Menu

جبهتنا الاجتماعية: لأجل الوطن والإنسان

بوابة الهدف الإخبارية

خاص بوابة الهدف

يمثل الحصار ركنًا وطيدًا في السياسات الصهيونية الإجرامية المسلطة ضد شعبنا في كافة أماكن تواجده، وقد عملت منظومة القمع الصهيوني وحلفائها على تعميق هذا الحصار ومد أطواقه لتطال كل فلسطيني بتأثيراتها، وبما يشمل الحصار الجغرافي المباشر والحصار الاقتصادي والمالي الهادف لخنق شعبنا وتجويعه، وكذلك الحصار السياسي، وفي هذا المسعى لم يعد خافيًا أن الرهان الصهيوني الأساسي، يدرك الى حد كبير عدم امكانية خروج المجموع الفلسطيني وقواه الحية باستسلام معلن، ولكنه يراهن على التقويض الاجتماعي وتعظيم وزيادة تأثير الإفقار والتجويع لتلعب دورًا في تمزيق البنى الاجتماعية وتفكيك البنية القيمية التي تحمل وتحمي الموقف والممارسة الوطنية في مواجهة العدو.

إن النظر لهذا الحقل من المواجهة، دون إدراك المسؤوليات الواقعة على الكل الفلسطيني في مجابهة تأثير هذا العدوان، أو بنظرة ضيقة تراهن على تراجع العدو عن هذا الحصار الذي استثمر فيه طويلا، قاد وما زال لتغييب العمل الضروري على بناء سياسات صمود وطني في القطاع الاقتصادي الاجتماعي، بل وفاقم في تأثير هذا الحصار، ببناء سياسات اقتصادية رديئة، خدمت جماعات المصالح، وراهنت على مفاهيم واستراتيجيات خاطئة ومجحفة ومجافية للواقع، ولا علاقة لها بوضع شعب يقف في مواجهة الحصار والعدوان، ويحتاج لبناء اقتصاديات الرعاية والصمود والتكافل، لا سياسات توزيع الامتيازات وأوهام تعزيز الاستثمار الرأسمالي وتوسيع قواعد الاحتكار؛ فمنظومات الحكم حين تراهن على توزيع امتيازات إدرار الربح على جماعات المصالح، أو "رجال الأعمال" وقصر دورها على جباية الضرائب لا تمارس أكثر من وصفة رأسمالية سطحية سقطت على مستوى الممارسة العملية حتى في قلب الدول الرأسمالية الكبرى، فما بالنا في حال شعب محاصر؟!

لقد أسهمت هذه السياسات في زيادة تركيز الثروات في يد أصحاب المصالح وجماعات السلطة وشريحة من أصحاب رأس المال المتلونين، وفي المقابل أسهمت في المزيد من الإفقار والتجويع لمعظم أبناء شعبنا، وسوقت وما زالت لأوهام خطيرة ودعاية واهية حول الازدهار والتنمية وجودة الأداء الاقتصادي، فيما يهلك أبناء شعبنا ويسلك شبابه سبل الهجرة، أو يذهب بعضهم للانتحار والموت، ذلك دون الحديث عن الجوع وأمراض فقر الدم وسوء التغذية التي تطال قطاعات واسعة من أبناء هذا الشعب، أو الوقوف عند ظاهرة الانتشار الهائل لتعاطي المخدرات وما تفرزه من كوارث اجتماعية مترتبة عليها.

إن انهيار البنى الاجتماعية هو وصفة للانتحار لأي مجتمع، وإذا كان الأمر يتعلق بمجتمع يخوض معركة الاستقلال الوطني، فإن إهمال الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية، أو اعتبار حقل الاقتصاد والمال هو حقل للتكسب، أو توزيع الامتيازات فإن الأمر يكون سياسة انتحارية بامتياز، تفتح أبواب الهزيمة السياسية والمعنوية، وتبيح مساحات اجتماعية هائلة للخرق الأمني والاستهداف. 

السؤال اليوم الذي يمثل أمامنا ليس إذا ما كان هذا المقال، أو سواه من الأصوات التي تندد بسياسات فشلت في مواجهة الحصار وفاقمت تأثيره مقال مسلط أو رسالة سياسية، بل إذا كنا كفلسطينيين مستعدين لحمل مسؤولية خطة انقاذ وطني؟ وهل هناك إرادة سياسية كافية تدرك مخاطر هذا التدمير وتستعد للانخراط والمشاركة في تغييرات جذرية تتكفل بوقفه وعكس اتجاهه نحو النهوض بمجتمعنا وانقاذ شبابنا وتمتين قواعد صمود شعبنا في معركته الضارية مع العدو الصهيوني؟

إن إسقاط الحصار يتطلب جهدًا حقيقيًا ومنظمًا من أبناء الشعب الفلسطيني ومن كل أصدقاء هذا الشعب، ولكنه يتطلب كذلك خطة للصمود الوطني تحسن استخدام الموارد وتنظر بكل مسؤولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لأبناء شعبنا، وترى في مراكمة الثروة والمصالح والامتيازات في ظل هذه المعركة وعلى حساب قوت أبناء شعبنا وحقوقهم، جريمة مستمرة وممتدة حتى وإن غطتها القوانين والمراسيم المجحفة التي تشرعن سياسات النهب والإثراء وتكديس المال في جيوب الأثرياء.