Menu

أسبوع واحد يا نشأت

الشهيد محمد عاصي، الشهيد نشأت ملحم

المقداد جميل

هذا الرجل يذكّرني بشخصٍ واحد، محمّد عاصي، الذي نفذ عملية تفجير باص في "تل أبيب" عام 2012، ذات المدينة التي خرج فيها شبح نشأت ملحم، قُتل محمّد بعد عامٍ من الملاحقة في 2013، شهيدًا، كان يتحصّن في كهف، ولم يمُت إلا ندًا، تمامًا كما مات نشأت اليوم، لم يتركهم يقتلوه هكذا بكلّ بساطة، أخرج سلاحه، وتصدى لهم، إلى أن حان وقت غيابه، وقرّره.

هذا الرجل، هذا الـ "نشأت"، يذكّرنا بأولئك الفدائيّون، الفدائيّون الذين رأينا فيهم وجه فلسطين الحقيقي، الفدائيّون هُم الوجه الحقيقي لهذِه البلاد. رأينا فيه يحيى عيّاش، يعود بعد عشرين عامًا فقط، كلمح البصر، عاد الشبح الذي طاردهم مرّةً أخرى. هذا النشأت، الذي لم يحتاج إلّا إلى سلاح، وأسبوع واحد فقط، كي يجعل الدولة ذات المنظومة الأمنيّة الكُبرى، تجتث على رُكبتها، خائفةً من خياله الذي يُطلّ من تحت أبوابها، جعل الدولة تراهُ في كلّ دُرجٍ وخِزانة، أنّ يخرجَ لهُم من كلّ شيءٍ. أسبوع واحد فقط، كان يحتاجُه نشأت ملحم كيّ يغيَر كلّ شيء، وكلّ شيء هُنا لا يقتصر على عناوين الأخبار، والصور الرئيسيّة في الصُحف اليوميّة، بل كلّ شيء في عيونهم، أيامهم، مدارسهم، منازلهم، شوارعهم، وحياتهم.

يقول محمود درويش "ابتعدوا قليلًا كيّ يتلوا وصيّته.. وكي يرمي ملامحه"، تمامًا فعل نشأت، تلى وصيّته علينا بالسِلاح، الجمعة الماضية. أسبوعًا واحدًا كان كفيلًا كي يرمي ملامحهُ علينا، كي نضعها في ذاكرتنا التي تُتقن حفظ صور الشُهداء، قصصهم، وأفعالهم. أسبوع واحد، كان كفيلًا أنّ نُحدث أبنائنا وأحفادنا، أن نُضيف لهُم قصةً جديدة، نحدّثهم عنها، يكون عنوانها "نشأت ملحم".

أعطوا نشأتًا آخر، أسبوعًا واحدًا، كي نراهم يتمنّون الأمان في لياليهم، والهدوء في صباحاتهم. أعطوا مِلحمًا آخر، سلاحًا، وأسبوعًا فقط، كي يدخل الفرح إلى قلوبنا، ويُبدّل دموع ووجاع أمهات الشُهداء إلى أنهارٍ من الفرح.