Menu

هل ستبتلع الصهيونية الدينية الحريديم الأرثوذكس: التحول الراديكالي

بوابة الهدف - خاص بالهدف: ترجمة وتحرير أحمد مصطفى جابر*

تنبؤ التحولات الأخيرة في السلوك التصويتي العام للحريديم الأرثوذكس، عن ترسخ أحزاب الحريديم التي كانت يومًا مع معادية للصهيونية، في قلب النسيج اليميني، ويبدو هذا عبر حدي أجيال جديدة منهم للقيادة الكلاسيكية وبحثهم عن مكان يعتقدون إنهم يستحقونه في النظام الصهيوني، ولنيل حصتهم من السلطة.

قبل الانتخابات الأخيرة اعتبر دفع الحريديم للمشاركة إحدى المشكلات التي واجهتها جميع الأطراف، فرغم كونهم فئة مهمشة إلا أنهم ربما أكثر الأطراف ديناميكية بين الكتل وكما ثبت أكثرها تأثيرًا في الانتخابات من حيث التصويت ذو المعنى، فالتصويت لليكود لا يعتبر أمرًا مهمًا لأنه حالة كلاسيكية مكرسة والليكود على كل حال له ناخبيه الدائمين المتوسعين أحيانا أو المتقلصين، ولكن ديناميكية الكتلة الحريدية برزت عبر الدفع بالصهيونية الدينية لاحتلال المركز الثاني في النتائج

وقد ثبت أنه بغض النظر عن قضايا التعليم الديني والمعاش، فإن الناخبين الحريديم وأحزابهم بدورها، أصبحوا منخرطين بشكل متزايد في الجناح اليميني للسياسة الصهيونية عبر التحول الواضح لجيل الشباب.

في الماضي تواجدت أحزاب الحريديم في الحكومة بشكل مستمر بفضل تحالفها الدائم مع العلماني النخبوي بنيامين نتنياهو، وقد تمكن من ترويضهم تماما اثناء توليه منصب وزير المالية من 2003-2005 عبر سلسلة من السياسات الاقتصادية الليبرالية، والتي تضمنت تقليصًا كبيرًا لرواتب دعم الأطفال التي يعتمد عليها الحريديم بشكل كبير، فأدرك نتنياهو مدى سهولة رحلته السياسية مع الحريديم وكيف يضمن بقاءهم إلى جانبه. وهذه كما اكتشف نتنياهو، وعجز الآخرون، تتضمن وصفة سهلة، فالمعروف عن الأحزاب الحريدية المرونة فيما يتعلق بقضايا خارج مجالها وإنها تعمل ككتلة يمكن الاعتماد عليها بشكل كبير عندما يتم تلبية احتياجاتها. وفي النظام البرلماني الصهيوني، يعد هذا رصيدًا مناسبًا لأي رئيس وزراء تميل دائرته الانتخابية بشكل إيجابي نحو القيم التقليدية التي يتبناها الحريديم. وهكذا صمدت الاتفاقية منذ ذلك الحين، حتى من خلال أربع جولات من الانتخابات الفاشلة منذ عام 2019 – بقي الحريديم مخلصين لنتنياهو رافضين التعاون مع خصومه. وقد رأوا كيغ تحول متخليا عن المسار الليبرالي الكلاسيكي الذي كان يروج له الليكود في الماضي، فأصبح نتنياهو منارة لليمين الديني بأكمله، واكتسب ثقتهم الكاملة بينما استغل بذكاء الميول العلمانية لليسار السياسي لإبعادهم عن التصويت الديني التقليدي. الآن، تجاوز التحالف مع الليكود والسياسة اليمينية مجرد الملاءمة السياسية، مما أثر على جيل قومي جديد من الحريديم، مما أثار استياء اليسار الصهيوني ومفاجأته - وفي الواقع أيضا، مؤسسة الحريديم التقليدية التي كانت مفاجأتها لا تقل عن اليسار.

اقرأ ايضا: البحث عن السلطة: في التحولات الهادئة للأرثوذكسي المتشدد والارتباط باليمين المتطرف

من معاداة الصهيونية إلى التكامل السياسي

قبل قيام "الدولة" عارض الحريديم الصهيونية في الأساس بسبب علمانيتها ولكن ايضًا بسبب معارضتهم لفكرة السيادة اليهودية على "أرض إسرائيل" قبل مجيء المسيح المخلص، ولكن في عام 1947، عندما كان من المقرر أن يدلي ديفيد بن غوريون بشهادته أمام لجنة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بفلسطين (UNSCOP) لصالح إنشاء دولة يهودية، كان بحاجة أولاً إلى ضمان دعم الحريديم حتى لا يوصوا بالعكس، مثل دولة أردنية مع أقلية يهودية محمية، وهي فكرة روج لها المجلس الحريديم في القدس كبديل للسيادة اليهودية العلمانية. لذلك لجأ بن غوريون إلى أغودات يسرائيل - أحد الممثلين الرسميين للحريديم في ذلك الوقت - برسالة قصيرة، معروفة حتى يومنا هذا باسم خطاب "الوضع الراهن"، حيث رسخ موقف الوكالة اليهودية بشأن أربع قضايا تتعلق بالدين وعلاقاتها المستقبلية مع الدولة. اختار الاقتراب من أغودات يسرائيل، التي أصبحت حزباً في الكنيست الأولى بعد قيام الدولة، لأنها كانت الأكثر اعتدالاً بين المجموعتين القياديتين في مجتمع الحريديم في ذلك الوقت. حيث كان أغودات إسرائيل قد انفصل عن المجلس الحريدي في عام 1944 بعد مواجهة بين أعضاء أغودات يسرائيل وناتوري كارتا، وهي مجموعة من اليهود الحريديين ظلت معارضة للصهيونية بينما تبنت مجموعات أخرى موقفًا أكثر تناقضًا. عندما فاز ناطوري كارتا في الانتخابات الداخلية للمجلس الحريدي، رد أغودات يسرائيل بتأسيس قيادته الخاصة. أولئك الذين بقوا في المجلس الحريديم، والذين يبلغ عددهم الآن أقل من 10 في المائة من أكثر من مليون شخص من الحريديم يعيشون في "إسرائيل"، استمروا حتى اليوم بمعارضة وجود الدولة ولا يشاركون في الانتخابات ويعتبرون أنفسهم بشكل ما فلسطينيين.

اقرأ ايضا: إلى اليمين در: لمن صوت الجنود الصهاينة؟

حاليًا، هناك ثلاث أحزاب مختلفة تمثل الحريديم، داخل الكيان الصهيوني: الحسيدية أغودات يسرائيل، الليتوانية ديجل هاتوراه (هذان الحزبان يعملان معًا حاليًا تحت راية يهدوت هتوراة المتحدة)، وشاس السفاردي. ويمكن اعتبار كل من هذه الأحزاب غير صهيونية، بما أنهم ما زالوا من الناحية الفنية يعارضون دولة يهودية علمانية على أسس دينية، ومع ذلك فهم يقبلون الدولة كحقيقة على الأرض ويستخدمون قوتها لتلبية احتياجات مجتمعهم الخاص.

تلعب الأحزاب الحريدية على حبل هذا التوتر لحله بطريقتين، وكلاهما متجذرة من الناحية اللاهوتية في فكرة الحفاظ على الطابع اليهودي لـ "أرض إسرائيل"، يتعلق أحدهما بالدعم الحكومي لحجر الزاوية في اليهودية الحريدية، عالم المدرسة الدينية - المؤسسات المهنية التي يتألف كل منها من الذكور حيث يُدرس التلمود من سن المدرسة الثانوية إلى مرحلة البلوغ. ويتعلق الآخر بالتأثير الديني على المجال العام: أحداث دورة الحياة مثل الزواج والطلاق والموت وحرمة السبت تخضع لسيطرة حاخامية أرثوذكسية معترف بها من الدولة. نتيجة لهذا التأثير، يُطلب من المؤسسات العامة مثل الجيش الالتزام بقوانين النظام الغذائي (الكوشير) الحلال، في حين أن معظم وسائل النقل العام والشركات تغلق أبوابها أيام السبت احترامًا ليوم السبت.

اقرأ ايضا: انتصار بن غفير أو انتصار الحاخامات: التغيرات الديموغرافية وأثرها على نتائج الانتخابات

ولطالما تضمنت اتفاقيات الائتلاف مع الأحزاب الدينية التزامًا بالحفاظ على الوضع الراهن فيما يتعلق بمسائل الدين والدولة، أو على الأقل منحهم حق النقض (الفيتو) على التغييرات في مواجهة هذا الالتزام. ونتيجة لذلك، فإن "النضال" العلماني حول توسيع وسائل النقل العام يوم السبت، وإقرار خيار الزواج المدني (جميع الزيجات التي تتم في الكيان تحت رعاية دينية، بما في ذلك زواج المسلمين والمسيحيين)، هي سمة ثابتة للسياسة "الإسرائيلية".

إلى اليمين در: الحرب بين دولة تل أبيب ودولة القدس

عادت ما تعمل أحزاب الحريديم في الكنيست مجتمعة كمجموعة ضغط، مركزة على القضايا الداخلية أو قضايا الدين مقابل الدولة. مبتعدة عن سياسة الدولة والأمن لأنهم لا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم ملتزمون تمامًا بالدولة "الإسرائيلية" العلمانية، وأيضًا لأنهم لا يخدمون في الجيش.

على سبيل المثال، دعم الحاخام الراحل عوفاديا يوسف، المؤسس والزعيم السابق لحزب شاس السفارديم الأرثوذكسي، اتفاقيات أوسلو وانضم إلى حكومة إسحق رابين من منطلق الرغبة في منع إراقة الدماء مع الفلسطينيين. وتطابق آراء الحاخام اليعازر مناحيم مان شاخ، الذي أسس وقاد دجل هاتوراه، آراء يوسف حول رؤية رابين "الأرض مقابل السلام". لكنه شعر أن اليسار الصهيوني يعارض تطلعاته الدينية وغير قادر أيضًا على تحقيق اتفاق مستقر مع الفلسطينيين. لذلك قطع الحاخام شاخ فعليًا العلاقات السياسية مع اليسار الصهيوني في خطابه الشهير "الأرانب والخنازير" في 26 مارس 1990، في تجمع ديجل هاتورا الذي أقيم في قاعة يد إلياهو في تل أبيب. في ذلك الخطاب، انتقد المجتمع العلماني - وتحديداً الكيبوتسات، التي أشار إليها باسم "مزارع الأرانب والخنازير" (حيوانات غير كوشير (محرم أكلها) يرمز استهلاكها إلى كسر التقاليد اليهودية) - وأعلن رفضه الانضمام إلى حزب العمل الذي يقوده الحكومة، مما أدى إلى تشكيل حكومة يمينية ضيقة بقيادة حزب الليكود بزعامة يتسحاق شامير. وقد مهد هذا الطريق لتحالف طويل الأمد مع اليمين السياسي الصهيوني، الذي اعتبره الحاخام شاخ أقرب إلى التقاليد اليهودية وبالتالي حليف طبيعي لديغل هتوراه. وفي الفترة التي سبقت انتخابات مارس 2020 ، قال يتسحاق بندروس، عضو الكنيست عن حزب ديجل هاتوراه من فصيل يهدوت هتوراة المتحدة.( في ذلك الوقت ، كان بندروس يقود حملة يمينية للغاية لكسب الأصوات - بشكل أساسي من حزب الصهيونية الدينية بزعامة بتسلئيل سموتريتش والذي بدأ يتعاون مع إيتمار بن غفير) حول انعطاف حزبه الحاد نحو اليمين: "في العقود الأخيرة، ثبت أن اليسار لا يمنع إراقة الدماء، أوسلو جلبت لنا انتفاضة دموية ، فك الارتباط [من غزة الذي لم ينفذ من قبل اليسار ولكن غالبًا ما ينسب إليه اليمين] زاد من صواريخ القسام. إذا كنا قد أعدنا الجولان [إلى سوريا، كما كان موضوع المحادثات الدبلوماسية قبل اندلاع الحرب الأهلية السورية] لكنا الآن أقرب إلى داعش من أي وقت مضى".

في الوقت نفسه، تابع بيندروس، كان اليسار يصعد "حربه على [اليهودية]" كان هذا يساعد في دفع تحالف الكتلة الدينية مع اليمين، والذي "يقوم على أساس النضال المشترك ضد القوى التقدمية لليسار". وأضاف أن دفاع اليسار عن التعددية الدينية - بما في ذلك حقوق الصلاة المتساوية في حائط المبكى وتخفيف القيود على التحول - منع أي تعاون محتمل مع الأحزاب الحريديم. وختم حديثه بالقول: "الحرب في إسرائيل بين دولة تل أبيب ودولة القدس".

كان بندروس قد بدأ حياته السياسية كرئيس لبلدية مستوطنة الحريديم بيتار عيليت في جنوب الضفة الغربية المحتلة. سكان بيتار عيليت، الواقعة على الخط الأخضر بقليل، لا يعيشون هناك لأسباب أيديولوجية وإنما اقتصادية: في الثمانينيات والتسعينيات، بنى الكيان الصهيوني مستوطنات كبيرة في الأراضي المحتلة للحريديم والشباب الذين لم يعودوا قادرين على تحمل تكاليف العيش في مدن داخل الخط الأخضر مثل بني براك والقدس. واليوم، يبلغ مجموع سكان هذه الكتل الاستيطانية حوالي 130.000، من أصل حوالي 600.000 مستوطن يعيشون خارج الخط الأخضر. ومع ذلك، عندما سئل عما إذا كانت حقيقة أن العديد من الحريديم يعيشون في الضفة الغربية تؤثر على الموقف السياسي للحزب، أجاب بندروس بشكل لا لبس فيه: "لا. نحن أولا وقبل كل شيء حزب توراة ولسنا حزبا وطنيا".

وعلى عكس اليمين القومي الديني، فإنّ الشراكة اليهودية العربية في الكنيست لا تمثل تحديًا أيديولوجيًا أو أخلاقيًا للقيادة الحريديم. شاس موشيه غافني وأحمد الطيبي من حداش تعال لا يخفون عاطفتهم المتبادلة، في حين أن ضم منصور عباس وحزبه الإسلامي حزب العمل في "حكومة التغيير" لا يعتبر خط أحمر من قبل بعض قادة الحريديم و. شاس، على الرغم من انحيازه لنتنياهو، لم يقم أبدًا بحملة مناهضة للعرب، وأكد حزب أغودات يسرائيل يسرائيل مؤخرًا - بعد تصاعد الهجمات الفدائية في المدن في الداخل، بما في ذلك الحريديم بني براك - أن السكان العرب في "إسرائيل" هم مواطنين ويجب معاملتهم على هذا النحو.

تحد من الداخل

رغم ان حقبة نتنياهو ما بين 2009- 2021 كانت مميزة للحريديم، وناجحة جدا لسياسييهم، فإن هذه الأحزاب تواجه اليوم تحديًا من داخل صفوفها، خاصة من الشباب. ينما تحافظ قيادتهم السياسية على مقاربة معتدلة لقضايا الدولة، متمسكين رسميًا بعقيدة "الدم فوق الأرض" (على الرغم من أنها في الغالب مجردة، إذا حدث مثل هذا السيناريو في المستقبل غير المحدد)، فإن "الأسرلة" المتزايدة لشباب الحريديم، الأقل تأثراً بالرأي الحاخامي، جعلتهم متطرفين ودفعتهم نحو اليمين العلماني والديني.

هناك عدة أسباب لذلك. الشباب الحريديم في الكيان اليوم هم عادة من الجيل الثالث أو الرابع من "الإسرائيليين"، الذين يقبلون حقيقة الدولة اليهودية وهم أقل اهتمامًا بالمعارضة النظرية لها. هم أيضًا أكثر اندماجًا في المجتمع "الإسرائيلي" أكثر من أي وقت مضى - سواء كان ذلك من خلال الخدمة العسكرية (رفض الحريديم تقليديًا التجنيد وبدلاً من ذلك يتلقون إعفاءات، على الرغم من أن بعضهم يخدم في وحدات حريديّة محددة وكانت الدولة تكافح منذ فترة طويلة لتجنيدهم بأعداد أكبر.) أو التعليم العالي أو القوى العاملة. علاوة على ذلك، أتاح الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ظهورًا أكبر خارج المجتمع المغلق تاريخيًا.

بل إنّ بعضهم يذهب إلى أبعد مما يفعله نظرائهم القوميون الدينيون في قضايا التفوق اليهودي، كما يتضح من العديد من الحريديم الذين يدعمون جهارًا الكاهاني إيتمار بن غفير وحزبه عوتسما يهوديت. كانت نسبة كبيرة من الأصوات التي خسرتها أحزاب الحريديم في الانتخابات الأخيرة، والتي بلغت 70 ألفًا تقريبًا، تعود إلى عدم تصويت الأشخاص، لكن كثيرين ذهبوا أيضًا إلى أقصى اليمين، حيث حصلت الصهيونية الدينية على 10 في المائة من الأصوات في مستوطنة بيتار إيليت الأرثوذكسية.

لم تكن الأحزاب الحريديم مستعدة لهذا التحول في الأحداث، لقد اعتادوا على إقبال الناخبين بأغلبية ساحقة ومجهزين بشكل جيد لإجراء حملات الاقتراع. وبأسلوب نموذجي، لا تزال شاس تستخدم صورة عوفاديا يوسف، بينما تقوم ديجل هاتوراه بحملتها الانتخابية على صورة راف كانيفسكي في الفترة التي سبقت الانتخابات. لا تظهر حملات الحريديم أبدًا صور المرشحين الفعليين، بل صور الحاخامات البارزين في دائرتهم الانتخابية. لكن الذي حدث أن الولاء تزعزع للقيادة الحاخامية، حيث يسعى الشباب المحرومون إلى الإثارة والمعنى والراحة في السياسة اليمينية المتطرفة التي تبدو، بعد سنوات عديدة من خطاب نتنياهو الملتهب والمثير للانقسام الذي دعمته الأحزاب الحريدية في حكومته، طبيعة ثانية.

طبعًا، لا يمكن ببساطة تحميل المسؤولية على حملة نتنياهو، على الرغم من قوتها. فالثقافة الحريدية انفصالية في جوهرها: التعليم المنفصل، والسكن، والصحف، والموسيقى، وحتى الأدب والكتب المصورة. جعلت الأعداد الكبيرة من الحريديم في الكيان من الممكن تطوير ثقافة مضادة كاملة، وتربية الأطفال في واقع بديل ومنفصل يكون عرضة للعنصرية والخوف بسهولة. بالطبع، تعزز هذه المخاوف من خلال الحقائق القاسية للهجمات الفلسطينية ويعززها ايضا الجهل التام - الذي يتشاركه معظم الإسرائيليين - تجاه اضطهاد الفلسطينيين. الآن، تواجه القيادة الحريدية تحديًا متزايدًا حيث يتماشى شبابها مع الجناح اليميني أيديولوجيًا ، وليس فقط من الناحية الآلية.

مضاعفة الصدع

في حين أن الأحزاب الحريديم تنقسم إلى حد ما إلى ثلاث مجموعات متساوية الحجم، إلا أنها لم تتطرف جميعًا بالطريقة نفسها. الأكثر عرضة هو شاس، اليهودية الحريدية، وهي تطور أوروبي نشأ من معارضة التنوير والعلمانية، لم تصبح شائعة بين اليهود السفارديم حتى وقت لاحق. قبل الهولوكوست، كان السفارديم يشكلون أقل من 10٪ من يهود العالم. كانوا يعيشون في الغالب في البلدان الإسلامية حيث جاء "التحديث" في وقت متأخر عن أوروبا، وبالتالي احتفظوا بنهج أكثر تقليدية وكانوا أقل تشددًا تجاه الاتجاهات العلمانية.

عندما تشكلت شاس في الثمانينيات، كانت بلا شك حزبًا حريديًا، لكنها اهتمت أيضًا بالحراك الاجتماعي والاقتصادي والقيم التقليدية، بينما كانت تمثل المزراحيين الذين لم يكونوا يمارسون اليهودية الأرثوذكسية بشكل كامل. في حين أن السنوات قد غيرت من جمهور شاس التقليدي ونهجه، لا يزال الحزب يحافظ على تقارب أكثر طبيعية مع التيار السائد في "إسرائيل". أصبح زعيم الحزب أرييه درعي، الذي دعم أوسلو ذات يوم، أقوى حليف لنتنياهو، وربط شاس بشكل لا ينفصم بكتلة بيبي اليمينية. لم يعد لدى حزب شاس الخيار السياسي في دعم أي شخص سوى نتنياهو، لأن العديد من ناخبيهم سوف يفرون إلى الليكود أو أحزاب يمينية أخرى إذا فعلوا ذلك، ويشعر شبابها، وبعضهم لا يزال مهمشًا اقتصاديًا، براحة أكبر في الاحتضان الدافئة الذي قدمه بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.

بينما من جانب آخر، تأثرت أغودات يسرائيل، الفصيل الحسيدي، بالتطرف. كان الحزب ذات يوم زعيماً قوياً لكل اليهودية الحريدية، وهو الآن المستضعف الذي طغت عليه نخب ديجل هتوراه، الذي يُعتبر حاخاماته "جدوليم" - أهم الشخصيات الحاخامية. وينقسم الحزب إلى العديد من الفصائل الفرعية، أحد أبرزها، شومري إيمونيم، ذو ميول أيديولوجية يمينية، وجيل الشباب، الذي نفد صبره تجاه العيش في المواقع المركزية، يتمتع بقدر أكبر من الاستقلالية ومجتمع أقل، هم أيضًا يتطلعون إلى أقصى اليمين من أجل التمثيل السياسي والهدف السلطوي.

على مدى عقود، قدمت الأحزاب الحريديم للحريديم إحساسًا بالهوية - "أنا أصوت، إذن أنا حريدي" - بالإضافة إلى المساعدة العملية في الشؤون اليومية. ومع ذلك، بين جيل الشباب، بدأ المزيد من الناس يشعرون بأنهم مستبعدون لأنهم يسعون للحصول على فرص تعليمية أفضل لأطفالهم وكذلك القدرة على العمل كحريديم في الجيش الإسرائيلي - وهو ما يمكن أن تقدمه لهم الأحزاب اليمينية. كما أن التوافق مع خطاب سموتريتش وبن غفير بلا خجل يوفر أيضًا منفذًا للإحباطات الناتجة عن التهميش في المجتمع الحريدي، خاصة بين أولئك الذين يشعرون بأنهم غير مقيدين بعد تركهم المدرسة الدينية.

إن الصراع على السلطة الناتج عن تغير التوازن الداخلي لدوائر الناخبين، والذي يراقبه نشطاء الأحزاب عن كثب، هو سبب شرخ في الكتلة الحريدية. أدت هزيمة نتنياهو، التي أدت إلى نفي الحريديم إلى صحراء المعارضة السياسية خلال العام الماضي، إلى تفاقم الخلاف. على عكس شاس، التي نصبت نفسها على أنها الذراع اليمنى لنتنياهو، فإن أحزاب الأشكنازي الحريديم أكثر استعدادًا للتفاوض على صفقة ائتلافية مع من يتولى السلطة. وحيث تحافظ ديجل هاتوراه على أرقامها من خلال الحملات الرقمية المصممة لإبقاء جيل الشباب الأكثر انفتاحًا في أحضانها الدافئة، فإن أغودات يسرائيل تخسر الناخبين أمام الصهيونية الدينية.

لا يزال أمام المجتمع الحريديم طريق ليقطعه حتى يصبح مثل أخته القومية المتدينة، وهذا بالتأكيد لن يحدث في ظل قيادته الحالية. لكن سيكون من الخطأ الأساسي الافتراض أنه لا توجد إمكانية لتطرف كبير. مع تسجيل 25 في المائة من جميع أطفال المدارس اليهود في "إسرائيل" في نظام الحريديم، فإن التطرف في قطاع الحريديم لديه القدرة على تغيير السياسة "الإسرائيلية" كما نعرفها. تتطلب مواجهتها إعادة تعلم الخريطة السياسية الحريدية، واستثمارًا في التحالفات السياسية التي يمكن أن تقود السفينة الحريديم التي تبحر الآن على رياح اليمين إلى أرض أكثر اعتدالًا.

*المصدر: بنينا فايفر. 972mag