Menu

بعد حوارة.. التنظيمُ الثوريّ في زمن التنسيق الأمنيّ

بوابة الهدف الإخبارية

خاص بوابة الهدف

اجتاحت عصابات المستوطنين المسلحة والمنظّمة بلدة حوارة، فدمّرت فيها وعاثت خرابًا، وأصابت من أهلها وأملاكهم ما أصابت؛ لم يكن هذا الهجوم ابن لحظته، فمنذ سنواتٍ يقوم المستوطنون برفع وتيرة التنظيم والتسليح والتدريب مجموعاتٍ عسكريّة، وقد هاجم هؤلاء الفلسطينيين وقراهم وبلداتهم ومزارعهم آلاف المرات خلال تلك السنوات، كما أن هذا الشكل من التنظيم المسلّح للمستوطنين لم يسر بعيدًا عمّا سار عليه المستوطنون الغزاة الأوائل، الذين أسّسوا المشروع الصهيوني على أرض فلسطين، فالمستوطن المسلّح وعصابات المستوطنين المسلّحة والمنظمة، هي مادة المشروع الصهيوني منذ بدايته، وجوهر فلسفته وتنظيره وأداته للاستيلاء على الأرض الفلسطينية، والفتك بأصحاب الأرض الفلسطينيين.
لم يكن ترسيم هذه العصابات بمسمياتٍ رسميّةٍ في شكل الجيش والحكومة والبرلمان، إلا تعبيرًا عن شكلٍ من أشكال التنظيم المتقدّمة لمشروع الغزو الاستيطاني، وما نراه اليوم ما هو إلا جزءٌ من سياقٍ شاملٍ لهذا المشروع، قد يمكن تفسيره باعتباره صعودًا لتأثير شرائح  جديدة من المستوطنين بخلاف النخب القديمة التي قادت المشروع، أو تعبيرًا عن عدم قبول هذه الشرائح ببطء الوتيرة التي يمضي فيها مشروع تصفية الوجود الفلسطيني، أو عدم استيعابها لقدرة الفلسطينيين على المقاومة، ووجود حدود لقدرة آلة القتل الصهيونية الرسمية على إخضاعها وقتلهم والتنكيل بهم، وأيضًا أداة أخرى تستخدمها المنظومة الرسمية الصهيونية وأجهزتها للعدوان على الفلسطينيين، خصوصًا أنّها تحميها، وتتحكّم بوتيرتها لحدٍّ كبير.
إن مواضع التباينات والتقاطعات في المنظومة الصهيونيّة لا يمكن أن تكون محور انشغالنا، خصوصًا أنّنا يجب أن ندرك أن تناقضات هذا المشروع مهما بلغت لن تصل لاشتباك الغزاة بعضهم بعضًا، بل تنافسهم في سفك دمنا وقتلنا، ففي مدننا وقرانا وأرضنا وأجسادنا تتمّ إدارة التناقضات الصهيونية الجزئية والرئيسية غالبًا، همنا الأساسي في مواجهة هذه الهجمة هو عوامل هشاشتنا التي تسمح باستباحتنا بهذه الطريقة من قبل الغزاة، فهؤلاء المستوطنون ذاتهم لم يكونوا يتحركون على طرقات الضفة المحتلة في ذروة المد الثوري لانتفاضة الأقصى إلا بمرافقةٍ عسكريةٍ وقوافل من السيارات المصفحة، وما هذا التمدد في التحرك والعدوان إلا تعبيرٌ عما اعترى فعلنا من انكماش، وتنظيمنا لذاتنا وقوانا وفعلنا من تراجع. 
إنّ بضعة رصاصاتٍ من رشاش فدائيّ فلسطينيّ قد تستفزّ هذه العصابات وتدفعها للهجوم، ولكن آلاف الرصاصات من مئات أو آلاف البنادق كفيلة بردع المستوطنيين ودفعهم للتراجع، كما وبالقدر ذاته أن استعادة الفلسطينيين لقدرتهم على الحشد والتنظيم الجماهيري لآلافٍ مؤلفةٍ تخوض مختلف أنواع الاشتباك مع العدو ومستوطنيه، وتوسع نطاق الاستهداف له؛ ما يعني استنزافًا حقيقيًّا لهذا العدو.
إنّ تصورات الفلسطينيين عن واقعهم في ظل الاحتلال الصهيوني لم تكن أبدًا مماثلةً لواقعهم الحالي، فطالما كان حلم الفلسطينيين وممارستهم لفتراتٍ من تاريخهم هو الثورة، الفعل النضالي الجامع الذي تتحرّك فيه جموعهم وقطاعاتهم بكلّ نمطٍ وشكلٍ من أشكال المقاومة التي تؤذي العدو وتستنزفه وصولًا لهزيمته، هذا نجده في تقدير عموم الفلسطينيين وحنينهم المتجذّر لثوراتهم الكبرى وانتفاضتهم المجيدة المتكرّرة، ولكن هذا أيضًا يصطدم بما يجدونه في واقعهم من عجزٍ لقواهم السياسية عن التنظيم ولقيادتهم الرسمية عن التمسّك حتى بالحد الأدنى مما تدعيه وتعلنه يوميًّا لا بآمال وأحلام هذه الجماهير.
يستطيع الفدائيون الفلسطينيون اليوم أن يسجلوا بالدم ردودهم على جرائم الاحتلال، ولكن نقل فعلهم من موضع بطولة القلة القليلة المحاصرة بالعوامل المجافية لموضع الفعل الشعبي الجماعي الجارف، يتطلب تجاوز أمرين؛ الأول وهو سياسة السلطة الفلسطينية المتشبثة بالتنسيق الأمني وبالرهان على التفاهمات والصفقات مع العدو، والثاني تجاوز القوى والفصائل الفلسطينية لتصوراتها حول محدودية قدرتها على تنظيم الفلسطينيين وقيادتهم في سبيل ومسار فعلٍ ثوريٍّ جامعٍ وجارف، لا يستطيع العدو أو حملات الاعتقالات المسعورة المستمرة، وقف المقاومة أو التنظيم لأجل المقاومة، ولا يستطيع التنسيق الأمني بكلّ ما يستنزفه من أعمار أبناء شعبنا وقدرة كوادره وفصائله وقواه الحية وما يخلقه من شروخٍ وتبايناتٍ وما يشكله من مخاطر على وحدة هذا الشعب أن يوقف المقاومة، ولا يستطيع أن يحطم أصغر فصيلٍ فلسطينيّ طالما أن هذا الفصيل يتمتمع بما يكفي من الإرادة والرؤية المبصرة لتجاربه التاريخية في مواجهة كل أشكال العدوان والملاحقة والتضييق ومحاولات الاجتثاث، شعبنا وفصائلنا وتنظيمنا الحي في كل شارع وقرية ومدينة وبلدة عصيٌّ على الاستسلام لأوهام العدو، أو لأوهام من ينسق معه، هذا ما أثبته شعبنا في انتفاضة الحجارة وانتفاضة الأقصى وما سبقها من هبات وثورات، و سيثبته في قادم الأيام، فلن ينتظر أبناء شعبنا؛ مزيدًا من الموت الذي يحمله المستوطنون لأبواب بيوتهم حتى ينظموا أنفسهم، ويحشدوا قواهم وطاقاتهم لردع هذا العدوان بأشكاله كافة.