بالعودة إلى 22 مارس 1945، وتعيين عبد الرحمن عزام أميناً عاماً للجامعة العربية التي انطلقت من مدينة الإسكندرية المصرية، نلاحظ أن عزام، الذي ألقى كلمة الافتتاح، قد أشار إلى ما يعانيه الشعوب العربية من هوان وتسلط القوى الكبرى على مقدراتها، منذ ذلك اليوم وحتى اليوم، يمكن استعادة هذا الخطاب وهذه الرؤية.
واليوم مع انطلاق القمة العربية في دورتها السادسة والعشرين في شرم الشيخ، يمكنني استعادة ذات الخطاب، منذ انطلاق القمة العربية الأولى في أنشاص المصرية عام 1946، وحتى قمة شرم الشيخ، باستثناء واحد جوهري، وهو أن القمة الحالية، قد تعود لإحياء ماسي بمعاهدة الدفاع العربي المشترك، هذه المعاهدة التي تم التوصل إليها شفهياً لمواجهة العدوان الإسرائيلي من الأساس ولدعم الشعب الفلسطيني لاستعادة أراضيه المحتلة عام 1948، وبالتوازي مع هذا الاستثناء، فإن إقدام التحالف الخليجي، والذي تطور في ساعات ليصبح تحالف عربي، قد أطلق "عاصفة الحزم" قبل ثلاثة أيام في القمة السادسة والعشرين، ما يشير إلى أن القوى التي تقف وراء هذه العاصفة إنما أرادت فرض الأمر الواقع على المجتمعيين في هذه القمة، وإذا ما حاولنا البحث في استثناء أخر، فإننا قد نجد في الشعارات التي رفعتها القمم العربية السابقة كانت تتعلق بالقضية الفلسطينية عموماً، لكن هذه المرة، يمكنني القول أن القضية الفلسطينية ستصبح ضحية أساسية، بعدما باتت مسألة هامشية حتى بالنسبة للشعارات المطروحة ومع قعقعة السلاح، تتراجع الحوارات والدبلوماسية، بانتظار النتائج وتأثيرها على الخرائط المتعلقة بالجغرافيا السياسية، انطلاق "عاصفة الحزم" بقيادة سعودية وناطق عسكري سعودي يغير مرجعاً وحيداً لمجريات العملية العسكرية إعلامياً لا يجب تجاهل تأثيراتها الحالية والمستقبلية، وعودة لدور سعودي فرضته التطلعات من ناحية، ومتغيرات الخارطة السياسة بفعل " الربيع العربي" من ناحية، بالتوازي مع الخشية من إيران، من حيث برنامجها النووي، وتمدد أدائها" المليشية الحوثية " للهيمنة على اليمن والسيطرة على الطريق الدولية للتجارة خاصة في مجال الإمدادات النفطية من خلال باب المندب وقناة السويس، من ناحية أخرى.
لكن التحرك السعودي، اتخذ في إنقاذ الشرعية في اليمن مبرراً "لعاصفة الحزم" مع أن مشرعيات عربية ثم الإطاحة بها، وربما ساهمت السعودية ذاتها في هذه الإطاحة، وثم استعادة الشعارات العربية المستنسخة حول الأمن القومي العربي، مع أن المسألة تتعلق أساساً بأمن النظم العربية الرسمية، المهددة بداية من خلال انتفاضات شعبية محتملة من ناحية، وتعاظم الأطماع الإقليمية ومخاطر انزياحات جغرافية سياسية، في ظل تهديدات إقليمية واضحة من قبل دول طامعة لدى الرجل العربي المريض، خاصة من قبل تركيا وإيران وإسرائيل.
وإذا ما لاحظنا، أن كل من تركيا وباكستان، دعمتنا علناً وبسرعة، "عاصفة الحزم" فإن عدم ملاحظة الطابع الذهبي، للصراع القائم الآن ليس مبرراً، وهو نجاح للخطط العربية، والأمريكية تحديداً، في وضع الصراعات في إطارها المذهبي والطائفي، واليمن ليست استثناء بعدما حدث في العراق وسوريا، وهناك خشية من نجاح الخطط الأمريكية بهذا الصدد، طالما كانت هناك جيوش ذات صبغة "سنية" مع مواجهة مع تهديدات "شيعية"
وإذا ما اقترحنا، أن تأثيرات "عاصفة الحزم" ستتحدد بإضعاف الميلشيات الحوثية، لإجبارها على الجلوس على طاولة المفاوضات بعدما باتت بلا أسنان عسكرية وأمنية بما يتيح عودة الشرعية بتوافق كافة الأطراف، فإن عاصفة الحزم هذه، ستتوقف بعد أن تضع أوزارها، لكن انتهاء العاصفة لا يعني العودة إلى خارطة السياسة السابقة، بل ستتحدد مجموعة جديدة من التحالفات والخصومات والعداوات!
اللقاء المحتمل بين الرئيس والأمير تميم على هامش قمة شرم الشيخ، سيكون له تأثيره المباشر على الخارطة التي نتحدث عنها، وفي هذا السياق، يمكن القول أن الدور السعودي المتنامي سيكون على حساب الدور القطري، الذي بات تقليدياً في السنوات الأخيرة، وفي ذات السياق، لا يمكنني تجاهل عودة مصر عن اعتبار حركة حماس حركة إرهابية، وهذا الأمر الذي يشير إلى أن عاصفة الحزم، من شأنها أن تعيد رسم السياسات وفقاً لمصالح الدولة القطرية" برفع القاف" على حساب الدولة العربية القومية، رغم كل الشعارات المزيفة المرفوعة!!
