Menu

من نحن؟ وما هويتنا؟

غازي الصوراني

إبان الأزمات وحالات التراجع والانكسارات والمنعطفات الحادة للأمم والفوضى والتحلل، يبرز مجددا سؤال من نحن؟ وما هويتنا السياسية والثقافية والمجتمعية...؟ وهو سؤال الانتماء والهوية والتي تظهر بإلحاحيها بسبب الحيرة والضياع ومفاعيل الأزمة الوطنية والاجتماعية المتفاقمة التي يعيشها المواطن في وطنه وبين شعبه، وهو سؤال لا يأتي من فراغ، وإنما يأتي استنسابيا مع مفاعيل الانكسارات والهزائم والانقسامات أو الانقلابات والأزمات والشعور بالأخطار المداهمة من الثقافات والأفكار اليمينية والرجعية الدخيلة التي تزاحم وعينا ووجودنا، ويتعزز الشعور بفقدان الهوية وفراغ الانتماء وفقدان التوازن الوطني والقومي.

فهل شعوبنا مجتمعاتنا العربية أمام أزمة هوية...؟ نعم نحن لسنا أمام أزمة هوية فحسب، بل نحن أمام حالة غير مسبوقة من تفكك الهويات الوطنية على الصعيد ال قطر ي (وانهيارها على الصعيد القومي) لحساب هويات رجعية رثة متخلفة وتابعة، ذلك إن الواقع الفلسطيني والعربي تداهمه أخطار جمة تستهدف وعيه بهويته وبوجوده  السياسي والمجتمعي وأمنه وثقافته، ومن ثم محاولة طمس الجوانب المشرقة– على قلتها - في تاريخنا القديم والحديث، ما يعني، إننا أمام عملية تخريب وهجمة ممنهجة لإفقادنا الهوية القومية الديمقراطية التقدمية العربية الجامعة، ولإحلال بدلاً منها الهويات اليمينية الفرعية والاثنية والطائفية والمذهبية بمختلف منطلقاتها ومصالحها الطبقية التفكيكية الرثة، باعتبار هذه الهويات نقيضا رئيسيا للهوية الوطنية والهوية القومية الجامعة النقيضة لكل المنطلقات والمفاهيم الشوفينية ولكل مظاهر الإكراه الوحدوي.

 وحين تتراجع مركزية الهوية القومية العربية لصالح الهويات القطرية والفرعية – كما هو الحال اليوم - ينفتح المجال لهويات طائفية أو اثنية يمينية رجعية ميتافيزيقية تسهم بشكل تدريجي في تآكل الهوية المركزية العربية التوحيدية التقدمية الديمقراطية الجامعة، الأمر الذي يوفر كل الفرص أمام محطات إنذار مبكرة وتاريخية عن إمكانية أفول الهوية الوطنية والهوية القومية العربية بفعل مجمل السياسات المعادية لهوية المنطقة العربية والغزو الثقافي، الأمر الذي يفرض علينا السؤال المصيري والمقلق، من نحن...؟

لقد أكدت حركة التاريخ وتجارب الشعوب أنه لا مجال لحركة ثورية تقدمية يسارية بأن تقدم رسالتها الإنسانية والوطنية وتَعرف نفسها بأنها قوة يسارية تقدمية وأن تنجح في كفاحها الضاري دون أن تعي وتدرك شخصيتها الوطنية والقومية بمضمونها التقدمي، ودون تأصيل وطنيتها وقوميتها، فداخل قوميتنا ينحصر وجودنا الإنساني وداخلها تتبلور ثقافتنا وتاريخنا، فالقومية هي حقيقة ثابته في تطور المجتمعات، فالكيانات السياسية لا تعيش ولا تنجح رسالتها الا داخل وعاء قوميتها الديمقراطية التقدمية الجامعة لكل الاثنيات الكردية والأمازيغية والارمنية والنوبية وغيرها من ناحية وتحترم حق هذه الاثنيات أو الشعوب في تقرير المصير والاستقلال من ناحية ثانية انسجاما مع مضمون موقف لينين الذي يؤكد على النتيجة التالية: "إن المقصود بحرية الأمم في تقرير مصيرها، هو الانفصال السياسي لهذه الأمم من الهياكل القومية الغريبة، وتشكيلها لدولة قومية مستقلة. وسنرى فيما بعد، الأسباب الأخرى التي توقعنا في الخطأ إذا فهمنا من حق حرية تقرير مصير أمة من الأمم شيئا آخر غير حق الوجود كدولة قائمة بذاتها" إذ – كما يستطرد لينين بحق – "لن يستطيع شعب أن يكون حرا إذا كان يضطهد شعوبا أخرى".

إن التمسك بعروبتنا وبهويتنا العربية وتراثنا العربي يصبح خيارا يماثل خيار الوجود أكثر من أي وقت مضى، لا سيما بعد أن أفصحت مرارا القوى الإمبريالية والاستعمار الغربي والصهيونية ومعها أنظمة الكومبرادور والتبعية والتطبيع عن استهداف الأمة العربية وتفتيتها، واستيلاد هويات طائفية وهلامية متناقضة ومتقاتلة، تفضي إلى مزيد من تجزئة وتقسيم الجغرافيا العربية المقسمة أصلاً، وتقسيم الشعب العربي بما فيه كياناته الوطنية إلى كيانات قبلية وعشائرية فاقدة لهويتها الوطنية ولهويتها التي تشكلت عبر التاريخ.