Menu

حرب تحريرية ام "قرصة ذان"

حمدي فراج

"هل تتطور الحرب" ، هذا سؤال المليون الذي يدور على ألسنة ملايين الناس في كل الكوكب ، والتي كان مهرها – الحرب - حتى الآن غزة ، بدمها و لحمها و عظمها و منازلها و مؤسساتها و بنيتها التحتية و آلامها ، آلام الجروح الجسمية حيث قال أطباء انهم اجروا عمليات لجرحى بدون تخدير ، و جروح النفس الغائرة في القلوب المتقطعة حزنا و نزفا و نزحا و فزعا .

لكن السؤال الأكثر عمقا و بعدا "استراتيجيا" إن كانت الحرب تحريرية أم مجرد "قرصة ذان" ، تعود إسرائيل بعدها الى ما كانت عليه ، و ربما أسوأ ، تتحكم في حياتنا و مواردنا و مرابعنا و معابرنا و مقدساتنا و حتى في افراحنا و احزاننا ، (قبل أيام اتصل كابتن مخابرات بوالد عروس قبل فرحها بيوم ابلغه بإلغاء العرس لان خطيبها مطلوب و يجب ان يسلم نفسه اليوم ، و فعلا تم اعتقال العريس و الغاء الفرح) . نعود الى التنسيق الأمني ، حيث و صل الامر برئيس السلطة ان يقول : أذهب الى الخليل بتصريح ، و قول المرحوم صائب عريقات ان الرئيس الفعلي للسلطة هو رئيس الإدارة المدنية ، ان نفاوض ثلاثين سنة على قضايا الحل الدائم التي أصبحت في حكم الماضي ، ف القدس بشطريها أصبحت عاصمة إسرائيل الأبدية ، والمستوطنون شعبا يناهزون المليون ، و الحدود مجرد جيوب في المناطق المأهولة المصنفة بألف و باء ، و غزة وقد أبيدت و مسحت عن الخارطة نهائيا ، و الأقصى مقسم زمانيا بعد ان تقسم الابراهيمي زمانيا و مكانيا . نعود الى سلطة الحكم المطلق ذات الفساد المزمن المستعصي ، نعود الى الكفاح المسلح المشلح الذي لا يأتي الا على أصحابه بالقتل الجماعي في مجازر مصغرة والاعتقال اليومي بالعشرات و معانيات الاسرى و جثث الثلاجات .

إن الثمن الباهظ التي دفعته غزة ، المتناغم حتى الآن مع عملية الطوفان المتقنة اعدادا و تنفيذا و التي عدها بعض المحللين بأنها عبارة عن "تحفة" ، ضربت إسرائيل في أبجدياتها القيمية و المعنوية و الأمنية و العسكرية و التاريخية و العقائدية في بضع ساعات ، ثم جاء الصمود الأسطوري للناس في غزة ، ليضربها في قيمها الأخلاقية ، تستحق هذه الغزة ، ان يكون مردود تضحياتها أكثر من "قرصة ذان" .

لقد "احتلت" غزة / فلسطين عشرات المدن العالمية العظيمة ، و اصبح العلم الفلسطيني من أكثر الاعلام الذي يرفع في المظاهرات في العالم ، مما يؤشر الى إمكانية تغيير منحى الحرب ، ليس هذا من أجل غزة و بلسمة جراحها المفتوحة فحسب ، بل من أجل الضفة الغربية و الضاحية الجنوبية الواقفتان على باب المسلخ في انتظار الذبح .

كان ممن شوهدوا يباركون و يشدون على يدي الضيف عدد كبير من الشهداء ، عدي التميمي ، ناصر أبو حميد ، إبراهيم النابلسي ، احمد الجعبري ، مهند الحلبي ، محمد أبو خضير ، ، خيري علقم ، داوود الزبيدي ، رعد الخازم ، و هادي نصر الله يسأل بصوت خفيض : هل خطب أبي ؟