى المصانع المؤممة والمملوكة للدولة، حيث حاول العمال تطبيق عناصر الرقابة والتسيير العماليين بدرجات مختلفة لكنهم تعرضوا للهزيمة من قبل البيروقراطية، غارقة الآن في سوء الإدارة والفساد المفضوح، فإن هذا يعزز موقف المعارضة الرأسمالية التي تقول بأن التأميم غير صالح. بل الأسوء من ذلك هو أنه يحبط معنويات المناضلين العماليين الذين يناضلون من أجل الرقابة العمالية.

سوف نرى من سيحاولون إلقاء اللوم على الجماهير وعلى "مستوى الوعي المنخفض لديها". وقد بدأنا نسمع منذ الآن تلك الأصوات: "لقد أعطتهم الثورة التعليم والرعاية الصحية والسكن، فإذا بهم يصوتون الآن لصالح المعارضة". هذه حجة كاذبة تماما يستخدمها الإصلاحيون والبيروقراطيون كمبرر. وهي لا تفسر أي شيء.

لقد أظهرت نفس هذه الطبقة العاملة وتلك الجماهير الفقيرة غريزتها الثورية وروح التضحية بالنفس لديها وولائها للمشروع البوليفاري في مناسبات لا تعد ولا تحصى. لقد كانت هذه الجماهير هي التي هزمت انقلاب عام 2002 وإغلاقات أرباب العمل 2002- 2003، ومظاهرات البلطجية (guarimbas) والاستفتاء لإسقاط الرئيس عام 2004، واستجابت بالملايين لدعوة تشافيز لإنشاء الحزب الاشتراكي الفنزويلي الموحد والنضال من أجل الاشتراكية، الخ.

المشكلة هي أنه في كل مرة كانت الجماهير تتحرك إلى الأمام في محاولة لانتزاع السلطة من يد الطبقة الحاكمة، من خلال إنشاء مجالس عمالية في مؤسسات الدولة ومن خلال احتلال المصانع وتشغيلها تحت الرقابة العمالية ومن خلال الاستيلاء على الأرض ومن خلال إنشاء كومونات اشتراكية في الأحياء، كانت البيروقراطية، التي هي في الواقع الطابور الخامس الرأسمالي داخل الحركة البوليفارية، تمنعهم وتتصدى لهم.

ماذا بعد؟

من الواضح أن الثورة المضادة سوف تستخدم الموقع الذي فازت به في الجمعية الوطنية لشن هجوم لا هوادة فيه على كل مكتسبات الثورة (وهي كثيرة وواسعة النطاق). ستسعى للتعامل مع المشاكل الاقتصادية التي تواجهها فنزويلا بتخفيض أجور العمال وإلغاء الرقابة على الأسعار وخفض الانفاق الاجتماعي وتخفيض قيمة العملة، إلخ.

وقبل كل شيء سوف تستخدم انتصارها لشن هجوم على المؤسسات التي ما تزال في أيدي الحركة البوليفارية، ولا سيما عن طريق اللجوء إلى الاستفتاء على الرئيس في أقرب فرصة. وسوف تمرر قانونا للعفو لإطلاق سراح جميع الناشطين والسياسيين المعادين للثورة الموجودين في السجن بسبب دورهم في أعمال الشغب في عام 2014 والتي تسببت في 43 حالة وفاة.

في الوهلة الأولى ستكون الهزيمة ضربة قاسية للمناضلين الثوريين. فلسنوات عديدة استمرت الحركة تحقق الانتصار تلو الانتصار. لكن بعد انقشاع الغبار ستكون هناك نقاشات سياسية مكثفة حول أسباب الهزيمة. وكما كان الحال في الثورة الإسبانية، عندما أدى سحق انتفاضة أكتوبر 1934 إلى تجذر قوي للمنظمات الاشتراكية (بدءا من الشبيبة الاشتراكية)، سوف تؤدي الهزيمة الفنزويلية إلى تقوية الجناح الأكثر تجذرا وثورية داخل الحركة التشافيزية.

وفي الوقت نفسه، ستتجدد الضغوط على الجناح الإصلاحي والبيروقراطي داخل الحركة. وقد بدأ البعض بالفعل في الحديث عن الحاجة إلى "الحوار" و"الحل الوسط". وبعض كبار المسؤولين الفاسدين مستعدون لتغيير المعسكر دفاعا عن امتيازاتهم وعما نهبوه. سيخلق هذا حالة صحية من الوضوح داخل الحركة البوليفارية.

لن تتخلى الجماهير الفنزويلية بسهولة عن المكتسبات التي حققتها في العقد الماضي. ويبقى علينا أن نرى مدى السرعة التي ستسير بها المعارضة الرأسمالية في محاولتها تفكيك البرامج الاجتماعية الأساسية وطرد أطباء Mision Barrio Adentro الكوبيين وإلغاء البرامج التعليمية والهجوم على الجامعات التي أنشئت حديثا والحد من الحقوق التقاعدية وخصخصة الشركات العمومية وإجراء تطهير سياسي لجهاز الدولة، وما إلى ذلك. إنهم الآن يشعرون بالثقة وهذه الثقة قد تقودهم إلى المبالغة في تقدير قوتهم. يمكن لأي استفزاز كبير أن يثير رد فعل مضاد من طرف الجماهير البوليفارية، التي هزمت في مجال الانتخابات، لكنها لم تتكبد أية هزيمة ساحقة بأي حال من الاحوال.

المسألة الحاسمة في حقل النضال الجديد هذا هي أن نتعلم الدرس الرئيسي: لقد إنتهى ذلك الزمن الذي كانت تبدو فيه الإصلاحية ممكنة (تنفيذ برامج اجتماعية كثيرة دون مصادرة جذرية لأملاك الأوليغارشية). لا يمكن للثورة البوليفارية التعافي من هذه الضربة إلا من خلال اعتماد برنامج اشتراكي واضح، من خلال تطبيق مشروع الرئيس هوغو تشافيز الذي أكد عليه في خطابه "تغيير الاتجاه" (Golpe de Timón)، حين أشار إلى اثنين من المهام الرئيسية العالقة: بناء اقتصاد اشتراكي وتدمير الدولة البرجوازية.

على الحركة البوليفارية أن تخوض صراعا ايديولوجيا، عليها أن تمتلك برنامجا اشتراكيا ثوريا واضحا، إذا ما هي أرادت التعافي من هذه الضربة.

 

[1] خورخي مارتن يساري من بورتوريكو.