Menu

بن غفير.. اِستمر في الحفر

ثائر أبو عياش

إذاً، بات واضحاً للجميع وعلى الملأ أن الطراز الأوروبي للصهيونية ذاهباً نحو الحطام، تلك حقيقة الإقرار بها يحتاج إلى رفض الاحتلال منذ البدء، حيث ذلك يعني أن الاحتلال لن يتحول في يوماً ما إلى وجهة نظر بعد أن أمعن في القتل، والتهجير، ومصادرة الأرض وغيرها من الجرائم التي شكلت قضية الوجود بالنسبة للشعب الفلسطيني، لذلك الطراز الأوربي لا يبرر اليوم حقيقة أمس، وهي أن الاحتلال الصهيوني قام على ركام الشعب الفلسطيني، وعليه أن قضية الشعب الفلسطيني لن تسقط بالتقادم تحت الغربال الدولي.

على مدار أكثر من 75 عاماً من الاحتلال حاول البعض دس السم في العسل عبر اتفاقيات مليئة بالهزيمة تحت مسمى "الحل السلمي"، وهذا ما ساعد الاحتلال على قضم الوقت ليبقى لهذا الزمن، على الرغم أن تقارير سرية تابعة ل CIA الأمريكية كانت تقول إبان "النبكة الفلسطينية 1948" أن ما تسمى "دولة إسرائيل لن تصمد عامين أمام قوة الجيوش العربية"، ولكن لم تكن تدرك تلك التقارير أن زعماء الأمة العربية لم يقرؤوا قصة سيدنا "موسى" وكيف فاوض اليهود الله على البقرة، وأنهم بارعون في التفاوض العقيم، وكما سأل "صبحي صالح" في هذا الجانب: "هل تعتقدون أن اليهود سيقدمون لكم القدس ومسجد وقبلة ومحراب وهم من فاوضوا على بقرة؟"، وهذا سؤال يستحق أن يسمى درس التاريخ.

كان الاعتراف العربي بالصهيونية، والجلوس على الطاولة للتفاوض معها قبل سنة 1948، حيث في 3 يناير/ كانون الثاني 1919 عُقد اتفاق بين "فيصل الأول ابن شريف الحسين بن علي الهاشمي" مع "حاييم وايزمان" _ رئيس المنظمة الصهيونية العالمية _ في تلك الحقبة من الزمن، وأٌطلق على هذه الاتفاقية اسم "اتفاقية وايزمان فيصل"، وشملت على إعطاء اليهود تسهيلات في إنشاء مجتمع للتعايش في فلسطين والإقرار بوعد بلفور، كانت هذه الاتفاقية بمثابة إقرار عربي مبكّر بما تسمى "دولة إسرائيل"، ومنذ ذلك الزمن وما قبلهُ وحتى اليوم يُلدغ العربي المفاوض من الجحر كلما ذهب إليهِ، رغم معرفته بذلك، وهذا ما يثبت أن العربي المفاوض لا يخاف جر الحبل منذ أن قام بإخفاء السم الذي كان في الكأس العتيق داخل الكأس الجديد، على اعتبار أن المثل الفلسطيني يقول: "اللي بتلدغه الحية بيخاف من جر الحبل".

تحت مبدأ الترهيب والترغيب حاولت الكثير من الدول وعلى رأسها أمريكا - التي وصفها الراحل " جورج حبش " بأنها "رأس الحية"، إدراكاً منهُ أنها بارعة في اللدغ - إخفاء الوجه الحقيقي للصهيونية، وهذا لم يكن يتم دون الدول العربية التي على أرضها تم بناء القواعد الأمريكية، حيث هنا يمكن قراءة كتاب الراحل "جورج حبش" والذي يحمل اسم "نحو فهم أعمق وأدق للكيان الصهيوني"، والذي تناول بعض من السجل الأسود للرجعية العربية ودورها العاجز عن تحرير فلسطين، وأيضاً كيف فُتحت الأسواق للحركة الصهيونية ودعمها على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي  والثقافي، وعلى صعيد المرأة، والشباب...، حيث ساعدت هذه الخطوة على تحويل القوة المستعمرة "الحركة الصهيونية" إلى قوة ذاتية بعد ربطها بالمركز الإمبريالي، وذلك عبر نظرية السلسة القوية وليس الحلقة المركزية، وتنطلق هذه النظرية بحسب "جورج حبش" إلى أن قوة السلسة ليست أكبر من قوة الحلقة الأضعف فيها، لذلك يجري العمل لتمتين كافة حلقات السلسة، وليس الاكتفاء بالحلقة المركزية قوية وحلقات أخرى ضعيفة.

في 14 مايو/ أيار من سنة 1948 أعلن "ديفيد بن غوريون" ما يسمى "استقلال دولة إسرائيل"، ومنذ ذلك التاريخ حتى اليوم، وأكثر، حتى انتهاء الاحتلال، ستبقى سلسة الجرائم مستمرة، حيث على طوال السنين الماضية لم يتوقف الاحتلال عن ممارسة "الإرهاب" بحق الشعب الفلسطيني، والتاريخ حافل بذلك، وعلى الرغم كما تحدثنا سابقاً، من محاولة إظهار صورة جميلة عن الاحتلال، ولكن وعبر فترات متفاوتة يأتي صهيوني جديد ليقلب العملة من على الطاولة، ويكشف الصورة البشعة للاحتلال، والصهيوني الجديد هو "بن غفير".

قام "بن غفير" بخطف المعول من يد "شامير، وجابوتنسكي، ورابين، وموشيه شاريت، وجولدا مائير، ومناحيم بيغن، وإسحاق شامير، وشمعون بيريز...، ليستمر في حفر القبر الذي حفرتهُ الصهيونية لنفسها منذ إعلان "بن غوريون"، حيث منذ هذا الإعلان وما قبل ذلك أيضاً لم يتوقف الاحتلال عن الإمعان في سرقة حقوق الشعب الفلسطيني، ولذلك لم تكن قرارات "بن غفير"، وعنصريته التي يمارسها ضد الشعب الفلسطيني بالشيء الجديد، فقد قامت ما تسمى "دولة إسرائيل" على الاستيطان المستمر حتى اليوم، والذي يدعمه "بن غفير"، ولم تتوقف سلسة الجرائم بحق الأسرى منذ أن اعتقل الاحتلال "محمود بكر حجازي" كأول أسير فلسطيني بعد عام 1967، وعليه لم يرتكب "بن غفير" الشيء الجديد، حيث قرارات "بن غفير" بما يخص الاستيطان، والأسرى، وغيرها من القرارات هي استمرار لسلسة معقدة من النمط الإرهابي الصهيوني الممارس على الشعب الفلسطيني.

يبقى السؤال هنا بعد الصخب الذي أحدثهُ "بن غفير"، وأكثر بعد أن أظهر للجميع الحقيقة التي كان يتم إخفاؤها على مدار كل هذه السنين:" كم سيصمد بن غفير في الحفر؟"، ويأتي هذا السؤال لأن "المقاومة" تسعى كما يبدو بسبب هذا الحفر - القديم الجديد - لدفن "الصهيونية" داخل القبر، وتحطيم المعول، وإذا كان الأمر كذلك، ليس علينا مطالبة "بن غفير" التوقف عن الحفر كما طالبهُ بعض الذين أخفوا الحقيقة على طاولة المفاوضات، بل علينا دعوة "بن غفير" الاستمرار في الحفر.