Menu

وقف إطلاق النار كمدخل للابتزاز

وسام رفيدي

هل يمكن فهم رفض أمريكا لوقف إطلاق النار كما جاء على لسان وزير خارجيتها بلينكن، إلا أنه تأييد، وتصريح مفتوح بالإبادة الجماعية لشعبنا في القطاع؟ بالتأكيد لا. وايضاً يمكن فهم هذا التصريح بطريقة أخرى: انه (ممارسة للضغط)، من أجل تحقيق غايتين إثنتين، الأولى: فك الإرتباط بين المقاومة وشعبنا، وخاصة في القطاع المكلوم بالمجازر وعشرات آلاف الضحايا، وهذا لم يتحقق، وأعتقده لن يتحقق، فالصمود، كشعب تحت الاستعمار ينشد الحرية مهما بلغ الثمن، بات من قيم شعبنا، والتاريخ شاهد، ولكن أوهام المستعمِرين معروفة في التاريخ، وانفكاك العلاقة بين المقاومة والشعب أحد تلك الأوهام، والثانية: السعي عبر الدم والمجازر والإبادة لابتزاز المقاومة، وما يسمى )بممارسة الضغط(، وفق الصيغة التي أعلن عنها العجوز الفاشي بايدن: وقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراح الرهائن، اي الأسرى بلغتنا. لاحظوا معي: بالنسبة للأمريكان، ومعهم جوقة العبيد الأوروبيين الرسميين في فرنسا والمانيا وبريطانيا وايطاليا وكندا، اي كل جوقة الدم، فإن قتل أكثر من 6000 ومنهم أكثر من 2000 طفل وتدمير ما ينوف على 15 ألف منزل حتى اللحظة، وقطع المياه والدواء والغذاء، يمكن وضعه تحت مسمى (ممارسة الضغط)، ذلك المصطلح الملطف. هل هناك أكثر دموية وفاشية من دموية أولئك الامبرياليين وعبيدهم؟

ومع ذلك فكل التقديرات، بالاستناد لتصريحات قوى المقاومة والناطقين باسمها والمحللين، وقبل ذلك المنطق البسيط يقول: لا تفاوض حول إطلاق سراح محتجزين أو صفقة تبادل إلا بوقف العدوان. فاي غبي يعتقد أن المقاومة ستسلم مئات الأسرى لديها بلا شيء مقابل، خاصة أنها أعلنت منذ اليوم الأول على لسان هنية وآخرين أن معركة الطوفان هي من أجل الأسرى والمسرى، وعليه فلن تقدّم المقاومة ما حققته في 7 أوكتوبر للاحتلال على طبق من ذهب، ولن تدير ظهرها لتضحيات شعبنا في القطاع على مدى 19 يوما مقابل لا شيء.

الاسرى والأقصى والحصار ولا أقل، هي ما اعتقدها أهدافاً على المدى المنظور ستسعى المقاومة لتحقيقها، واقول على المدى المنظور لأن تطورات الصراع لتصل حدود الحرب الإقليمية سيضع أمام المقاومة وحلفاؤها أهدافاً إستراتيجية أكثر، وليس من باب مجانبة الصواب القول أن أهمها هو هدفي العودة والتحرير كمعركة استراتيجية. إن معركة طوفان الأقصى وبانجازاتها كما وتضحياتها، وبالأبعاد التي طرحتها على مستوى إقليمي ودولي أعادت العربة للسكة الصحيحة، سكة القضية الوطنية كقضية عودة وتحرير.

وعود على بدء. من نافلة القول اعتبار الدول الإمبريالية الأوروبية وأمريكا شريكاً بالعدوان، ليس فقط من زاوية منح التصريح والدعم والتأييد للإبادة الجماعية، بل وبالدعم العسكري المباشر الذي تجاوز بالنسبة للأمريكيين حدود الدعم اللوجيستي، ليصل حدود التحضير للمشاركة في العدوان، باستحضار الخبراء من شتى الاختصاصات، والقوات والفرق الخاصة في الإنزال وتحرير الرهائن. ومع ذلك ينبغي تذكير الأمريكيين بتفجير مقر المارينز في لبنان، ويا لمحض الصدفة أن كان التفجير في مثل هذه الأيام: 23 أوكتوبر 1983، فالشرق الأوسط ليس نزهة للإمبريالية، وما يجري في العراق منذ أيام من استهداف قواعدهم، عله يوصل لهم رسالة واضحة يصر محور المقاومة على إيصالها بالدم.

أما أن يوغل الامبريالييون في دماء الشعوب فتاريخهم يزكي فاشيتهم وبربريتهم، تاريخ الأمريكيين في كوريا وفيتنام والعراق، تاريخ الفرنسيين في الجزائر والدول الإفريقية، تاريخ البريطانيين في مستعمراتهم في فلسطين والهند وغيرها، تاريخهم كلهم، كرجل أبيض، في أفريقيا والأمريكيتين في إبادة شعوب بأكملها، برسم التجارة والاستغلال والانتاج الرأسمالي.

لا يستغربن أحد إصرار بايدن وبلينكن على رفض وقف إطلاق النار، فبالنسبة لهم نحن الأدغال المحيطة بأوروبا الحديقة، كما قالها صراحة بوريل الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، والذي لم ينفعه توضيحه حينها لتصريحه الذي أُدين عالمياً، فلا باس إذن من اقتلاع الأدغال لينعم سكان الحديقة بالأمان، حتى لو كان هذا الاقتلاع يعني شعب بأكمله. ذلك هو منطق حضارتهم الراسمالية العنصرية بكل وضوح.