جرى اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، في 13 أيلول/سبتمبر 1993 ؛ وتمخّض عن هذا الاتفاق، الذي وقّع ضمن احتفال في العاصمة الأميركية واشنطن، إقامة حكم ذاتي محدود الصلاحيات للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. ويُعرف هذا الاتفاق رسميا باسم "إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي"، بينما أُطلق عليه اسم "أوسلو"، نسبة إلى مدينة "أوسلو" النرويجية حيث جرت هناك المحادثات السرّية التي أنتجت الاتفاق.
ووقّع الاتفاق عن الفلسطينيين محمود عباس رئيس دائرة الشؤون القومية والدولية في منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك، بمشاركة رئيس المنظمة الراحل ياسر عرفات ، ووزير الخارجية الإسرائيلي شمعون بيريز، بمشاركة رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إسحق رابين.
وشكّل الاتفاق، الذي جاء نتيجة لتفاهمات ومباحثات سرية بعد انعقاد 14 جولة من المفاوضات الثنائية بين الطرفين بالمدينة النرويجية، مرحلة غامضة في المسار السياسي للقضية الفلسطينية. وتم الاتفاق بين الجانبين اللذان وقعاه على أن يدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ بعد شهر واحد من توقيعه، فيما يتم اعتبار جميع البروتوكولات المُلحقة جزءا لا يتجزأ منه.
وفي الذكرى الـ 31 لتوقيع هذا الاتفاق، يرى غالبية الشعب الفلسطيني أن الاتفاق لم يعد قائما، ولم يحقق أحلام الفلسطينيين بما يسمى بـ "السلام" أو الدولة وتغافل عن حق العودة والاعتراف باللاجئين الذين يشكلون اكثر من 4/5 الشعب الفلسطيني...!!؟ وأضحى على الفلسطينيين شقّ طريقهم بأنفسهم من جديد لمواجهة الأخطار وتحمل مصيرهم بعد 76 عاماً من النضال والجهاد والعمل الفدائي والتضحية والتشرد والشتات؛ بعد أن تأكد لهم أن الكيان الصهيوني سعى إلى إنهاء الملفات التي كانت ستطرح في مفاوضات الوضع النهائي ضمن أوسلو، مثل: القدس واللاجئين والاستيطان والحدود. فيما قيادة منظمة التحرير المتنفذة بالموضوع الفلسطيني، ما زالت ترى أن هذا الاتفاق، يشكل مدخلا لتسوية ما قد تُفضي إلى تحقيق حلم الدولة الفلسطينية- على حد تعبيرهم...!!؟
وكان الطرفان قد اتفقا على أن هدف مفاوضات "السلام"، هو تشكيل سلطة فلسطينية انتقالية ذاتية ومجلس مُنتخب (المجلس التشريعي) للفلسطينيين بالضفة الغربية وقطاع غزة، لمرحلة انتقالية لا تتعدى 5 سنوات، بحيث تؤدي إلى تسوية مبنيّة على أساس قراري مجلس الأمن رقم 242 (الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة لعام 1967)، وقرار 338 (إقرار مبادئ سلام عادل بالشرق الأوسط).
وحسب ما نشر من وثائق عن هذا الاتفاق؛ فقد حدد بداية هذه الفترة تبدأ منذ لحظة الانسحاب الإسرائيلي من أراضي غزة وأريحا، ونصّ على انطلاق مفاوضات الوضع النهائي "في أقرب وقت ممكن، على أن لا يتعدى ذلك بداية السنة الثالثة للفترة الانتقالية بين حكومة إسرائيل وممثلي الفلسطينيين".
البدايات:_
مع دخول إعلان المبادئ حيز التنفيذ والانسحاب من غزة وأريحا، أقر الاتفاق البدء بنقل السلطة من الحكومة العسكرية الإسرائيلية وإدارتها المدنية، إلى الفلسطينيين، في مجالات: التعليم والثقافة والصحة والشؤون الاجتماعية، والضرائب المباشرة والسياحة، إلى جانب تشكيل قوة الشرطة؛ فتشكيل القوة الشرطية الفلسطينية حسب الاتفاق، كان لضمان النظام العام والأمن الداخلي للفلسطينيين في الضفة وغزة، بينما تتحمل حكومة الاحتلال الإسرائيلية "مسؤولية أمن الإسرائيليين والدفاع عنهم".
كما أقر الاتفاق في بداياته؛ إنشاء لجنة تعاون اقتصادية إسرائيلية فلسطينية، لتطوير الاقتصاد بالضفة وغزة، لتطوير وتطبيق البرامج المحددة، وذلك فور دخول إعلان المبادئ حيز التنفيذ. كما دعا الاتفاق إلى ضرورة تشجيع التعاون بين كل من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وحكومتي مصر (التي كانت قد وقعت اتفاق كامب ديفيد في العام 1978) والأردن (الذي لم يكن بعد قد وقع اتفاق وادي عربة).
مكامن الضعف في الاتفاق:_
أي مراقب للاتفاق يرى إن أوسلو، وقّع بين طرفين، الأول (حكومة الاحتلال العسكري الإسرائيلي) وهو الطرف القوي، والثاني الفلسطينيين وهو الطرف الأضعف. فأي اتفاق بين طرف قوي وآخر ضعيف؛ هو بمثابة إملاءً وليس اتفاقا، فلذلك تنصّلت حكومة الاحتلال الإسرائيلية من بنود هذا الاتفاق بأسرع وقت، ولم تلتزم إلا بما يخدم مصالحها الأمنية والاقتصادية. وهناك تصريحات لمسؤولين فلسطينيين شاركوا في الإعداد لأوسلو أقروا بأن أوسلو "فرض على الفلسطينيين فرضا"، فأوسلو أنهى انتفاضة 1987؛ وأخمدها، وأعاد الهيمنة الإسرائيلية على الضفة الغربية، واستطاعت حكومة الاحتلال العسكرية الإسرائيلية أن تظهر أمام العالم بأنها هي التي تسعى لـ "السلام" مع الفلسطينيين؛ رغم أنها كانت تقتل وتعتقل وتبطش بالفلسطينيين خلال انتفاضتهم المجيدة؛ وكانت تمارس كل صنوف الإرهاب والتعسف ضد الفلسطينيين وما زالت. وأوسلو شكّل تربة خصبة لحكومة الاحتلال العسكرية لإعادة السيطرة على الضفة الغربية الثائرة في وجه الاحتلال والقبض على المقاومين وزجهم بالسجون، كما زاد من شهية الاحتلال في قضم أراض أكثر للتوسع بالاستيطان. كما أن أوسلو مهد الطريق إلى امتداد العلاقات العربية _ الإسرائيلية وعقد اتفاقات ثنائية للتطبيع مع حكومة الاحتلال الإسرائيلية، كان أولها اتفاقية وادي عربة مع الأردن في العام 1994.
ويرى الغالبية العظمى من الفلسطينيين بأن منظمة التحرير قد ارتكبت جرماً بحق الفلسطينيين بتوقيعها على اتفاق أوسلو؛ فكثير منهم يعتبرون ما حصل هو اعتراف مجاني بالكيان الإسرائيلي الذي يحتل الأرض الفلسطينية ولا يسمح للفلسطينيين بالعودة لأراضيهم وأملاكهم واستعادة حقوقهم الأصيلة في مدنهم وقراهم. بل بالعكس فإن أوسلو ساهم بتضييع الأرض الفلسطينية وساهم أكثر في طمس الهوية الفلسطينية وضياع مستمر لحقوق الفلسطينيين؛ فحكومة الاحتلال منعت السلطة بأن تسمي نفسها بالسلطة الوطنية؛ باعتبار أن الأرض (الوطن) هي ضمن ما يسمى بالكيان الإسرائيلي، وأن السلطة تدير شؤون الناس وليس لها أي هيمنة على الأرض. و نجحت حكومة الاحتلال العسكري الإسرائيلي في أن تكون اتفاقات التسوية مع الفلسطينيين على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338 فقط؛ دون الاستناد إلى باقي قرارات الأمم المتحدة التي تتعلق بالقضية الفلسطينية؛ مما يعني تغيير الرواية الفلسطينية وفرض الرواية الصهيونية بأن الصراع بدأ مع حرب 1967 وليس مع حرب 1948، وهذا معناه تكريس وجود الاحتلال الإسرائيلي على 78% من الأرض الفلسطينية.
وفي اتفاقية باريس الاقتصادية (1994)، تم فرض التعامل بالشيكل الإسرائيلي رغم وجود عملة فلسطينية ( الجنيه الفلسطيني)، وهذا الاتفاق ألحق مصائب اقتصادية وخسائر فادحة وكبيرة بالاقتصاد الفلسطيني؛ وربط الاقتصاد الفلسطيني باقتصاد الاحتلال.
* الخلاصة:_
إن اتفاق أوسلو لم يقدم أي شيء للقضية الفلسطينية، بل ألحق أضرارًا كبيرة بها منذ توقيعه، وحال دون إحراز أي تقدم إيجابي فيها. وأوقف النشاط الثوري الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني و منح الاحتلال العسكري الإسرائيلي اعترافًا مجانيًا دون مقابل، ولم يحتوِ الاتفاق على مشروع إقامة دولة فلسطينية، وإنما الحديث كان فقط عن اتفاق حكم ذاتي أو إدارة ذاتية مقابل اعتراف منظمة التحرير بالكيان على أنه دولة موجودة على الأرض وذات سيادة. وبتشكيل "السلطة الفلسطينية" ألغى المنظمة ودورها ومؤسساتها؛ حيث أكلت السلطة دور المنظمة ومؤسساتها. والسلطة كبلت بقوانين وأنظمة وشروط جعلتها رهينة لقرار وإرادة الاحتلال العسكري الإسرائيلي، وهذا نراه عمليًا على الأرض من خلال ما يجري من تنسيق أمني بينهما.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم وبإصرار؛ هو ما مستقبل منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا سؤال يطرح نفسه بقوة بعد أن تحولت قيادة المنظمة عن برنامج التحرير، الذي تبناه الميثاق الوطني الفلسطيني إلى اتفاق أوسلو. فكان من نتائج أوسلو، تراجع قضايا مركزية في الثوابت الوطنية، وعدم تقدمها للأمام خطوة واحدة، ومنها اللاجئون، والأسرى، والقدس، والحدود، وغيرها.
فهذا الاتفاق أساء للشعب الفلسطيني ولقضيته المركزية، ونتج عنه أن جاءت سلطة ظلًّا لمنظمة التحرير وانقلبت عليها وأصبحت هي العنوان، في حين أن المفروض أن تبقى المنظمة قائمة حتى التحرير وإقامة الدولة.
إن استعادة فلسطين الأرض والوطن والشعب والهوية لا تكون إلا بالتحرير، والتحرير لا يكون إلا بالمقاومة المسلحة، والمقاومة المسلحة هي الطريق الوحيد لتحرير فلسطين الأرض والوطن والشعب والهوية. ومن هنا نستطيع ان نقول بأن السابع من اوكتوبر 2023 ؛ اعاد للفلسطينيين قوتهم واعتزازهم بقضيتهم، وعليه اصبح واجبا على القيادات الفلسطينية ان تعيد حساباتها الوطنية؛ وإعادة قراءة جدية وواعية للمرحلة والتجربة، واشتقاق طرق فلسطينية جديدة للمقاومة؛ والحفاظ على ما حققه السابع من اوكتوبر والبناء عليه، مستندين على الصمود الاسطوري الذي يحققه ابطال المقاومة الوطنية الفلسطينية في الضفة والقطاع والبقاء على الأرض.