Menu

الصّراعُ والحقيقةُ الساطعة: على طريقِ تجاوزِ الوهمِ وصانعيه

بوابة الهدف الإخبارية

مقاتلو عرين الأسود

خاص بوابة الهدف

 ما يزالُ البعضُ يصدعُ رؤوسنا بخديعة التسوية وإحلال السّلام وتحقيق "أحلام" الشعب الفلسطينيّ في الدولة ورغد العيش، وكأنّ هذا رهنُ إراداته أو إشارته، وقد مرَّ خمسون سنة وهم يلوكون الكذبةَ ذاتها، والمسألة هنا لا تخضعُ للقول الشهير لوزير دعاية هتلر، بول غوبلز: "اِكذب ثم اِكذب حتّى يصدقك الناس!"، فالصّراعُ وجوهرُهُ وطبيعتُهُ ومحدداتُهُ وأبعادُه، لا تنطبقُ عليه هذه المقولة، ولن تنطبق أبدًا، وصانعو الوهم هنا: عربًا وفلسطينيين؛ يدركون أكثر من غيرهم أنّ كذبهم لن يفلحَ في التعمية أو التمويه على جوهر الصّراع القائم، بين المشروع الصهيونيّ وأهدافه الاستعماريّة التوسعيّة والعنصريّة النهبويّة – وتكثيفه قول بايدن لو لم تكن إسرائيل موجودةً لأوجدناها - وبين الأمّة العربيّة، بل وأحرار العالم وأهدافهم في إنهاء الاستعمار والنهب والعنصريّة وتحقيق الحريّة وتقرير المصير وامتلاك مقدراتهم وثرواتهم وإنجاز العدالة والمساواة والوحدة العربيّة والأمميّة.

وعليه؛ فإنّ الصّراعَ سيبقى مفتوحًا على كلّ الاتجاهات، فهو صراعٌ متواصلٌ وموضوعيّ؛ يجدُ تجلّيه في الصّراع التاريخيّ القائم في كلّ الميادين ما بين أهداف ومصالح المشروع الإمبرياليّ – الصهيونيّ، وأهداف ومصالح الأمّة العربيّة وفي مقدّمتها الشعب الفلسطينيّ، وهنا لن تصلح كل "أطروحات" تزييف الصّراع "ببرامج" المرحليّة ونقاطها العشر، و"حقن المهدّئات" باسم التسوية والسّلام، ولا "الهدن والتهدئات" بالاتّفاق مع العدوّ بحجّة التقاط الأنفاس؛ فالصراعُ يغذّي نفسه من نفسه، أي من خلال طبيعة وبنية وجوهر وأهداف المشروع المعادي، الذي لم يشكّل له كل ما سبق من أطروحات: المرحليّة، والسلام، والهدن؛ سوى محفّزاتٍ للاستمرار والاندفاع نحو بلوغ أهدافه الاستعماريّة والتوسعيّة النهبويّة.

لمن يريد أن يفهم أو يعي استمرار الشعب الفلسطيني باجتراح وسائل مقاومته وتصديه ومجابهته للمشروع والوجود الصهيوني على أرض وطنه، وبروز ما يسند ذلك من إرادةٍ ملحميّةٍ شعبيّةٍ وبطولاتٍ فرديّةٍ وجماعيّةٍ جسّدها أبطال المقاومة الشعبيّة المسلّحة بأشكالها ووسائلها كافة، وصولًا لكتيبة جنين وعرين الأسود وكتيبة بلاطة وما سيبدعه أبناء شعبنا من تسمياتٍ أخرى في مخيّمات ومدن وقرى الضفّة، وقد يكون أبعد منها؛ نقول عليه أن يفهم ويعي ما سبق من تشخيصٍ لطبيعة وجوهر العدوّ والصّراع معه، ومن يتلحّف به، أو يدور في فلكه، أو غدا وكيلًا له.

وعليه؛ لن تفلح كلُّ وسائل الكذب والخديعة - مهما علا صوتها في مرحلة ما؛ مرتكزًا بعضها لتاريخه النضالي أو مستندًا لمقولة القيادة الرسميّة أو التاريخية باستئثارها بمؤسسات الشعب الفلسطيني – في إخماد ثورة الشعب الفلسطيني المستمرة، ولم ولن تستطع إقناع طفل أو فتى فلسطيني بمخيم العروب في الخليل أن لا يرفع حجرًا في وجه جندي احتلالي، أو شاب في مخيم جنين أن لا يطلق صليات رشاشه على قوات العدو المُقتحمِين، أو أن لا يكمن ثائر من مخيم عسكر لقطعان المستوطنين، أو أن لا تتلقى أم خبر استشهاد ابنها بالزغاريد وأن لا يُلقي عليه والده التحية العسكرية، أو تمنع عروسين من أن يقيما حفل زفافهما على "حاجز الكونتير"، أو أن يقبل اللداوي أو الياوفاي أو الجليلي أو العكاوي... أن يصبح إسرائيليًا في وعيه وممارسته، أي في انتمائه، أو أن يعدَّ ابن غزة أن طائرات العدو تُلقي عليه الورود بدلًا من القنابل، أو أن ما يواجهه ابن مخيم نهر البارد من قهر وظلم واستباحة بسبب قبوله كلاجئ، أو إقناع ابن مخيم اليرموك أن تدمير مخيمه ليس جزءًا من مخطط لإنهاء قضيته...

إن المعادلة واضحة لمن شاء أن يقرأها بذهن وبصر مفتوح، وكان قد كثفها المفكر والأديب الشهيد غسان كنفاني ؛ بقوله: "إنني أشعر أكثر من أي وقت مضى أن كل قيمة كلماتي كانت في أنها تعويض صفيق وتافه لغياب السلاح، وأنها تنحدر الآن أمام شروق الرجال الحقيقيين الذين يموتون كل يوم في سبيل شيء احترمه". والفكرة هنا ليست الموت في حد ذاته، فهو القائل أيضًا: "إن قضية الموت ليست على الإطلاق قضية الميت، إنها قضية الباقين؛ المُنتظرين بمرارة دورهم لكي يكونوا درسًا صغيرًا للعيون الحية".

 إن درس الحياة الذي يصنعه الشعب الفلسطيني بدمائه ودماء أبنائه، والمستمر منذ ما يزيد عن قرن من الزمان؛ دون أن تتوقف روافده من الجريان للصب في نهره الّعَطِش للحرية والانعتاق؛ لهو أكبر درس للكذابين باسم المرحلية والسلام والهدن، ولقائلي الحقيقة نظريًا، لكن ينقصهم أن يمتلكوا زمام المبادرة والتقدم، لتجاوز الكذب وصانعيه، كشرط أولي على طريق تحقيق الانتصار الساحق على العدو.. وإنا حتمًا لمنتصرين.