Menu

الحقبة السعودية: هل تسيطر إيران على باب المندب وقناة السويس! (2من3)

هاني حبيب

الهدف_هاني حبيب:

كان من اللافت, ذلك التصريح الذي أدى به علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني والذي أشار فيه إلى أن إيران باتت الآن على ضفاف البحر المتوسط ومضيق باب المندب, هذا التصريح يأتي بعد يومين من تصريحات علي يونس, مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني والتي قال فيها أن إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حالياً, وذلك في إشارة إلى الإمبراطورية الفارسية الساسانية قبل الإسلام, حيث كانت بغداد عاصمة هذه الإمبراطورية.
وبينما تسيطر إيران من الناحية الجغرافية والأمنية عبر مضيق هرمز على الخليج العربي, فإن محاولتها للسيطرة على باب المندب الرابط  بين القارتين الإفريقية والأسيوية, والمعبر شبه الإجباري لمعظم التجارة الدولية, وخاصة قطاع الطاقة والنفط, هذه المحاولات لم تتوقف على الإطلاق ولم تكن مرهونة بنتائج المتغيرات الإقليمية بعد الربيع العربي كما يعتقد البعض بل هي جزء من الحلم الإمبراطوري أثناء حكم الشاه وبعد وصول"آيات الله" إلى الحكم, احتلال الجزر العربية الإماراتية الثلاث, طنب الكبرى, طنب الصغرى, وأبو موسى كان المؤشر الأكثر دلالة على إصرار الإمبراطورية الفارسية على التمدد خارج حدودها من خلال الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة .
لكن تمدد إيران خارج حدودها استمر بوسائل أخرى ومن خلال جملة من الارتباطات والعلاقات الإقليمية والدولية, وكان أول موطئ قدم إيراني بالقرب من مضيق باب المندب الاستراتيجي عندما أقامت إيران علاقات وطيدة مع نظام الحكم في اريتريا, وأقامت قواعد عسكرية لتدريب الاريتريين ثم لتدريب قوات الحوثيين اليمنيين, وكانت هذه القواعد بمثابة مركزاً لتهريب السلاح إلى أتباع إيران في اليمن وعموم الخليج العربي.
من الناحية السياسية استفادت طهران من مشاعر التأييد لسياساتها إثر الثورة الإيرانية التي ساندت الثورة الفلسطينية وأعلنت عبر تصريحات زعاماتها وبشكل دائم عن إسرائيل باعتبارها عدوها الأساسي, الأمر الذي زاد من شعبيتها في الأوساط الشعبية العربية, مع أن الأنظمة العربية كانت تخشى من تصدير الثورة, وأعلنت عدائها المباشر وغير المباشر للثورة الإيرانية, وظهر ذلك أكثر وضوحاً أثناء حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران ودعم الأنظمة العربية للعراق في تلك الحرب, غير أن ذلك كله لا ينفى الأطماع الإيرانية في السيطرة على المنطقة سواءً عبر وكلاء أو عبر تحالفات, وفي كثير من الأحيان من خلال استثمار صراع المذهبين, الشيعي والسني الذي نشب أكثر وضوحاً أثر نتائج الربيع العربي وعملية الفرز المذهبي الذي تعزز بدعم من قوى مختلفة لها مصلحة أكيدة في إضعاف المنظومة العربية والسيطرة على شعوبها, دور إيران المباشر والواضح في سوريا والعراق, ثم اليمن والبحرين, يجعل من تصريحات القادة الإيرانيين حول الإمبراطورية الفارسية, أقرب إلى الواقع فهذه الإمبراطورية امتدت خارج إطارها الجغرافي, كي تصبح الأكثر نفوذاً في الجزء الأسيوي من الخارطة العربية, هذا الجزء الذي يقع بين الخليج العربي والبحر الأحمر وأكثر تحديداً بين مضيقيّ, هرمز وباب المندب, حيث تمر معظم شحنات الطاقة, من غاز ونفط إلى كل العالم, ومع أن إيران تشغل وسائل الإعلام الدولية, حول برنامجها النووي إلاّ أن سيطرتها وامتداد نفوذها على هذين المعبرين الإستراتيجيين لا يحظيا بكثير من الاهتمام الذي يوازي حجم المخاطر الناجمة عن سيطرة إيرانية على اقتصاد العالم من خلال السيطرة على هذين المعبرين الإستراتيجيين, وعلى الغالب أن الصفقة المعدة للتوصل إلى اتفاق بين الدول الست بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وإيران حول برنامجها النووي, قد تتصل عنه تفاهمات تؤدي إلى تشجيع إيران بحدودها على بناء إمبراطوريتها على حساب المنظومة العربية, إذا ما تأكدت الدول  الكبرى أن ذلك لن يهدد مصالحها الإستراتيجية, على ضوء تراجع قدرة المنظومة العربية على الحفاظ على هذه المصالح, وقد يبدو هذا الأمر متناقضاً مع المصالح الأمنية للدول الصناعية إلاّ أن التجارب علمتنا أن المصالح هي أساس السياسات التي تتغير بينما الثابت هي المصالح التي ترسم معالم مستقبل الدول الصناعية الكبرى التي تهدف إلى الحفاظ على مصالحها على ضوء المتغيرات في الخرائط الإقليمية والدولية.
بعض المحللين توقفوا ملياً أمام تجاهل الدول الكبرى للتمدد الإيراني, المتسارع في منطقة الخليج والبحر الأحمر والمتوسط, وصول الحوثيين إلى العاصمة اليمنية صنعاء, وتمددهم على الخارطة اليمنية والمناورات المعلنة لهم على الحدود بين اليمن والسعودية كل ذلك كان يشكل خطراً مباشراً على مصالح الدول الكبرى غير أن هذا الاهتمام, لم يجد تعبيرات في الخطاب السياسي والخطوات العملية في مواجهة مع إيران التي باتت لا تسيطر فقط على منابع النفط في منطقة الخليج العربي بل تتحكم بوسائل تجارة النفط والغاز عبر مضيقي هرمز وباب المندب وبالتالي الممر المائي الدولي قناة السويس.
لم يكن لمضيق باب المندب أية أهمية إستراتيجية قبل افتتاح قناة السويس عام 1869, عندما تحول هذا المضيق إلى واحد من أهم ممرات النقل والمعابر على الطرق البحرية بين أوروبا والبحر المتوسط من جهة, والمحيط الهندي وشرق أفريقيا والخليج العربي من جهة ثانية, ممر مضيق باب المندب يتمتع بخصوصية وجود محورين أساسين وبحيث تمر سفن الذهاب والإياب كل منهما من خلال محورين متعاكسين متباعدين, بما يسر عبور السفن التجارية الكبرى, على عكس قناة السويس _قبل شق القناة الجديدة_ التي لا تسمح بهذه الازدواجية في وقت واحد نتيجة لعرض القناة, حيث تمر حوالي 57 سفينة شحن يومياً وبما يعادل 3.5 مليون برميل نفط.
ونظراً للأهمية المتزايدة لمضيق باب المندب, فإن هذا المعبر بات تحت سيطرة قوى دولية مختلفة, خاصة بعد أن تم تهديد التجارة الدولية من خلال القراصنة الصومالين قبل عدة سنوات, الأمر الذي أدى إلى تعطيل التجارة الدولية, وترك أثاره المباشرة على شركات الـتأمين وعائدات قناة السويس, وبالإضافة إلى قوات بحرية لدول عديدة لحراسة القوافل البحرية, هناك المزيد من القواعد لهذه الدول على الساحل الغربي الجنوبي للبحر الأحمر, حيث يقال أن لإسرائيل قواعد عديدة في كل من أثيوبيا وجيبوتي بينما إيران وكما أشرنا تقيم قواعد مماثلة في اريتريا 
تلك القرصنة أدت إلى خسارة التجارة الدولية ما مقداره 15 مليار دولار أمريكاً عام 2014, تحملت قناة السويس خسارة 4 مليارات منها, رغم تراجع عمليات القرصنة إلاّ أن التهديدات تؤثر على النفقات الخاصة بالتأمين التجاري ونفقات الحراسة البحرية, وهذا يشير إلى أن التهديد قد يؤدي إلى ذات النتائج عند التنفيذ وحتى لو لم تقم أية جهة بإغلاق مضيق باب المندب, فإن مجرد التهديد بإغلاقه, سيؤثر تأثيراً مباشراً على حركة التجارة الدولية.
وبينما تقوم الحراسة البحرية من خلال قوات دولية تسمى القوة المختلطة في القرن الإفريقي تشارك بها عدة دول غربية وافريقية ليس من بينها أية دولة عربية !!
من الصحيح أن إغلاق باب المندب سواء من إيران أو من غيرها, هو أمر لن تسكت عليه القوى الكبرى باعتبار هذا الممر ممراً دولياً, مسيطراً عليه وبوابة التجارة الدولية والاقتصاد العالمي,  لكن من الصحيح أيضاً أن التوترات الإقليمية والدولية وتقاطعات المصالح المختلفة والمتباينة وحالة الاستقطاب الإقليمي والمذهبي, قد تدفع بإيران بالتلويح بإغلاق الممر, كما فعلت عندما لوحت أكثر من مرة بإمكانية إغلاق مضيق هرمز في حال وجدت ذلك ضرورياً للحفاظ على مصالحها, أو لدرء  عدوان عليها, وإذا ما سيطرت إيران مباشرة أو من خلال وكلاء لها في المنطقة, على باب المندب كان بإمكانها أيضاً, رفع راية التلويح بإغلاق باب المندب, للضغط على الخصوم إزاء صفقات واتفاقات أو تفاهمات تجعل منها قوة إقليمية كبرى قادرة على الإخلال بميزان القوى التقليدي, خاصة وأن الإمبراطورية الفارسية في حالة  تنافس مع تنامي الإمبراطورية العثمانية, في ظل حالة انقسام مذهبي واسعة النطاق بين السنة التي تمثلها تركيا والشيعة التي تمثلها إيران, بالتوازي مع تراجع واضح في المبادئ القومية, لصالح النزعة الوطنية ذات البعد المذهبي.

ومنذ أن تربع الملك سليمان بن عبد العزيز على عرش المملكة السعودية, شمر اصحاب الرأي, في مقالات ودراسات, أجنبية وعربية وسعودية, عن  اقلامهم لقراءة السياسة المحتملة التي سينتهجها الملك الجديد, ذهب البعض إلى أن هذه السياسة ستعتمد على الاستمرارية, أي أن الملك الجديد سيستمر على خطى الملك الراحل, غير أن جملة من الاستحداثات الداخلية, هي الأولى والأكبر في تاريخ المملكة, أشارات إلى أن الملك الجديد, سيتبع سياسة جديدة تنطلق من الاستحداثات الداخلية في المناصب المختلفة لتؤثر مباشرة على التعاطي السياسي للمملكة مع الخارج, خاصة وأن المملكة تواجه ملفات عديدة تحتاج إلى سياسة جديدة تتلائم مع استحقاقات التصدي الفاعل لهذه الملفات – الأزمات.
ذلك أن تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة والمطامع المعلنة في إعادة بناء الإمبراطورية الفارسية, إلى مستوى غير مسبوق, والسعي إلى ذلك بكل جهد من خلال دعم الميلشيات التابعة لها في اليمن الذي يتجاور مع حدود السعودية بحوالي 1485 كيلومتراً, وتهديد هذه الميلشيات التي تتزود بالسلاح الإيراني الأمر الذي يشكل خطراً محدقاً على المملكة.
كما أن صعود الجماعات المسلحة المتطرفة, داعش والقاعدة واحتلالها مباشرة أحيانا, وبالسيطرة أحيانا أخرى على تخوم المملكة, يشكل تهديداً أكيداً على المملكة .
ذلك, في وقت تستمر فيه المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة لانجاز اتفاق حول برنامج طهران النووي, الأمر الذي تعتبره المملكة خطراً على وجودها وتهديد مباشر لأمنها.
هذه المخاطر التي نجد إيران وميلشياتها تقبع في تقاطعاتها, تفرض على المملكة السعودية, صياغة سياسة جديدة قادرة على التصدي لها والحد من تأثيراتها وتهديداتها التي ما عادت محتملة بل أكيدة على ضوء الاختراق الإيراني للبحر الأحمر وتحديداً سيطرتها المتزايدة على باب المندب, ما يشكل حصاراً تجارياً للملكة السعودية في حين أن تنامي ميلشيات الحوثيين يشكل تهديداُ أمنياً لجغرافيا المملكة, وتقاطع هذين التهديدين, يجعلهما تهديداً واحداً أكيداً, تجد المملكة نفسها ملزمة بسياسة مختلفة في ضوء "الحقبة السعودية الجديدة"
     فعلى الرغم من حاجة المملكة, في هذا السياق, إلى تعاون وثيق مع جمهورية مصر العربية برئاسة السيسي, خاصة في إطار القوات العربية المشتركة, كما أسلفنا في الجزء الأول إلاّ أن هذا التعاون سيظل رهناً بقدرة المملكة على نسج علاقات من شأنها التخفيف من حدة النزعة الحيثية في السيطرة على حدود المملكة او حتى اختراقها، الأمر الذي قد يستلزم إجراء بعض التشابكات المستحدثة, كإعادة النظر في العلاقة مع جماعة  الإخوان المسلمين, حتى أن البعض يرى أن المملكة قد تلجأ إلى التعاون مع " القاعدة" لبناء قوة قادرة على مواجهة المد الحوثي, الأمر الذي سيترك آثاره بالضرورة على العلاقة مع جمهورية مصر العربية, ما قيل عن وساطة تقوم بها حماس – وتم نفيها فيما بعد-  بطلب من السعودية مع حزب التجمع اليمني للإصلاح, المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين, يأتي في إطار الحديث عن متغيرات حقيقية في السياسة الخارجية السعودية, خاصة وان بعض المحللين يرى أن لا حاجة لوساطة بين السعودية وجماعة الإخوان, ذلك أن الملك الجديد قريب جداً من الجماعة, وهو الأمر الذي اعتبره البعض مرتكزاً لكل ما يقال عن سياسة خارجية جديدة للسعودية في عهد الملك الجديد .
جملة التحالفات المتشابكة والمحتملة إلى حد بعيد, تهدف إلى التصدي لمخاطر التمدد الإيراني والسيطرة على باب المندب, وستضطر المملكة إلى الاعتماد على كل من مصر والأردن, لتأمين تلك المنطقة التي تعتبر خاصرة التجارة الدولية, خاصة في مجال الطاقة, بالتوازي مع جملة من التحالفات التي من شأنها الحد من سيطرة الحوثيين في اليمن المجاور.
اعتماد المملكة على هذه التحالفات قد يثير بعض التساؤلات حول قوات "درع الجزيرة" وهل ستشكل مجرد داعم للقوات العربية , مصر والأردن تحديداً, أم أن قوات درع الجزيرة, ستصبح جزءاً فاعلاً بعد أن تذوب في إطار القوات العربية المشتركة, أسئلة ما تزال قيد الإجابة عنها في سياق التطورات التي من الممكن  بعد أن تصبح أكثر نضوجاً بعد انعقاد مؤتمر القمة العربية نهاية نهر آذار - مارس الجاري-
وسيظل التمدد الإيراني جنوباً, باتجاه الخليج العربي, وتأثيراته المباشرة على عموم المنطقة العربية, خاصة ما يتعلق بالتحكم في مصادر الطاقة الدولية, والتهديد المباشر للأنظمة, هو محور وجوهر السياسات القادمة لكل دول تلك المنطقة, سواءً لجهة تعزيز قواتها ونسج علاقات سياسية مع دول إقليمية أخرى, كتركيا مثلاُ, أو من خلال تشديد العقوبات الاقتصادية, كما هو الأمر عليه الآن, بعد تراجع أسعار النفط لأسباب غير تجارية أساساً, لتضييق الخناق أمريكياً على روسيا, وسعودياً على إيران, التي تواجه المزيد من العقوبات على ضوء برنامجها النووي, وهذا ما سنتابعه في المحور الثاني في "الحقبة السعودية الجديدة"
•    تم إعداد هذه المادة قبل عاصفة الحزم