دأب شعبنا على سماع عناوين وفلسفة الخطوط الحمر وقواعد الاشتباك. لقد تساقطت هذه الخطوط أو انتهكت في أكثر مكان وزمان وشاهد وحدث. كما درجنا على سماع مقولة أكلنا يوم أكل الثور الأبيض؛ فانتهاك العدو لكل المحرمات والخطوط الخطر مستمرة منذ ٧٥ عامًا.
فمنذ النكبة الفلسطينية تتوالى مخططات العدو الاستيطانية والإقتلاعية والإجرامية وعمليات الأسرلة والطرد والتصفية وتأخذ أشكالًا وبوسائل مختلفة، تصب جميعها بالمحصلة من أجل تكريس المشروع الصهيوني وتجسيده على الأرض الفلسطينية كاملةً خلافًا لخطابه ومزاعمه بالقبول بالاتفاقيات وحل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية، حيث اِلتهم الاستيطان الأرض وأحكم السيطرة والسيادة على الثروات والمياه ويسعى للإحكام والسيطرة على الإنسان الفلسطيني لدفعه للاستسلام أو خيار الموت بانتظاره، وهو الخيار المفضل عند قادة العدو الصهيوني (الفلسطيني الجيد هو المستسلم أو الميت).
هذا التاريخ الصهيوني رؤية واستراتيجية وممارسة ليس عبثًا أو صدفةً، بل هو انعكاس وترجمة للمؤتمرات الصهيونية الأولى والمتتالية قبل النكبة وبعدها، وكل تكتيك صهيوني لم يخرج وينتهك المخطط المرسوم لقادة الكيان الغاصب من أقصى يمينه ليساره، من أحزابه العلمانية إلى الدينية المتطرفة.
العدو يعرف ما يريد رغم أنه الدخيل والمغتصب للأرض؛ أما أصحاب الأرض (جماعة التكتيك، يم تكتك)، يوميًا يتم انتهاك الاستراتيجي منذ استبدل وعدل الميثاق وجنحوا للاستسلام باسم السلام؛
فقد انتهك التكتيك الرسمي الفلسطيني الاستراتيجية والرواية الفلسطينية التحررية منذ ولوج النقاط العشر وما سمي بالمرحلي والترحيل للقضايا الجوهرية للحقوق الوطنية الفلسطينية مع مدريد – أسلو؛ لدرجة أننا انتهكنا كل الخطوط الحمر للرواية الوطنية التاريخية الفلسطينية وعمادها فلسطين من البحر إلى النهر لنا، وأصبح التفاوض لتحسين الأوضاع المعيشية بدل التحرر من قيود الاحتلال وتحرير كامل الوطن.
الأداء والهدف الصهيوني ثابت مهما تغيرت الحكومات، بينما واقعنا الفلسطيني الرسمي متخبط وأضاع التكتيكي واليومي الاستراتيجي؛ بدل أن يخدم الاستراتيجي. ووصل التكتيك الرسمي الفلسطيني لحد التفريط بالاستراتيجي، من أهداف وثوابت وطنية لصالح البحث عن حلول ليست أعلى من روابط قرى وجغرافية مجزأة وحلول اقتصادية تابعة، وترهن السلطة الفلسطينية كوكيلة في تنفيذ ما يطلب منها من تنسيق أمني وملاحقة واعتقال، وهي بذلك تجاوزت خطوط وثوابت حركة فتح وكافة القواسم الوطنية المشتركة التي أجمع عليها الشعب الفلسطيني.
كل ما تقدم، من أداء فلسطيني هابط وسياسة اللعم والفهلوة لم تفلح؛ لدرجة بات شعبنا في حيص بيص من أمره، هذه التنازلات المجانية الفلسطينية المتتالية قابلها تشبث صهيوني في مقولاته وشعاراته وممارساته التي تؤكد جميعها كمحصلة على استحالة السلام والتسوية مع هذا الاحتلال؛ لمن فكر لحظة في إمكانية أحداث اختراق في منظومة العدو التكتيكية والاستراتيجية التي تنحو لمزيد من العنصرية ولنظام ابرتهايد ودولة لليهود فقط.
على ضوء كل التجربة مع هذا العدو، وفي غياب المراجعة الجدية الوطنية الجامعة لكل المسارات والرهانات، تنتصب أمام شعبنا وحركته الوطنية والأسيرة في المقدمة منها، بأننا أمام عدو لا يقيم وزنًا لاتفاقيات ولا للشرعية الدولية وشرعة حقوق الإنسان ولا يحترم المقدسات وأماكن العبادة للمسيحيين والمسلمين، وخير مثال ما يحصل من تدنيس للمسجد الأقصى والانتهاكات اليومية بحقه وبحق أهلنا في القدس والتي تطال جرائمه أهلنا في عام ١٩٤٨.
مناسبة الحديث وتكراره هو أننا سنكون أمام مرحلة أكثر دموية وشراسة؛ تشمل كل الأرض الفلسطينية، في غزة والقدس والضفة المحتلة وخلف القضبان وفي مناطق ال ٤٨ وشعبنا في الشتات ومواقع اللجوء، يدفع يوميًا ثمنًا في مخيماته وأمنه وكرامته.
إن سياسة القتل المتعمدة وبدم بارد طالت المعتصمين والمرابطين بالأقصى، ويوميًا تُسفح دماء زكية وغالية للمقاومين في الضفة الغربية من نابلس لجنين للخليل والدهيشة وأريحا وغيرها، وبالأمس القريب كان الشهيد خضر عدنان نموذجًا للتصفية بدم بارد وعن سابق إصرار وما قد ينتظر وليد دقة ورفاق العزل الإداري من سعدات ورفاقه، حيث يجري تسويق لائحة اتهام بحقهم.
في غزة جرى الغدر والوشاية بمجاهدي الجهاد الاسلامي كما جرى لقادة الأقصى وعرين الأسود في أكثر من مكان في الضفة المحتلة؛ فمعركة العدو الدموية مفتوحة ضد الأرض والأسرى والمقاومين وتزداد شراسة مع حكومة نتنياهو وبن غفير، فإلى متى نواجهه بالمفرق وبأدوات وخطاب لم يعد مجدي ومقنع لشعبنا؟
التحام السلطة بشعبها وانهاء أي ارتباط بالاحتلال واتفاقاتها معه وعبر مراجعة مسارها وتنسيقها واعترافها بالعدو؛ المدخل الأقصر للمواجهة الشاملة مع هذا العدو الاقتلاعي العنصري؛ وحدة الموقف والرؤية الفلسطينية والرواية الموحدة الفلسطينية، عبر وحدة وطنية حقيقية ومقاومة وطنية شاملة هي رسالتنا وتوجهنا لأمتنا ولأحرار العالم؛ لمحاصرة هذا العدو السرطاني الذي يتمدد ويحكم السيطرة والهيمنة على كل شيء؛ استعادة التحالفات الوطنية والقومية والاقليمية والدولية هو بالاستدارة والمراجعة الجريئة؛ لانعاش مشروعنا الوطني التحرري بعد أوحال أوسلو والتسوية التي شوهت صورة نضالنا وخسرتنا الكثير من حلفاء ومناصرون.
الحجيج إلى الشعب نقطة البداية وطريق الحل والحسم. لقد حان الوقت لتطبيع العلاقات الوطنية الفلسطينية؛ العلاقة المنحازة للوحدة والمقاومة.