Menu

دعوة للحوار للاتحادات الجالوية والشعبية الفلسطينية..

وديع ابو هاني

الجاليات الفلسطينية واتحاداتنا الشعبية والنقابية تعيش أوضاعاً غير صحية، من حيث ضعف نشاطها ونتيجة التشتت ولغياب الإرادة الموحدة، هذا إذا كانت هذه الاتحادات أصلاً تعكس بشكل ديمقراطي وبرنامجي، ما يقدم الخدمة الوطنية لأبناء الجاليات في كافة المجالات ذات الأولوية. فالجاليات الفلسطينية والاتحادات والمؤسسات الجالوية وكذلك الاتحادات الشعبية والنقابية الفلسطينية، تعيش أوضاع هي انعكاس لحالة الانقسام والاختلاف للبنى السياسية الأعلى من فصائل وقوى وحتى على الصعيد الوطني من اللجنة التنفيذية وانتهاءً بمؤسسات السلطة. 
إن الحالة السياسية الرسمية والفصائلية، تترك بصماتها على مجمل الوضع الوطني، وذلك بحكم الخيارات السياسية المختلفة، وبسبب الانقسام السياسي والجغرافي، وهذا يجعل المركبة الفلسطينية تقاد من أكثر من مرجعية وحصان. وبالتالي تتجاذب الجاليات والاتحادات وتعيش تحت وطأة وتأثير الحالة الرسمية الفلسطينية.
لقد أصبح واضحاً لعامة شعبنا وأماكن تواجده استحالة القفز عن حالة الانقسام السياسي والجغرافي، دون ترسيخ مبدأ الحوار في العلاقات الوطنية والشعبية، والوصول للقواسم المشتركة، وهذا ما أكدت عليه كافة جولات الحوار الوطني منذ مبادرة ووثيقة الأسرى عام ٢٠٠٦ (والتي سميت بوثيقة الوفاق الوطني)، وصولاً لنتائج الحوارات في الجزائر الأخيرة، والتي يمكن أن تستأنف في الفترة القادمة في الجزائر.
لقد توصل الجميع لقواسم مشتركة لإنجاز الوحدة من الأساس السياسي إلى الشراكة، إلى العودة للشعب، عبر انتخابات وطنية شاملة وأولوية ذلك أعادة بناء منظمة تحرير فلسطين على أسس وطنية وديمقراطية.. 
الجميع من شعبنا يسلم بأن غياب الإرادة السياسية والتدخلات الخارجية ومصالح الفرقاء الكبار تحول حتى الآن من انجاز وصناعة وحدة حقيقية، تعيد الاعتبار للمشروع الوطني التحرري، خاصة بعد انكشاف كامل للمشروع الصهيوني المتطرف بنتائج الانتخابات الصهيونية الأخيرة، والتي ستنج حكومية عنصرية دينية تغلق الطريق على أوهام اللاهثين وراء حلول سياسية مع عدو يفرض عليك موضوعياً (طبيعة الصراع معه) باعتباره صراع وجود لا حدود واستحالة الوصول لتسوية مع الاحتلال.
مع ذلك كانت وستبقى لغة الحوار والبحث عن القواسم المشتركة، سمة تلازم مرحلة التحرر الوطني حتى لو ارتفعت حدة الصراع الداخلي الفلسطيني، دون أن يستفيد منها الاحتلال أو أن نُدفع لحرب أهلية، خاصة أن شعبنا تحت الاحتلال ويستعد ويغذي هذا الفرصة الذهبية لو كتب له النجاح في اذكائها. 
إن لغة الحوار والقواسم المشتركة، يجب أن تحكم العلاقات الوطنية حتى نصل للشراكة في القرار الوطني وإنجاز الوحدة وذلك بتركيم خطوات تأسيس البديل سياسياً وشعبياً وبشكل ديمقراطي. وإذا كان هذا الخيار والمبدأ لإنجاز، أي وحدة وفي غياب ذلك حتى اللحظة، فقد سعت قوى الفعل الوطني في الميدان من تقديم نموذج كفاحي، يجب توسيعه وتعميقه وبناء ركائزه وصولاً لجبهة مقاومة وطنية شاملة. ففي غزة قدمت غرفة العمليات المشتركة للأجنحة العسكرية نموذجاً (غير مكتمل حتى الآن)، لكن يمكن تطويره بتوحيد الفعل الكفاحي ضمن برنامج للتنسيق والتكامل والتعاون وكمرجعية للقرار الكفاحي الوطني.
لقد كانت معركتي سيف القدس ووحدة الساحات الأخيرة، تجربتين مهمتين لاستخلاص الدروس والعبر، من خلال التقييم الموضوعي لتلك المواجهات والتي سمحت للمقاومة بفرض معادلات جديدة، يحسب لها في الميدان وعلى الصعيد العسكري. على خطى التطوير للإمكانيات، والإيلام للعدو في أي مواجهة قادمة (نحن هنا لسنا بمعرض قراءة وتحليل ونتائج المواجهات الأخيرة التي تمت مع الاحتلال)، هذا الدرس بتوحيد القوى في الميدان عسكرياً تم التقاطه في الضفة الغربية المحتلة، رغم وجود السلطة الفلسطينية كعائق في مواجهة العدو وتم بناء بؤر ثورية في كل من جنين ونابلس وطوباس والدهيشة، بحيث يمكن أن تتوسع هذه البؤر لتصبح جزر محررة أكبر يشارك بها الجميع من قوى المقاومة وتلقى الحاضنة الشعبية كما هو حاصل.
لقد أظهرت جنازات تشييع الشهداء وموقف أهالي الشهداء ما يؤكد على أن الحاضنة الشعبية حاضرة بين أبناء شعبنا، وما يزيد الأمل ويعزز التفاؤل أن أبناء من حركة فتح وكتائب الأقصى مع القوى الكبرى الفاعلة عسكرياً، صنعوا ملاحم وطنية وعلاقات وتكامل فوتت الفرصة على اللعب على الأوتار التنظيمية والعصبوية، رغم إغراءات وابتزازات عدد من مقاومي عرين الأسود من قبل الاجهزة الأمنية واعتقال البعض، بقيت الحالة الكفاحية متأهبة، رغم الاقتحامات والتصفيات التي يقوم بها الاحتلال من قتل وهدم وترحيل.
إذاً هذا النموذج الثاني للوحدة الميدانية، يمكن توسيعه وتعميقه وشموليته وتطويره وديمومته، لكن سيبقى مرهون بتوفر المرجعية الموحدة وطنياً سياسياً وعسكرياً. فالركائز الكفاحية والتنظيمية والمالية المحمية بقرار سياسي وطني موحد ستجعل من كلفة بقاء احتلاله عالية... هناك جداول أخرى عذبة يمكن أن تصب في نهر وبحر الثورة وتكون روافد لعملية البناء الديمقراطي والشعبي وتوسع مساحة الاشتباك مع الاحتلال وتشكل عوامل ضاغطة للبديل الثوري على المستوى السياسي والوطني، وهنا لست بصدد الاشارة لموقع وأهمية ودور أبناء شعبنا في مناطق عام ١٩٤٨ في معركة التحرر الوطني (يمكن أن يفرد له عنوان مستقل).
إن واقع الاتحادات الشعبية الفلسطينية والأطر والمؤسسات الجالوية الممشتتة، تفرض على الجميع مسئولية تثوير بناها بشكل ديمقراطي، عبر الانتخابات والتوافقات الوطنية في أسوأ الأحوال. فتعدد الأطر الشعبية والنقابية داخل الوطن وخارجه، وخاصة في المهاجر والجاليات ومواقع اللجوء، ما يحتم على قواعد هذه الاتحادات الثورة على الواقع بعدما وصل التكلس والشيخوخة والتوظيف والاستخدام لهذه الهياكل حد الإهانة، ليس فقط لبرامج وهيبة وحضور الاتحادات الشعبية، بل ضربت في الصميم التاريخ المشرف للاتحادات التي أفرزت العديد من القيادات الوطنية على مر ومسيرة الثورة الفلسطينية المعاصرة.
لقد باتت الكثير من الاتحادات ورغم تعددها، ضعيفة التمثيل وفاقدة للشرعية على الصعيد الدستوري والديمقراطي، الأمر الذي يلقي على عاتق قواعد الاتحادات والنقابات الفلسطينية رفع الصوت عالياً ومنع استخدام الأطر الشعبية والجماهيرية في سياق التجاذبات السياسية والعصبوية والتنظيمية حتى تبقى الاتحادات الشعبية والنقابية قاعدة من قواعد الثورة ويحترم تمثيلها وتشكل وزناً ولها صوت وفعل في المعركة المحتدمة في مواجهة الاحتلال.
لقد قدمت الحركة الوطنية الأسيرة، عبر تاريخها وتجربتها، ورغم أوضاعها دروساً ديمقراطية في المبادرات الوطنية، وفي الموقف الوطني والوحدة في الميدان، من خلال مواجهة السجون وانتزاع الحقوق المطلبية ومعارك الأمعاء الخاوية وبالإضرابات ما يجعل هذه المدرسة الكفاحية نموذجاً يحتذى بها في العلاقات الوطنية وفي احترام القواسم السياسية المشتركة وعلى قاعدة أن التناقض الرئيسي يبقى مع الاحتلال. فالأسرى تجاوزوا الواقع السياسي الرسمي وعصبويات القوى السياسية خارج السجون، ليؤكدوا ترسخ الروح الكفاحية المتوهجة بينهم والنكران للذات والتفاني من أجل شعبهم.. 
فبعرقهم ولحمهم وأجسادهم وبدمهم يصنعون ملحمة الكرامة والعزة والشموخ.
أما على صعيد المهاجر ومواقع اللجوء والمغتربات، حيث يتواجد مئات الألاف من أبناء الشعب الفلسطيني في غياب التمثيل الديمقراطي والوطني وغياب المرجعيات الموحدة، فقد غدت الكثير من هذه الاتحادات والأطر إن لم تكن عبء بل عائقاً أمام إمكانية تفعيل الحالة الشعبية في هذه البلدان، وخاصة الأوربية والغربية، وذلك بسبب تعددها وتشتتها، حيث وتقاد الجاليات من أكثر من مرجعية وبرنامج: هل هذا الواقع فقط سببه الانقسام السياسي والجغرافي الفوقي أو العامودي أم له أسباب أخرى تتعلق بتغليب المصالح التنظيمية والفئوية والشخصية الضيقة على حساب وحدة البرنامج والأداة التمثيلية المنبثقة من حالة ديمقراطية معافاه؟ 
مع ذلك ورغم وجود أكثر من أربع اتحادات رسمية معلنة، فما هو التمايز (بغير الموقف السياسي) بين هذه المسميات، لدرجه أصبح اسم أي اتحاد يختصر باسم من يقوده (كأن يقال اتحاد فلان). ثم خارج البيانات: ماذا تفعله مختلف عن دور فصائل العمل الوطني؟ فما هو الجديد الذي أضافته هذه الاتحادات لجماهيرنا، رغم أن  جماهيرنا مسيسة بشكل عام؟ فما هي اتجاه الأولوية الرئيسية لهذه الاتحادات؟ أهو التأثير بالرأي العام العالمي وتشكيل لوبيات ضاغطة على اصحاب القرار؟ أم لتعزيز العلاقة والتضامن مع شعبنا وحقوقه من خلال توسيع فعاليات الدعم لمناصرتنا، خاصة أن لجان المقاطعة (BDS) من أهم الاسلحة الفعالة في أوربا لتضييق الخناق على العدو وحصاره وتجريم ممارساته العنصرية؟ أم هي من أجل تنظيم أوضاع الجالية لتساهم بدورها كأحد روافع شعبنا في خدمة القضية والحقوق الوطنية..؟ ثم ما هو دور الاتحادات والمؤسسات الوطنية التي انتدبت نفسها لتمثيل أبناء شعبنا في المهاجر والمغتربات اتجاه الأجيال الجديدة، ليس فقط المسمى بلا وطن، وإنما تصل لاحتمال فقدان اللغة الأم والهوية مع مرور الزمن؟ ثم كيف نوفر المساعدة لأبناء الجاليات وللمهجرين الجدد في التصدي لأي مشكلات قد تواجهه ولإمكانية الدفاع القانوني عن حقوقه وحمايته؟
كل ما تقدم قد يشكل خطط ونقاط برنامجية مهمة لنشاط الاتحادات والمؤسسات الجالوية، والأهم لابن الجالية – أيضاً - الذي عانى مهجره القسري ومن مراكب الموت أن يجد الأدوات والاشكال التضامنية مع مأساته على الصعد الإنسانية والقانونية والحقوقية، مع الاحترام لقواعد وشروط الاندماج في هذه الدول التي استضافت مئات الألاف من أبناء شعبنا. إنها تحديات وطنية ومسؤولية الجميع، وحسب خصوصية كل الأطر والاتحادات والمؤسسات وأماكن تواجدها تشتق برنامجها، شرط أن تخدم الخصوصية، الناظم الوطني العام الذي يناضل من أجله شعبنا للتحرر والتحرير.
لقد تعددت الروافد النضالية السياسية والاجتماعية والاعلامية وغيرها، لكن مدى عذوبتها أن تصب ببحر الجماهير والثورة، بأن تتعانق وتتكامل كل أشكال الفعل الوطني وفي الميدان لنصنع وحدة وطنية حقيقية ومرجعية واحدة، من خلال إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا، باعتبار المنظمة الأداة الكفاحية للتحرير وهي الائتلاف الوطني العريض كجبهة وطنية تقود مرحلة التحرر الوطني حتى إنجاز الاستقلال والعودة.
من هنا أجدد دعوتي للاتحادات والمؤسسات الجاولوية والشعبية، المبادرة إلى فتح جسور الحوار، للوصول لقواسم مشتركة في الميدان، حتى لو فشلنا الآن في تحقيق الشراكة في القرار السياسي الوطني.