Menu

25 أيار يوم تاريخي في حياة لبنان

د. ماهر الطاهر

قبل أيام احتفلت قوى المقاومة بمناسبة الذكرى 23 للانتصار التاريخي الكبير بتحرير جنوب لبنان دون قيد أو شرط فكان يوم 25 من أيار يوم ذل ومهانة وهروب كبير للجيش الذي ادعى بأنه لا يقهر وكان يوم عز وكرامة للسواعد التي حررت الأرض وطهرتها وطردت أخر جندي صهيوني عن الجنوب الطاهر الذي تعَّمد بدماء الشهداء الذين قدموا أغلى ما يملكون من أجل حرية شعبهم وكرامته.

لا شك أن يوم 25 أيار هو يوم تاريخي في حياة لبنان والأمة العربية والعالم الإسلامي، وأحرار العالم كله لأن معركة التحرير فتحت الطريق لبداية عهد جديد حيث ولى عصر الهزائم، وبدأ عهد الانتصارات وجاءت معركة تموز عام 2006 لتؤكد هذه الحقيقة، ومما لا شك فيه أن هذه المعارك التاريخية والانتصارات الكبرى كان لها انعكاس عميق وتأثير بالغ على الأوضاع داخل فلسطين المحتلة، لأن هذه المعارك والبطولات والانتصارات أكدت مجموعة من الحقائق، أهمها:

 أولا: إن هزيمة العدو الصهيوني، عندما تتوفر إرادة الصمود والمقاومة هي إمكانية واقعية قابلة للتحقيق لأن الخانعين والمستسلمين أمام الكيان الصهيوني كانوا يصورون لنا أن الكيان أصبح حقيقة واقعة وأنه يمتلك كل أنواع السلاح وأننا أمام جيش لا يقهر، وجاءت هذه الانتصارات لتخلق وعي جديد وثقافة المقاومة رغم اختلال موازين القوى.

 ثانيا: لقد ولى عهد الهزائم، وبدأ عهد الانتصارات وتعمقت الثقة بالنفس لدى المقاومين في كل أطراف محور المقاومة بأننا أمام كيان يمتلك أسلحة القتل والدمار والإرهاب، مدعوما من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، ولكنه يقف عاجزا أمام إرادة الأحرار والشرفاء المؤمنين بخيار المقاومة كخيار استراتيجي لاستعادة الحق والكرامة ومواجهة العدو ولم يتمكن الكيان الصهيوني منذ عام 2000 من تحقيق أي إنجاز أو انتصار، بعد أن تم بلورة قواعد اشتباك جديدة مع هذا العدو الغادر.

 ثالثا: تآكل قوة الردع لدى الكيان الصهيوني الذي فقد هيبته وقوة ردعه، ولم يعد يتجرأ على دخول قطاع غزة أو جنوب لبنان، لأنه بات يدرك حجم الخسائر والثمن الذي سيدفعه.

 رابعا: إن انتصارات المقاومة في لبنان، انتصار أيار، وانتصار تموز، كان له نتائج كبيرة وعميقة بالنسبة للوضع داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة معززا صمود الشعب الفلسطيني المتواصل منذ 75 عاما، ولذلك فإن معارك الصمود الأسطورية على أرض قطاع غزة، معركة سيف القدس ، ومعركة وحدة الساحات، و معركة ثأر الأحرار هي امتداد وتواصل لانتصار 25 أيار عام 2000   و انتصار تموز عام 2006 وبات الشعب الفلسطيني مؤمنا إنه ليس وحيدا في خط المواجهة الأول مع المشروع الصهيوني بل مسنوداً من محور المقاومة، ومسنوداً من أبناء أمته، وأحرار العالم كله، ولذلك فإن كفاح الشعب الفلسطيني وتصاعد عمليات المقاومة في الضفة الفلسطينية، وعرين الأسود، وكتيبة جنين ونابلس وبيت لحم وأريحا والصمود الأسطوري في معارك غزة، والتصدي البطولي للاعتداءات الصهيونية، كل ذلك جعل الوضع الفلسطيني يدخل مرحلة تاريخية جديدة بكل معنى الكلمة فنحن أمام جيل فلسطيني جديد، لا يعرف المستحيل، جيل ما بعد أوسلو، الذي يؤسس لمرحلة جديدة تعيد الاعتبار لمعنى فلسطين بأنها ليست الضفة والقطاع وأراضي عام 67 فقط بل كل ذرة من تراب فلسطين من بحرها إلى نهرها.

 وهذا هو الرد على الجنرال الأمريكي دايتون الذي جاء إلى الأراضي الفلسطينية بعد أوسلو، وقال نريد جيل فلسطيني جديد، وفق عقيدة ترفض العنف، وتؤمن بالتعايش والمفاوضات وما سمي بعملية السلام  وجاء الرد من الجيل الفلسطيني الجديد، من عدي التميمي، وخيري علقم وتامر الكيلاني، وأبطال شعبنا، وهذا الجيل الفلسطيني الجديد أنجبته أمهات ماجدات يحملن نعوش أبنائهم ويزغردن للشهداء ويطالبن بالمقاومة والقتال، هذا الشعب لا يمكن أن يهزم ولا بد أن ينتصر رغم كل الظروف المجافية ورغم إقدام العديد من الأنظمة العربية التابعة والخانعة على التحالف مع الكيان الصهيوني والتطبيع معه.

 بعد معركة ثأر الأحرار كتبت صحيفة هآرتس أن الكيان الصهيوني يخسر كل ثلاثة أيام خلال المعركة 912 مليون دولار ومليونين مستوطن في الملاجئ والأهم من هذا تقول الصحيفة إننا أمام شعب متشبث بأرضه، وأن من يقاتل بهذا العناد فإنه هو صاحب هذه الأرض.

تم الاحتفال هذا العام بذكرى انتصار أيار في ظل تحولات إقليمية ودولية كبيرة وعميقة ونشهد نتيجة صمود المقاومة ومحورها تحولات وتغيرات إيجابية – عودة العلاقات السعودية الإيرانية – عودة سوريا للجامعة العربية – تراجع القبضة الأمريكية على المنطقة وسيطرة القطب الواحد والانتقال إلى نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، وكل هذا سيصب لصالح قضايانا العادلة، فنحن أمام تطورات إيجابية ونقطة الضعف هي استمرار الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني، ولذلك فإننا ندعو لوحدة وطنية فلسطينية حقيقية، لا يمكن قيامها إلا على أساس خيار المقاومة وليس التنسيق الأمني و أوسلو والاعتراف بهذا الكيان المجرم.