Menu

تحولات على ذات الدرب: الخليج والتطبيع

بوابة الهدف الإخبارية

بوابة الهدف الإخبارية

شهدت المملكة العربية السعودية في الأعوام الأخيرة مظاهر تحول هائلة، شملت معظم القطاعات في المملكة، وشكلت خروج عن الشكل المعهود للسياسات السعودية داخليًا وخارجيًا، وخصوصًا فيما يتعلق بموضع الخطاب الديني في صياغة السياسات أو كأداة في ممارستها، وهو ما قد يدفع كثير منا كعرب للنظر بشيء من التفاؤل لهذه المظاهر، بمعنى أن البعض قد يقرأ هذه التحولات باعتبارها مغادرة للموقع الذي كانت المملكة منه تصدر الخطاب والتحريض والحشد الطائفي، وكذلك تستخدم السلطات فيها ذات العنوان لقمع الحريات في الداخل.

عزز هذا التفاؤل نسبيًا دخول المملكة في اتفاق مع جارتها إيران، التي كانت الهدف الأساسي في السنوات الأخيرة لاستخدام الأدوات الطائفية والتعبئة المذهبية في مواجهتها، ولكن هذه المظاهر في معظمها تختبر حقيقتها أمام التموضع الحقيقي لحكام في منظومة العلاقات والمصالح في المنطقة والعالم، أي وبشكل مباشر لمصلحة من يعمل حكام المملكة الآن؟ هل لمصلحة شعب المملكة والشعوب العربية؟ أم لحسابات أخرى؟

على أهمية إزالة القوانين القمعية التي قيدت الحريات الشخصية لمواطني المملكة باسم الدين والأخلاق، لكن المسار العام الحاكم للسياسات هو الدفاع عن المصالح المتضخمة والمتزايدة لمجموعة الحكم على حساب الحقوق السياسية والاقتصادية للغالبية الساحقة من سكان المملكة، وأيضًا على حساب الشعوب العربية، فما زالت المنظومة الحاكمة في سياساتها الخارجية تراهن بالأساس على التحالفات مع أجنحة ومراكز المنظومة الاستعمارية التي نهبت المنطقة، وإذا كان سعيها لتعديل وزنها ضمن هذه التحالفات أو ممارسة بعض الاستقلالية، قد ينظر له في بعض الأروقة كتحول نحو الاستقلال الوطني، فالمؤكد أن طريق الاستقلال الوطني عن الهيمنة الاستعمارية لن يمر عبر التحالف مع الكيان الصهيوني المعادي للشعوب العربية والمتغول على حساب أمن ومصالح الشعوب العربية.

إن توارد الأنباء والتسريبات والمؤشرات حول استمرار الحكومة والقيادة السعودية في بحث الشروع العلني والرسمي في التطبيع مع الكيان الصهيوني، يمثل تعبير واضح عن زيف التوقعات التي تنظر لما يحدث في السعودية باعتباره تحول ايجابي أو مسعى وطني استقلالي، فالتحالف مع العدو الأول للشعوب العربية يمثل وصفة بقاء بالنسبة لحكومات الاستبداد والنهب والتبعية، وتعبير عن تلاقي بين وكلاء المشروع الاستعماري وأدواته في المنطقة العربية.

المؤكد أن المواطن في المملكة السعودية لا يحتاج إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، وبالتأكيد لا يتطلع أو يأمل بأن تمد المنظومة الأمنية الصهيونية حكومته ببرامج التجسس وأجهزة وأدوات القمع الأمني، والمؤكد أكثر من ذلك أن عموم المواطنين ما زالت قضية فلسطين تمثل بالنسبة لهم عنوانًا أساسيًا ذو أهمية في نظرتهم للمنطقة وتصورهم لذاتهم وهويتهم كعرب، ذلك رغم ما مارسته منظومة الحكم من دعاية وتحريض ممنهج ضد شعب فلسطين وقضيته وحقوقه.

ولعل قضية الموقف من التطبيع تفصح عن الأشكال في سياسات منظومة الحكم هذه، وهو ليس في كونها غير ديمقراطية على الورق أو في الواقع، ولكن بالأساس أن هذا النموذج من التسلط والقهر يصر على انتزاع أية حقوق للإنسان العربي في الشراكة في القرار أو الممارسة السياسية أو الموارد، بل ويذهب لمزيد من التحالفات مع نظم القهر الاستعماري وأدواتها بغية تعزيز استئثار المنظومة الحاكمة بالثروة، ففي المملكة الأغنى بموارد النفط عالميًا ما يزال الفقر نصيب جزء ليس بالقليل من أهل البلاد، وما زالت السياسات العدائية تجاه شعوب المنطقة والتحالفات التي تمثل النظام ومصالحه مصدر لاستجلاب العداء وتعريض أمن البلاد وأهلها للخطر، وما زال الحاكم النفطي يفضل تسليم موارد البلاد وأمنها وأمن شعبها لمن يعاديهم، مقابل بقاء كرسيه وحفظ وتعزيز امتيازاته.