Menu

تعليقا وتقييماً لدراسة الرفيق د. وسام الفقعاوي "المقاومة: لماذا يَجبُ أن نُديمَ الاشتباك؟"

غازي الصوراني

ولدي صديقي رفيقي الغالي د. وسام... تدرك ويدرك الكثيرون من الرفاق والأصدقاء حرصي على متابعة كتاباتك بمشاعر متصلة من الفخر والاعتزاز والفرح... لكنني مع هذه الدراسة "المقاومة: لماذا يَجبُ أن نُديمَ الاشتباك؟"؛ أود الى جانب الفخر والفرح أن أطبع قبلة على جبينك غامرة بالحرارة التي ستصل إشعاعاتها إلى روحك وعقلك الثوري الغامر برؤاه السياسية الاستراتيجية ووصل عبر هذه الدراسة إلى مستوى يضعك في مصاف كبار الكُتَّاب/المثقفين والمفكرين التقدميين الثوريين الراحلين والشهداء منهم، والمعاصرين عموماً، وهو مستوى يجعلني واثقاً من أن روح رفيقنا الكاتب والإعلامي والأديب الشهيد غسان خصوصاً؛ ترعاك فرحاً بوسام واستحقاقه المطلق بزمالة رفيقه غسان رئيساً لتحرير مجلة "الهدف"...

لقد أبدعت يا ولدي فيما تضمنته دراستك من ألفاظ ومعاني – عبر منهجية ماركسية - حملت كثيراً من الرسائل والإشارات السياسية والمعرفية الثورية المستقبلية الرافضة لأوضاع الانحطاط الراهن من ناحية، والمؤشرة على ضرورة استيعاب وفهم معاني تضحيات دروس وعبر وبطولات الشهداء من "الزير وجموم وحجازي، مرورًا بالقسام والسعدي وأبو جلدة والحسيني وأبو دية، وصولًا إلى غسان كنفاني وأبو جهاد الوزير والياسين وأبو علي والشقاقي والقاسم... وليس انتهاءً بأبطال كتيبة جنين من جميل العموري ورعد وعبد الرحمن خازم والطبيب عبدالله أبو التين... وعرين الأسود من أدهم مبروكة ومحمد الدخيل وأشرف المبسلط وتامر الكيلاني ووديع الحوح ورفاقه الشهداء.. إنه مداد الضمير اليقظ والذاكرة الحيّة والتجربة المُحمرّة بالدم".

هذا المقام كنت - وستظل - مثالاً رائعاً صادقاً للمثقف العضوي المناضل بالمعنى الماركسي الحامل لاستنهاض روح التحرر الوطني والديمقراطي الفلسطيني في علاقته الجدلية التاريخية، والراهنة والمستقبلية بالبعد القومي التقدمي، من المنظور الطبقي الثوري الماركسي الذي يرى في أنظمة التبعية والتخلف والاستغلال والتطبيع والخضوع للتحالف الإمبريالي الصهيوني وجوداً طارئاً وشاذاً؛ فاقداً لوعيه الوطني، ولا علاقة له بالوعي القومي، بل مرتداً عنه وخائناً له، ولذلك يستحيل تحقيق أي خطوة عملية على طريق تحرير فلسطين، بدون تفعيل النضال لإسقاط هذه الأنظمة واقامة البديل الثوري لها.

ولدي العزيز: إن قول " لينين " يدعونا ليس إلى فهم قوانين التغيير الصحيحة بشكل عام، بل أيضًا – كما تقول - أن نرى ما هو جديد ومختلف وأن يكون بمقدورنا وسط كل التعقيدات؛ أن نجد ما هو جديد وأساسي لاكتساب أقسام مهمة من الجماهير لدفعها إلى العمل، وأن نختار في كل مرحلة أشكال الصراع التي تكون الجماهير على استعداد لخوضها، وهذه بدورها تفرض إبداعًا مستمرًا، بل وتتطلب عدم الركون للصيغ الجامدة والثابتة، وذلك انطلاقًا من أن النظريات الثورية وفي صلبها الماركسية كما يذهب "لينين"، ليست صيغًا جامدة، بل هي مرشدة عمل.

وانطلاقًا من ذلك- كما تضيف - فلا مجال أمامنا سوى أن نُبدع باستمرار وسائل كفاحنا ومقاومتنا الوطنية الشاملة ولا نتوقف عند شكل منها بحد ذاته، فالثقافي كما العسكري والتنموي كما السياسي، والإعلامي كما الدبلوماسي، والجماهيري كما النقابي... ويبقى الهدف من كل ذلك هو تحصين وبناء الذات والدفاع عنها ومواجهة عدوها وتركيم خسائره على طريق هزيمته التاريخية الساحقة، خاصة وأن كل محاولات المساومة التاريخية معه؛ ثبت أنها كانت تصب في مصلحته، واستمرارية اندفاع مشروعه وتوسعه، على حساب شعوبنا العربية وحقوقها وثرواتها وهويتها ومستقبلها، وذلك تطبيقا للهدف الاستعماري/الإمبريالي بالنسبة لإنشاء الكيان الصهيوني وهو استمرار تجزئة العرب واحتجاز تطور المجتمعات العربية، لضمان استمرار المصالح الامبريالية في بلادنا.

لذلك – كما قال رفيقنا القائد الأديب المثقف الثوري الشهيد غسان "لا بد من تأمل مسيرتنا الوطنية من أجل التحرير... لنكتشف أننا نسينا أو تناسينا في غمرة تفاؤلنا، التوقف أمام أو مع قضايا أساسية: ما هي طبيعة الكيان الصهيوني الذي سنحاربه؟ ما هي العلاقة بين الكفاح المسلح والعمل السياسي، وهل يتكاملان ويتفاعلان، أم أن لكل منهما قناة منعزلة عن الأخرى؟ ما علاقة الكفاح المسلح بالتسييس داخل المجتمع الفلسطيني نفسه؟ وما قيمة صراع الفلسطينيين مع العدو إذا كان معزولاً عن محدده الأول والأخير كصراع عربي صهيوني؟".

قضية التحرر الوطني والتحرير إذاً هي بالضرورة في مرحلة الانحطاط العربي الرسمي الراهن– في هذا العصر بالذات – قضية لا يمكن فصلها عن بعدها الطبقي الاجتماعي المطلبي الثوري، فهي ليست مسألة وجدانية أو فلسفية عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، أو حق الشعوب في مقاومة المحتل، والدفاع عن حريتها وتحررها، لأن مهمة التحرر الوطني، ينبغي أن تتوفر لها عوامل وشروط، تُحَوِّل هذا الفهم الوجداني أو الفلسفي، إلى تطلعات سياسية وطبقية تخدم فكرة النضال التحرري الوطني، وتعزز أيضا بلورة الهوية الوطنية والقومية التقدمية الديمقراطية الجامعة.

ولذلك، فإن النقد الجاد الكامل والصريح، هو نقطة البداية، لإعادة صياغة فصائل وأحزاب حركة التحرر العربية، إلى جانب إعادة صياغة أهداف الثورة التحررية الديمقراطية العربية، وممارستها على أساس علمي، بعد أن توضحت طبيعة الطريق المسدود الذي وصلته الأنظمة العربية، وانتهت إليه مسيرة هذه الحركة، بسبب أزمة فصائلها وأحزابها عموماً، وأزمة قياداتها خصوصاً، التي عجزت عن توعية وتثقيف وتنظيم وتعبئة قواعدها وكوادرها لكي تنجز مهامها التاريخية، إذ أن هذه الأوضاع القيادية المأزومة، التي جعلت بلدان الوطن العربي، في المرحلة التاريخية المعاصرة، من أقل مناطق العالم إنتاجاً للعمل الديمقراطي الثوري الطويل النفس القادر على حماية نفسه، والمنتج في المدى الطويل لتحولات سياسية ومجتمعية نوعية، ودائمة ومطردة التطور على هذه البقعة أو تلك من الأراضي العربية.

وعليه أقول بكل وضوح، إنّ الثورة لا تنضج بمقدماتها فحسب، بل تكتمل بتوفير الوعي المعمق لكافة العناصر الموضوعية للوضع الثوري والعامل الذاتي (الحزب) ووحدتهما معاً، وهي أيضاً لا يمكن أن تندلع بالصدفة أو بحفنة من المناضلين المعزولين عن الشعب، بل بالحزب الثوري الديمقراطي المؤهل، الذي يتقدم صفوف الجماهير الشعبية الفقيرة، واعياً لمصالحها وتطلعاتها وحاملاً للإجابة على أسئلتها، ومستعداً للتضحية من أجلها، واثقاً كل الثقة من الانتصار في مسيرته وتحقيق الأهداف التي تأسس من أجلها.

للاطلاع على الدراسة اليكم الرابط: https://hadfnews.ps/post/108254/%