Menu

الصوراني: عن نشأة الصهيونية وقيام دولة الكيان

غسان أبو نجم

برؤية علمية ومنهجية واضحة وثابتة كباقي دراساته وأبحاثه السابقة الغنية والمتميزة وبدراسة اعتمدت المنهج العلمي التاريخي، حملت عنوان (الصهيونية العلمانية الدينية ومستقبل دولة العدو)، يستعرض الباحث والمفكر التقدمي الفلسطيني غازي الصوراني أحد أقطاب الفكر العربي التقدمي في الوطن العربي السردية اليهوصهيونية التي حاولت جاهدة إثبات أن اليهود أمة أو قومية وليست طائفة دينية، وأن الصهيونية وارتباطها بالوجود اليهودي في فلسطين قبل ألفي عام هي كذبة كبرى، عبر دراسة اعتمدت منهج البحث العلمي من جهة، وسردية تاريخية واضحة لنشأة وتطور الفكر الصهيوني بأشكاله المتعددة القومي والديني من جهة أخرى. 
تعتبر الدراسة وثيقة تاريخية يجب أن تدرس للأجيال الفلسطينية، ليس لأنها تحتوي على رواية كاذبة حاول العدو الصهيوني تسويقها، بل وثيقة تدحض التاريخ المزور لليهود والحركة الصهيونية وتؤكد السردية الفلسطينية حول الحق التاريخي للشعب العربي الفلسطيني في فلسطين. قسمت الدراسة إلى قسمين، الأول جاء تحت عنوان حديث عن الصهيونية العلمانية والدينية، والثاني حديث عن مستقبل الكيان الصهيوني في فلسطين. 
في التمهيد يتطرق "الصوراني" إلى الأكذوبة الكبرى التي حاولت الحركة الصهيونية العالمية إقناع العالم بها بأن اليهود شعب له جذوره التاريخية، مؤكدًا بأنهم طائفة دينية لا يمتلكون مقومات شعب أو قومية أو أمة، مستندًا لدراسات للكاتب اليهودي شلومو ساند ومهدي عامل والدكتور عبد الوهاب المسيري، والتي أكدت أن اليهود لا يمكن أن يشكلوا شعبًا أو قوميةً وإنما هم خليط غير متجانس من قوميات مختلفة جمعها الدين اليهودي. 
أما عن نشأة الصهيونية يورد "الصوراني" أن الصهيونية نشأت في القرن التاسع عشر بين يهود روسيا وبولونيا وباقي دول أوروبا الشرقية وإن المسميات بين اشكيناز (وهي الاسم القديم لألمانيا بالعبرية) والسفارديم (الاسم القديم لإسبانيا بالعبرية)، تؤكد حقيقة أن اليهود والصهاينة لاحقًا هم خليط من قوميات مختلفة، وأن الصهيونية العالمية نسبت نفسها لجبل صهيون لتحقيق التزاوج بين الدين اليهودي والفكر الصهيوني وهم في الحقيقة احتلال استعماري إحلالي لا يمت بصلة لليهود الذين غادروا فلسطين قبل ألفي عام. 
وعن حقيقة الصهيونية الدينية، يؤكد الباحث أن الدين اليهودي يربط بين الوجود اليهودي وتحديدًا جبل صهيون وبين عودة المسيح المخلص الذي سيخلص اليهود ويحقق العدل والرخاء في العالم، وتطورت لاحقًا لتأخذ شكلها السياسي بعد هزيمة 1967 التي حققت الانسجام والتفاعل بين الصهيونية العالمية والدينية، وحققت التحالف بين اليمين القومي واليمين الديني الذي أفرز الليكود. ويشير "الصوراني" لثلاث مراحل أدت إلى بروز أقصى اليمين الجديد: هي مرحلة أوسلو، والثانية انشقاق اليمين عام ٢٠٠٥ بين يمين براغماتي أمني، مثله نتنياهو، واليمين الاستيطاني الديني، والمرحلة الثالثة هي مرحلة نجاح أقصى اليمين في الوصول للسلطة عام ٢٠٠٩. 
ويورد "الصوراني" عن بدايات انطلاق الصهيونية الدينية في العصر الحديث عبر الحاخام يهودا القلعي عام ١٧٨٩-١٨٧٨، والذي دعا عودة اليهود البشرية إلى فلسطين دون انتظار عودة المسيح المخلص وتعمير الأرض الخراب وإحياء اللغة العبرية، ثم تلاه الحاخام كلاشير ومهايلفير ومائير بار إيلان وأكثرهم عنصرية باروخ غولدشتاين الذي نفذ مجزرة الحرم الإبراهيمي، والذي اعتبر أن ألف عربي لا يساوون ظفر يهودي وأن هناك وقت دائمًا لممارسة الطب وقتل العرب وأن التوراة لا تجيز التعايش مع العرب وعن التأسيس التنظيمي للصهيونية الدينية. يورد "الصوراني" أنها تأسست عام ١٩٠٢، أي بعد ١٥عامًا من مؤتمر بازل الذي أقر ضرورة وجود وطن قومي لليهود، بدعم من الرأسمالية الغربية، وأنها تأسست في إطار الصهيونية العالمية وتأسس فرعها في فلسطين عام ١٩١٨. 
وعن المبادئ السياسية والأيديولوجية لتيار الصهيونية الدينية، أورد الباحث تسعة مبادئ، تمثلت بالاعتراف بالحق التاريخي لليهود في فلسطين، وبناء دولة إسرائيل، وتدريس الدين اليهودي، وضرورة خدمة الطلاب اليهود في الجيش، ودعم المؤسسة القضائية الحاخامية، وحرمة يوم السبت، و القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وتأييد الترانسفير، ولاحقًا أضيف ضرورة إلغاء اتفاقات أوسلو ورفض الاعتراف بالسلطة الفلسطينية ورفض حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. 
ويضيف "الصوراني" عن الصهيونية والدمج القصري الانتهازي بين الديني والقومي أن الصهيونية استخدمت الدين والتوراة لتحقيق استعمار فلسطين، رغم أن الصهيونية في جوهرها علمانية ملحدة. 
لقد اتضح من السرد التاريخي الذي أورده الباحث، أن الكيان الصهيوني قام على كذبة كبرى، وأن لا وجود تاريخي لليهود ولا الصهاينة في أرض فلسطين، وأن قيام الكيان الصهيوني في فلسطين مصلحة للدول الرأسمالية الكبرى، بعيدًا عن الدين اليهودي والفكر الصهيوني، وأن نابليون أول من بشر بقيام هذا الكيان عام ١٧٩٨، حين دعا اليهود لإقامة دولة لهم في فلسطين، ومما يؤشر على زيف الادعاء بأن فلسطين أرض الميعاد ما ورد في قرار المؤتمر السادس للحركة الصهيونية الذي أقر قيام دولة لليهود في أوغندا أو الارجنتين، وهذا يعد تجاوزًا واضحًا للادعاء الديني اليهودي لفكرة أرض الميعاد، وهذا ما ورد في العديد من كتب المفكرين الصهاينة الذين أقروا أن الدين اليهودي اُستخدم لإقناع فقراء اليهود للعودة إلى أرض الميعاد، وكان هرتزل يؤكد دائمًا أن الدين لا يهمني، بل يهمني الأسطورة الجبارة للعودة، وأن الدين اليهودي مجرد وسيلة لإقناع فقراء اليهود للعودة لأرض الميعاد. 
وعن موقف الاحتلال من الضفة الغربية وقطاع غزة بعد أن تحقق احتلال فلسطين 1948 وقيام دولة الكيان، بقيت أعين الصهاينة على باقي أرض فلسطين، فتم احتلال الضفة والقطاع وسعى الاحتلال جاهدًا لإحكام سيطرته عليها وسعى لتقسيمها بقصد تقسيم القضية، لتصبح قضيتين وفق المخطط الديني القومي الصهيوني اليميني، عبر فرض حقائق استيطانية على الأرض إلى جانب مشروع الترانسفير. ويبرز "الصوراني" أبرز رموز التيار الديني والقومي الصهيوني اليميني المتطرف أمثال: جابوتنسكي، ومائير كهانا، وتسيفي يهودا كوك، ودوف ليئور، وايتمار بن غفير، وسميتوريتش، وافي روتنسكي، وعن المنظمات الصهيونية الإرهابية، يورد حركة كاخ، وغوش أمونيم ومنظمة ضد الإرهاب، وغيرها.
وعن مستقبل هذا الكيان المسخ يقول غازي الصوراني: أنه إلى زوال وأن تفكيكه وزواله حتمية تاريخية، وأن هذا السرطان الممتد في الجسد العربي لا يشكل خطرًا على الشعب الفلسطيني فقط، بل على الأمة العربية جمعاء، وأن مسألة دحره مهمة قومية عربية، ويورد آراء بعض المؤرخين اليهود أمثال: أفنيري وشلومو ساند وغيرهم الذين تنبأوا بزواله. 
كذلك يورد الباحث آراء عدد من المفكرين العرب الذين تناولوا الفكر الصهيوني أمثال: عبد الوهاب المسيري والراحل جمال حمدان الذي أصدر كتابًا قيمًا أسماه اليهود أنثروبولوجيا، فند فيه المزاعم الصهيونية وأحقية اليهود في فلسطين برؤية علمية ونقديه. 
وفي ختام الدراسة التي لا يغني هذا المقال عن الاطلاع عليها ودراستها بشكل عميق لتستوفي حقها، يورد "الصوراني" أن الصراع مع العدو الصهيوني هو صراع وجود وأنه لا يمكن هزيمة هذا الاحتلال، إلا عبر تشكيل اوسع جبهة عربية تقدمية، يكون لليسار دورًا قياديًا فيها لتحرير فلسطين. 
أخيرًا، أود التأكيد أننا نواجه كيانًا استعماريًا احلاليًا توسعيًا صادر الأرض والمنزل ووسيلة الإنتاج ويسعى دائمًا نحو المزيد من مصادرة الأراضي وقتل واعتقال كل من يقف وجه توسعه، ولم يحضر شذاذ الآفاق إلى فلسطين لكي يغادروها، بل لتكون نقطة ارتكاز لتحقيق مزيد من التوسع ويحلوا بدل سكانها الأصليين، وكان عليهم لتبرير احتلالهم نسج كذبة كبرى اسمها أرض الميعاد ولكنهم واجهوا شعبًا متمسكًا بسرديته وبتاريخه وبحقه، عجزت آلة القمع والتنكيل أن تسحقه. 
دعوة أخيرة لكل الأجيال الفلسطينية الحالية والقادمة لدراسة ما ورد في هذه الدراسة التي أرى أنها يجب أن تدرس في مدارسنا ومعاهدنا وجامعتنا، لأنها جمعت وركزت ما تشتت من كتابات حول الحركة الصهيونية بطريقة علمية ومنهجية وكشفت كذب وزيف الادعاء الصهيوني وافق الخلاص من هذا الاحتلال.