Menu

الرفيق عمر مراد عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية في الذكرى 56 لإنطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين:

دور الشتات الفلسطيني في مواجهة المؤامرات التي تستهدف قضيته الوطنية .. والثورة والتحرير طريقاً وحيداً لضمان عودة اللاجئين.

عمر مراد

خاص - بوابة الهدف

 

تجاوز تعداد الشعب الفلسطيني في آخر الإحصائيات الـ 14 مليون فلسطيني، نصفهم يعيش على أرض فلسطين التاريخية، 3.3 مليون في الضفة الغربية و القدس ، 2.3 في قطاع غزة، 1.7 في الجزء المحتل من فلسطين عام 1948. 
وتبلغ نسبة اللاجئين في غزة 65% إلى 70% ، وفي الضفة من 30 إلى 35%، ونسبة المهاجرين من القرى المدمرة في أراضي الـ 48 ولا يستطيعوا العودة إلى قراهم المحاذية لأماكن سكنهم 10% تقريباً وكل ذلك حصل إثر اغتصاب فلسطين وحرب الإبادة والتطهير العرقي ومئات الجرائم والمجازر التي ارتكبتها العصابات العنصرية الصهيونية بحق شعبنا الفلسطيني ، والتي نتج عنها أيضاً تهجير رهيب ودامي وممنهج لمئات الآلاف من الفلسطينيين، أي ما يزيد عن 800 ألف فلسطيني إلى البلدان العربية المجاورة. جاء بعد ذلك عدوان وهزيمة حزيران 1967، لتستكمل عملية التهجير هذه لتشمل أيضاً مئات الألاف من الفلسطينيين والسوريين من الضفة الغربية والجولان  إلى الأردن وسورية. 
واليوم يتجاوز عدد الفلسطينيين خارج فلسطين التاريخية الـ7 مليون وأكثر من نصفهم يعيشون في بلدان الطوق، وخاصةً في الأردن وسورية ولبنان، عدا عن عشرات الآلاف المقيمين في مصر وبلدان المغرب العربي، ومئات آلاف الفلسطينيين المقيمين في السعودية والعراق ودول الخليج وتركيا وفي أوروبا والأمريكيتين . 
واجه الفلسطينيون في الشتات وخاصة في المخيمات الفلسطينية وأماكن اللجوء الأخرى كل أشكال التحديات والمعاناة ومرارة النكبة والتهجير القسري على كل المستويات الحياتية والمعيشية كالسكن والمأوى والغذاء والعمل والصحة والتعليم، والكثير من مظاهر التنمر والابتزاز والاستغلال. رغم كل المساعدات والهبات والتبرعات التي يقدمها المجتمع الدولي عبر هيئة الأمم المتحدة ووكالة "الأونروا" أو من الدول العربية والكثير من دول العالم لم تكن لتسد الحاجات الأساسية للاجئين، ولم ترقى لمستوى التخفيف من أوجاعهم وحالة البؤس والخذلان والإحباط التي حلّت بهم.  
أدرك الفلسطينيون من الأيام الأولى حجم المؤامرة التي تعرضوا لها وكذلك خطأهم التاريخي بترك بيوتهم وأراضيهم مرغمين خوفاً على الأرواح والأعراض ،إلا أن القيادات الفلسطينية في تلك المرحلة لم تتنبه ولم تنبه لمخاطر خطة التهجير الصهيونية ولأضرار هذا الموقف العفوي لعامة الناس . بدأت تعبيرات الغضب ورفض للاجئين لنتائج الجريمة الكبرى ومؤامرة النكبة وما حل بهم خارج وطنهم،  وبات لسان حالهم يبوح بعبارات؛ الموت ولا المذلة، والأرض هي العرض، والوطن هو الكرامة والتحرير طريق العودة .
بقدر ما أصاب شعبنا من قتل وتهجير ومعاناة ، أصابه الخذلان من الأنظمة والجيوش العربية التي حشدت قواتها وسرعان ما انسحبت تجر العار والهزيمة رغم كل وعودها بإعادة اللاجئين إلى ديارهم بأسرع وقت ممكن. 
في ظل هذه الظروف السياسية والحياتية وكل أشكال المعاناة بدأ يتنامى الشعور الوطني وقيم الإرتباط بالأرض والوطن  وضرورة الثورة والتحرير  طريقاً وحيداً لضمان عودة اللاجئين.
 بدأت الطلائع الوطنية والثورية تتحرك وتعمل على تعبئة وتنظيم وتأطير الجماهير الفلسطينية تحضيراً للثورة ومعارك التحرير باعتبار ذلك هو الرد على اغتصاب فلسطين، والنكبة، والتهجير والرد أيضاً على مؤامرة التوطين وطمس الهوية الفلسطينية، تأسست حركة القوميين العرب وحركة فتح وكتائب الفدا وأبطال العودة وشباب الثائر وجبهة تحرير فلسطين وقوات التحرير الشعبية وثم منظمة التحرير الفلسطينية وجيش التحرير الفلسطيني، ورافق كل ذلك العديد من الأطر النقابية الطلابية والعمالية والنسوية وكذلك الكتّاب والأدباء والمحامين والمعلمين والأطباء والمهندسين في أكثر من بلد ومدينة إلى أن اعتمدت منظمة التحرير الفلسطينية تاريخ 1/1/1965 رسمياً بداية إنطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة. 
سبق ذلك إعلان المنظمة عن الميثاق القومي الفلسطيني عام 1964، والذي تعدل لاحقاً عام 1968 وبات اسمه كما هو معروف اليوم بالميثاق الوطني الفلسطيني وفيه خلاصة الرواية والسردية الفلسطينية ومبادئ ومنطلقات الكفاح الوطني والثوري الفلسطيني. 
بات الشعب الفلسطيني والهوية الفلسطينية حقيقة موجودة معمّدة بالدماء والتضحيات عصيّة عن الشطب والإلغاء والطمس أو الإلحاق، وباتت منظمة التحرير الفلسطينية بميثاقها الوطني وبرنامج الإجماع الوطني هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني بإعتراف كل دول العالم، ويكاد يكون ذلك هو الإنجاز السياسي الأبرز لكفاح الشعب الفلسطيني. 
واليوم أصبح استرداد المنظمة واستعادتها لمكانتها ودورها الكفاحي بشراكة الكل الوطني الفلسطيني هدفاً تفرضه حجم التحديات والأخطار لمواجهة ما يتعرض له شعبنا من مؤامرات لتصفية قضيته الوطنية والتي لن يكون آخرها ما نتعرض له اليوم في غزة من حرب إبادة وتطهير عرقي، وأخطار التهجير من غزة إلى مصر ، ومن الضفة  إلى الأردن ، عدا عن عمليات التهويد والاقتلاع في القدس وحتى في أراضي الـ 48 . إن تواطؤ النظام الرسمي العربي، وبؤس السياسية الرسمية الفلسطينية، لن تستطيع تغيير حقائق الصراع مع العدو الصهيوني وطبيعتها الموضوعية، خاصة في ظل أعتى الحكومات الصهيونية الفاشية والمتطرفة، وانكشاف مخططاتها لإبادة واقتلاع الشعب الفلسطيني .
نشهد اليوم بأن الصراع  والتناقض مع الكيان العنصري الفاشي وصل إلى ذروته ، فمن الغباء أو الشبهة أن يعتقد البعض بإمكانية التسوية أو التعايش معه. 
فالصراع طبيعته تناحرية ووجودية، وواهم من يعتقد أن هناك حلول وسط أو أي شكل من أشكال التسوية معه. 

إن الصراع مع العدو الصهيوني هو صراع وطني وتحرري بامتياز، والشعب الفلسطيني واحد وموحد في رؤيته لحقيقة الصراع وطبيعته وجوهره مهما كان الفلسطينيون موزعين ومشتتين ، فالأهداف الوطنية واحدة وربما تتبدل وتتغير أشكال النضال حسب الظروف المحيطة سواء كانوا في المخيمات أو في الدول المستضيفة لهم إن كانت عربية أو أجنبية، والصراع مع العدو الصهيوني هو صراع تاريخي وشامل ومفتوح. 
إن تمكين الفلسطينيين أينما تواجدوا وخاصة في الخارج من كامل حقوقهم المدنية والإنسانية، يمكنهم من توجيه جل طاقاتهم باتجاه حماية المشروع الوطني الفلسطيني، وإن أي إنتقاص لهذه الحقوق لا يمكن فهمه إلا شكلاً من أشكال التمييز والإقصاء والحرمان من الحياة الكريمة الطبيعية وبالتالي التضييق والحد من نشاطهم الاجتماعي والوطني. 
إن الحفاظ على الهوية الوطنية يعزز الانتماء إلى القضية وللمشروع الوطني الفلسطيني ويؤسس لوحدة وطنية متجذرة أساسها ما ورد في الميثاق الوطني الفلسطيني وما أكدته حقائق التاريخ والجغرافيا وما جاءت به الرواية الفلسطينية وما تناقلته الأجيال منذ آلاف السنين من الموروث الحضاري والثقافي والاجتماعي. 
يمتلك الشعب الفلسطيني كل الحق بالنضال والكفاح بكل الأشكال المتاحة وعلى كل المستويات الحضارية والاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية والإعلامية ، ولما كانت طبيعة الصراع مع العدو تناحرية فمن حق الشعب الفلسطيني أن يقاوم ويقاتل هذا الاحتلال أينما كان ذلك ممكناً وخاصة على أرض فلسطين أو عبر الحدود العربية المتاخمة لها . 

فالهدف أولاً وأخيراً هو تحرير فلسطين وعودة اللاجئين إلى وطنهم وديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها. 
إن تنظيم وتأطير الفلسطينيين بالرغم من التنوع السياسي للأحزاب والتنظيمات والفصائل الفلسطينية هي مهمة وطنية لحشد كل الطاقات والإمكانيات لتحقيق الأهداف الوطنية، إن صيغ وأشكال التأطير عديدة ومتنوعة فهي ليست حزبية أو فصائلية  فقط، فهناك التأطير النقابي والجالوي والهيئات والجمعيات والمؤسسات الوطنية الاجتماعية والثقافية والحقوقية وغير ذلك، وهذا كله يصب في خدمة النضال والكفاح الوطني الفلسطيني. 
إن كشف حقيقة الصهيونية باعتبارها حركة رجعية وعنصرية للرأي العام العالمي ومحاربتها وعزلها عبر تحالفات وعلاقات ومنابر عربية وأممية هي مهمة ثورية من الدرجة الأولى، ولما كان الكيان الصهيوني قائماً بالأساس لتأدية الدور الوظيفي الاستعماري وقاعدة عسكرية استراتيجية لخدمة مصالح ومشاريع الهيمنة الإمبريالية وسيطرتها على مقدرات وثروات منطقتنا ، يصبح التعاون والتحالف مع كل القوى الوطنية المناهضة للإمبريالية أمراً ضرورياً وموجباً وهذا ما نراه متجسداً بآليات عمل مادية على الأرض وفي الميدان في معظم بلاد ودول العالم من خلال حركات الـ BDS وحملات المقاطعة الشاملة للكيان الصهيوني وداعميه وما تحققه من نجاحات وانتشار في البلدان العربية والأجنبية وكذلك ما شكلته منظمات وجبهات مقاومة التطبيع معه ، لقد شكل ذلك سلاحاً فعالاً على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية وغير ذلك. 
سجّل الفلسطينيون عموماً والمخيمات بشكل خاص الحاضنة الشعبية العميقة للثورة الفلسطينية المعاصرة منذ انطلاقتها وحتى يومنا هذا، وقدّموا التضحيات الجسام، ولا زالوا مستعدين لتقديم المزيد والمزيد وفقاً لمقتضيات الكفاح المتواصل للشعب الفلسطيني وبحسب ظروف كل ساحة وكل بلد. 
رغم انتقال مركز الثقل للثورة الفلسطينية إلى الداخل المحتل وخاصة الضفة والقدس وغزة، وانحسار الثورة العلنية المسلحة في الخارج، إلا أن الدور الملقى على عاتق الفلسطينيين في الخارج يبقى رئيسياً أيضاً ويأخذ أشكالاً أخرى من النضال إلى أن تتوفر التغيرات الضرورية في المنطقة العربية التي تتيح للجماهير الفلسطينية والعربية ممارسة حقهم في قتال العدو الصهيوني. 
إن معادلة الخارج أساس في مرحلة معينة ثم الداخل هو الأساس في مرحلة أخرى تفرض علينا اعتبار الشعب الفلسطيني هو الأساس في كل المراحل ، ويجب الحشد والتوظيف لكل طاقاته وقدراته في معركة التحرير والمصير، دون الاستخفاف أو التهميش لأي تجمع فلسطيني يتواجد في أي من دول العالم. 
إن المشاركة الحقيقية للشعب الفلسطيني في رسم وتحديد مستقبله وصولاً  لتحقيق أهدافه الوطنية، لا تتوقف عند ما تقرره النخب السياسية وما تفرضه المحاصصة الحزبية أو الفصائلية على أهمية دورهم الوطني والكفاحي، بل في تمكين الشعب من اختيار ممثليه للمؤسسات المختلفة الشعبية والمحلية والسياسية وكذلك المستويات القيادية الفلسطينية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية رغم كل المصائب والوهن والضعف التي حل بها وفي كل مؤسساتها  نتيجة التفرد والهيمنة وتغليب الخيارات السياسية والمصالح الفئوية على المصالح الوطنية العليا ، وكذلك سياسة الإقصاء وتغييب دور الشعب وأطره الشعبية الفاعلة وأحزابه وفصائله وقواه الوطنية المختلفة .
إن مشاركة أبناء شعبنا في الداخل كل الداخل وفي الخارج يجب أن تكون مشاركة حقيقية وفاعلة، ونحرص على تطويرها باستمرار وصولاً للارتقاء إلى مستوى التحدي وحجم التضحيات وهذا هو الشرط الضروري للانتصار الكبير وتحقيق أهداف شعبنا في التحرير والعودة .