Menu

معركة طوفان الأقصى وضعت قضية فلسطين على أجندة كل الشعوب

د. ماهر الطاهر

عشية معركة طوفان الأقصى بلغت ممارسات الاحتلال الاسرائيلي درجه غير مسبوقة من الإرهاب والاستيطان والاعتقالات وتدنيس المسجد الاقصى واقتحامه عشرات المرات وبدأ قادة الكيان يتحدثون عن حسم الأمور وأنه قد آن الأوان لتصفية القضية الفلسطينية والحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني. تصاعدت العمليات العسكرية البطولية لشعبنا في الضفة الفلسطينية في جنين ونابلس و القدس واريحا وكل المدن والمخيمات الفلسطينية وتصدى شعبنا بكل شجاعة للممارسات الإجرامية للمستوطنين المسلحين الذين مارسوا كل أشكال الإرهاب ضد مدن وقرى الضفة الفلسطينية المحتلة وضد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال فجاءت معركة طوفان الأقصى ردا على هذه الجرائم المتواصلة والتي توهم الاحتلال من خلالها أنه سيحسم الأمور ويضم الضفة الفلسطينية ويسيطر بشكل كامل على مدينه القدس.

 فوجئ العدو الصهيوني وجيشه المدجج بكل أنواع السلاح بيوم السابع من اكتوبر 2023 والذي شكل نقطة تحول في مسار الصراع مع المشروع الصهيوني.

دخلت ملحمة طوفان الأقصى اليوم شهرها الرابع، أذهلت العالم كله وأذهلت البشرية بأسرها شعوبا وحكومات، وكانت مفاجئة بقوة انطلاقتها وما حققته من صدمة مروعة لجيش الاحتلال الاسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الاستعمارية. إلا أن الأبعاد والنتائج المترتبة عليها ستكون على جانب أعظم من المفاجأة التي حصلت يوم 7 من أكتوبر.

معركة وجود وصفحة مجد في تاريخ الشعب الفلسطيني والأمة العربية وأحرار العالم، جسدت ورسمت مشهدا أسطوريا من جانبين:

 الأول: بطولات استثنائية لشعب يكافح بكل صلابة منذ قرن من الزمان، تعرض لأبشع المخططات والمؤامرات الاستعمارية التي شردته في كل أصقاع الأرض، والذي تعرض لمجازر متتالية عبر العقود الماضية، ومجازر غزة اليوم ليست رد فعل على طوفان الأقصى، بل هي امتداد وتتويج لمجازر سابقة اقترفتها الصهيونية على مرأى ومسمع من العالم أجمع، لكن شعبنا شعب التضحيات والشهداء لم يركع ولم يستسلم واستمر بالصمود والمقاومة جيلا بعد جيل، وكل جيل جديد كان أشد مراساً من الجيل الذي سبقه، وهذا ما وضع المشروع الصهيوني أمام مأزق وجودي حقيقي، لأنه كان يتوهم ويقول: بأن الكبار سيموتون والصغار سينسون وكان يقول بأنه جاء لأرض بلا شعب، لشعب بلا أرض، فماذا كانت النتيجة؟.

 لقد وصل اليوم إلى نتيجة بأنه يواجه شعب يمتلك من الشجاعة والكرامة والشموخ والصبر ما لا يتحمله بشر، مات الكبار فيه، وهذه هي سنة الحياة، ولكن الصغار لم ينسوا وفاجأته الأجيال الجديدة بما لم يكن يتوقعه واكتشف أن الأرض التي احتلها بمؤامرة استعمارية ليست أرضا بلا شعب، بل وجد فيها شعب الجبارين وشعب المفاجآت، شعب متمسك بشكل أزلي بأرضه وترابه، ومصمم على تحرير هذه الأرض من بحرها إلى نهرها، لأنه يؤمن بشكل مطلق بأن لا شرعية لوجود هذا الكيان الوظيفي الاستعماري على أرض فلسطين.

– أما الجانب الثاني من المشهد الذي أظهرته معركة طوفان الأقصى، أنها كانت كاشفة للعورات، وكاشفة لكثير من الحقائق التي أصبحت حقائق ساطعة شاهدها العالم كله، ومن أهم هذه الحقائق: 

أولا: أظهرت هذه الملحمة أن لا وجود لقانون دولي وشرعية دولية نظرا للاحتقار التام الذي واجه به الكيان الإسرائيلي والإدارة الأمريكية العالم كله، واتضح بشكل لا لبس فيه أن القانون السائد في هذا العالم هو قانون شريعة الغاب وقانون الأقوى، وهذه حقيقة أظهرتها بوضوح تام دماء أطفال غزة ونسائها وشيوخها وشبابها، وتدمير قطاع غزة وهدم البيوت والمساجد والكنائس والمستشفيات، وهذه حقيقة سيكون لها آثارها الاستراتيجية في العالم أجمع في المرحلة القادمة.

ثانيا:  أظهرت معركة طوفان الأقصى أن الكيان الصهيوني وجيشه الذي ادعو بأنه لا يقهر أكذوبة كبرى، يمكن دحرها وقهرها وأن تحرير فلسطين إمكانية واقعية قابلة للتحقيق، وهذه حقيقة أكدتها الوقائع منذ أن تم تحرير جنوب لبنان عام 2000 دون قيد أو شرط، ومنذ انتصار تموز عام 2006، وحروب غزة المتواصلة، والتي توجت بمعركة طوفان الأقصى التي أكدت هشاشة الجيش الصهيوني وإمكانية قهره وإلحاق الهزيمة به.

– قطاع غزة محاصر منذ 18 عاما 6 كيلو ب6 كيلو، بقعة أرض صغيرة 360 كم2 لا يدخله أي إمدادات ويتمكن من خوض حرب أسطورية دخلت شهرها الرابع.

فيتنام، حققت انتصارا عظيما ولكن كان لديها خطوط إمداد من الصين وروسيا والعديد من دول العالم – سلاح وذخائر غذاء، مساعدات، والجزائر حققت انتصارا عظيما ولكن كان لديها خطوط إمداد واسناد

-غزة المحاصرة صنعت معجزة تاريخية بكل معنى الكلمة بدون أي امدادات، صمدت وقاتلت، ولا زالت تقاتل وستستمر في القتال، والضفة الفلسطينية والقدس تخوض معركة بطولية وتقدم الشهداء يوما بعد يوم.

– لأول مرة في تاريخ الصراع، تمكن الشعب الفلسطيني بأن يكون لديه قاعدة فيها بعض السلاح والإمكانيات العسكرية المتواضعة، مقارنة بما يملكه جيش الاحتلال من أحدث أسلحة القتل والدمار، وعندما توفرت لشعبنا هذه القاعدة صنع شعبنا المعجزات، وبرهن أنه من الممكن هزيمة هذا الكيان وتمريغ أنف جيشه بالتراب.

– لا نريد من الدول العربية إدخال جيوشها، ولكن ألا يحق للشعب الفلسطيني أن يحصل على دعم من الدول العربية وإسناد وهو كفيل بمواجهة هذا الكيان المدجج بكل أنواع السلاح، وإلى متى ستستمر مواقف النظام الرسمي العربي بالتفرج على ما يجري من مذابح.

ثالثا: أظهرت معركة طوفان الأقصى أن العدو الأول للشعب الفلسطيني والأمة العربية هو الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود المعركة وأعطت الكيان الإسرائيلي الرخصة الكاملة لممارسة حرب الإبادة والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني، وأرسلت أساطيلها وحاملات طائراتها وجنودها وحضر قادتها اجتماعات مجلس الحرب الصهيوني، لأنه لم يعد لديهم ثقة بأن قادة الكيان يستطيعون إدارة المعركة، واتضح تماما أن الكيان الإسرائيلي ليس إلا دمية و كيان وظيفي له وظائف لصالح الإمبريالية والدول الاستعمارية التي تستهدف السيطرة على الوطن العربي ونهب ثرواته ومقدراته، وعرقلة تقدمه ووحدته.

رابع:  كشفت معركة طوفان الأقصى للرأي العام العالمي حقيقة الكيان الصهيوني وحقده وإجرامه ككيان فاشي – نازي لا يخوض حربا، بل يقترف جرائم حرب، ولم يتمكن من تحقيق أي إنجاز عسكري أو سياسي ولذلك لجأ إلى قتل المدنيين والأطفال والنساء وتدمير كل شيء في قطاع غزة. وكان من نتائج ذلك التحولات التي نشهدها على صعيد الرأي العام العالمي في أمريكا وبريطانيا وألمانيا وجيل الشباب في أمريكا بغالبيتهم باتوا يؤيدون الشعب الفلسطيني، وقامت مظاهرات كبرى في العواصم الغربية وفي الولايات المتحدة وهذا سيكون له انعكاسات على مستقبل كفاح الشعب الفلسطيني. وقد أظهرت نتائج استطلاع في أميركا أن 51% من الشباب الأمريكي بات على قناعة بأن حل قضية فلسطين يتطلب تفكيك الكيان الإسرائيلي ورحيله عن أرض فلسطين.

خامسا: لا شك أن الوضع خطير على أرض فلسطين في ضوء استمرار وتصعيد العدوان، وبات واضحا أن الهدف الحقيقي للكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية هو تهجير وترحيل أهلنا من قطاع غزة وبعد ذلك من الضفة ومن الأراضي المحتلة عام 1948.

– وهناك ما سمي بمبادرة قدمها أعضاء في الكونغرس الأمريكي تتحدث عن تهجير طوعي وليس قسري إلى مصر وبلدان عربية أخرى، والمخطط هو تدمير قطاع غزة وجعله مكانا غير صالح للحياة، ويشترطون تقديم المساعدات لدول عربية بموافقتها على قبول لاجئين من القطاع، والسماح للناس في المغادرة، ولكننا نقول هذه المخططات لن تنجح، وسيكتشف قادة جيش الاحتلال أن غزة سوف تستمر بالصمود والمقاومة، ستواصل القتال وإيقاع المزيد من الخسائر في صفوف العدو الذي سيضطر في نهاية المطاف إلى إدراك أن مخططاته ستبوء بالفشل.

سادسا: إن الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية وأدواتهم يرسمون سيناريوهات ومخططات لمستقبل الوضع في قطاع غزة والضفة الفلسطينية والقدس ويستهدفون تصفية القضية الفلسطينية تحت ستار وخدعة ما يسمى بحل الدولتين، والذي لم يكن أكثر من عملية تضليل وخداع خلال العقود الماضية، وهذا التضليل والخداع لا زال مستمرا حتى اليوم وسيستمر في المستقبل، ولذلك فإننا ندعو ولكي نحمي الانتصار الذي تحقق يوم 7 أكتوبر ونصونه ونبني عليه، ندعو لتشكيل قيادة طوارئ وطنية فلسطينية موحدة لخوض المعركة العسكرية والسياسية في المرحلة القادمة وفق برنامج سياسي كفاحي مقاوم لصون إنجازات وتضحيات شعبنا والدماء الزكية التي سالت على أرض فلسطين، ولإسقاط أي محاولات تستهدف إجهاض الانتصار وتبديد نتائجه، لأن ما جرى يوم 7 أكتوبر سيكون له انعكاسات ونتائج استراتيجية عميقة على جميع المستويات الفلسطينية والعربية والدولية وداخل المجتمع الصهيوني ومواجهة أية محاولات ومخططات تريد أن تحقق سياسيا ما عجزت عن تحقيقه عسكريا نتيجة صمود شعبنا وتضحياته الجسيمة.

سابعا: وجهت معركة طوفان الأقصى ضربة عميقة لسيناريوهات التطبيع بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية حيث سعت الولايات المتحدة الأمريكية ولا زالت إلى دمج كيان الاحتلال الاسرائيلي في المنطقة ليكون هذا الكيان هو المسيطر والمهيمن عسكريا واقتصاديا وأمنيا على عموم المنطقة.

 ثامنا: وجهت معركة طوفان الأقصى ضربة كبيرة لمخططات أمريكا والكيان الاسرائيلي لزرع بذور الفتن الطائفية والمذهبية في المنطقة وأكدت من خلال تماسك وتلاحم قوى المقاومة أن هذه المخططات مصيرها الفشل الذريع.

 بعد مرور 100 يوم على الملحمة التاريخية على أرض قطاع غزة وفشل العدو الصهيوني في تحقيق أي من أهدافه التي أعلنها بالقضاء على المقاومة الفلسطينية المسلحة وإطلاق سراح أسراه بالقوة، وبعد الخسائر الجسيمة التي أصابت ضباطه وجنوده وآلياته ودباباته والتي هي أضعاف ما يعلن عنه وبعد أن تحولت غزة إلى مقبرة للغزاة لجأ العدو الصهيوني إلى سياسة الاغتيالات بعد فشله الذريع في تحقيق أي نصر سياسي أو عسكري في غزة فقام باغتيال القائد الكبير صالح العاروري في الضاحية الجنوبية في بيروت واغتيال أحد القادة الميدانيين لحزب الله المجاهد الكبير وسام الطويل كما اقدم الكيان الاسرائيلي على اغتيال الشهيد اللواء رضي الموسوي احد كبار قاده الحرس الثوري الايراني في السيدة زينب وكل هذا يعبر عن حجم المأزق الاسرائيلي والفشل الذريع في قطاع غزة لذلك لجا رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى سياسة الهروب إلى الأمام والإقدام على اقتراف هذه الجرائم والاغتيالات والتي لن تمر دون رد وعقاب.

إن ملحمة طوفان الاقصى التاريخية قد أعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة الأحداث في العالم أجمع وأصبحت على أجندة كل شعوب الأرض بعد أن شاهد العالم حرب الإبادة التي يمارسها قتلة الأطفال والنساء والشيوخ على مرآى ومسمع البشرية بأسرها.

 واليوم كان الكيان الاسرائيلي المجرم يجلس في قفص الاتهام بعد أن قدمت دولة جنوب افريقيا الصديقة الحقيقية للشعب الفلسطيني دعوة لمحكمة العدل الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب في الكيان الاسرائيلي الذي يمارس حرب إبادة ضد شعب مكافح تعرض منذ 75 عاما لجرائم من أبشع جرائم العصر الحديث.