Menu

الضفة كمهمة وطنية مركزية: ما الذي يغيب؟

بوابة الهدف الإخبارية

خاص _ بوابة الهدف

رفعت قوات العدو مجددًا وتيرة حملتها للقتل والتصفيات في الضفة المحتلة، بحيث بات اقتحام المخيمات والمدن والبلدات وإطلاق النار طقس يومي لا تكاد تسلم منه منطقة في الضفة؛ فالحديث عن ارتفاع في الوتيرة واتساع في الرقعة المستهدفة، ورغم بسالة المقاومة التي تواجه هذا العدو في كل اقتحام وجريمة يرتكبها، إلا أننا لا يمكن أن نتجاهل نية هذا العدو الواضحة في أخذ التصعيد لمراحل جديدة.

يخال العدو إمكانية إنجاز عدد من الأهداف في مسار واحد بسياسته هذه، أولها وهو تصفية خلايا ومجموعات المقاومة في الضفة المحتلة، وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء بهذا المضمار، وكذلك إفقاد الفلسطينيين أي أداة أو شكل منظم للدفاع عن أنفسهم وتفكيك شبكاتهم النضالية الفاعلة؛ عبر القتل والاعتداءات والاعتقالات، واكثرها استراتيجية هو مسار العدو لضم معظم أراضي الضفة المحتلة مستغلًا ما يخاله من ردع معنوي ستحدثه حملات القتل والجرائم الممنهجة هذه.

هذا يحتاج لما هو أكثر بكثير من جهد مجموعات وكتائب المقاومة في الضفة التي تخوض معركة الحفاظ على ما تبقى من وجود فلسطيني في هذه البقعة؛ قادرًا على العيش والفعل والمواجهة في هذه البقعة، فهذه المجموعات الباسلة يجب رفدها بحراك سياسي واجتماعي وظهير وقاعدة عريضة من البنى الأهلية والسياسية والمجتمعية الرافدة لها ولهذا الحراك، وهذا في المصطلح الفلسطيني الدارج ما يطلق عليه انتفاضة أو هبة أو ثورة -سمها كما شئت- جوهرها مد الاشتباك لمساحات جديدة، وخلق وتفعيل أدوات متعددة للمواجهة مع العدو، وإعادة حشد الجماهير وطاقات وبنى المجتمع في ساحة المواجهة على نحو فاعل ونشط وناجع.

كل هذا لا يبدو هينًا إذا ما تخيلنا بناؤه من أسفل إلى أعلى، بمعنى أننا إذا انتظرنا مبادرة البنى المحلية في كل مدينة وحي لإنجاز تكاملها وصياغة أدوات فعلها، بل وبناء خطابها السياسي وتطوير أدواتها للاشتباك، فإننا فعلًا نترك من يواجه العدوان مكشوف الظهر لأمد طويل؛ ناهيك عن وقت آخر يلزم لتكامل هذه البنى المحلية بين المناطق المختلفة التي يقطعها العدو ويعزلها وصياغة بنى على المستوى الوطني العام للاشتباك، هنا الحديث بالأساس عن وظيفة سياسية وطنية عليا، تنهض بها قوى منظمة أصلّا، تختزن الموارد البشرية والقدرات وكثير من الشرعية السياسية، والتجارب النضالية، والبنى والهياكل التنظيمية الممتدة في كل أماكن وجود شعبنا، نتحدث عن فصائل العمل الوطني على اختلافها، فهذه مهمتها.

إن الحلقة الأساسية في إعادة حشد وتنظيم المجتمع الفلسطيني بأكمله نحو المواجهة مع العدو، تتطلب دورًا وطنيًا مركزيًا، تشرع فيه على نحو عاجل فصائل العمل الوطني ومكوناته، بحيث تعيد تفعيل بناها الوحدوية المشتركة التي صنعها وشكلها شعبنا لأجل هذا النوع من المواجهة، مثل لجان القوى الوطنية والإسلامية التي باتت حبيسة العمل الروتيني وإصدار بيانات الشجب والدعوات المتقطعة لاحتجاج هنا أو هناك، وأكثر من ذلك بحاجة لتحديد أهدافنا في هذه المواجهة، ورفد ودعم أدواتنا الفاعلة واستحداث أدوات أخرى.

صحيح أن الضفة المحتلة عانت من تجريف للبنى التنظيمية للفصائل الوطنية خلال الأعوام السابقة، ولكن ما أحدثته مجموعات المقاومة المسلحة قد أعاد تعريف السياسة في هذه الساحة بوصفها المواجهة والاشتباك، وهو ما استعاد الأمل والاستعداد لدى قطاعات واسعة من جماهير شعبنا للفعل والمبادرة والانتظام، كما أزاح جزئيًا تجاذبات الانقسام والمناكفات السياسية لمصلحة سؤال المواجهة والمقاومة، بشكل أو بآخر تغيرت البيئة الأمنية في الضفة لمصلحة شعبنا، وإن كان الفعل العسكري المجرم للعدو أكثر ضراوة وفتكًا إلا أنه أقل سيطرة، وجماهير شعبنا أكثر استعدادًا للانخراط في المواجهة، وهذه مساحة فعل المقاومة وفصائل ومكونات العمل الوطني؛ تنظيميًا وجماهيريًا وسياسيًا، فعل يعيد تشكيل وتصويب جهود كل البنى التنظيمية المتبقية والمكونات والمؤسسات الاجتماعية والأهلية، والاتحادات والأطر المختلفة، نحو الاشتباك، ويشكل الضغط اللازم على البنى الرسمية، ويعيد الاصطفاف الوطني الموحد في وجه العدو. مجددًا نحن بحاجة لجبهة مقاومة وطنية - أي كان المسمى الذي سيطلق عليها - فذات يوم كان اسم جبهة المقاومة هذه "القيادة الوطنية الموحدة"، وفي مساحة أخرى اسمها غرفة العمليات المشتركة، وتنوعت أدواتها الرئيسية من مرحلة لأخرى من السلاح للعمل الجماهيري واسع النطاق للتخريب الشعبي والعصيان الشامل، وكل هذا ليس إلا سطور قليلة، مما سطره وخبره شعبنا في كتاب ثورته ومواجهته المستمرة مع هذا العدو الغازي.