Menu

مركز عروبة ينشر ورقة بعنوان: المرحلة الثالثة للحرب على قطاع غزة قراءةٌ في الدوافع والمضامين

غزة_بوابة الهدف

نشر مركز عروبة لأبحاث والتفكير الاستراتيجي اليوم الأربعاء، ورقة بعنوان: المرحلة الثالثة للحرب على قطاع غزة قراءةٌ في الدوافع والمضامين المرحلة الثالثة للحرب على قطاع غزة.

وفيما يلي نص الورقة كاملة:

المرحلة الثالثة للحرب على قطاع غزة

قراءةٌ في الدوافع والمضامين

يكثر الحديث في الإعلام العبري عن المرحلة الثالثة للحرب والانتقال إليها، فيما تضمنت عدة تصريحات لمسؤولين وناطقين في دولة الاحتلال الإشارة إلى الانتقال إلى هذه المرحلة، دون تفاصيل واضحة عن طبيعتها وشكل الانتقال إليها، وما الذي يحمله هذا الانتقال من دلالات ومضامين، إضافةً إلى المماطلة في الإعلان الرسمي عن الانتقال إليها وسط حسابات متعددة داخليًّا وخارجيًّا إضافةً إلى معطيات الميدان.

وفقًا لمصادر إعلامية عبرية متعددة، تشمل التفاصيلُ المتقاطِعةُ حول شكل وطبيعة المرحلة الثالثة من الحرب ما يلي:

إنهاء المناورات البرية الواسعة.

إقامة منطقة عازلة على الشريط الحدودي بين الأراضي المحتلة وقطاع غزة.

تخفيض عدد القوات العاملة داخل أراضي القطاع.

تسريح جزء كبير من قوات الاحتياط.

تركيز الهجمات البرية والقتال المستهدف.

تركيز الغارات الجوية.

وحسب "يديعوت أحرونوت"، فإنه وفقًا للخطة المقدَّمة إلى الحكومة، في المرحلة الثالثة من الحرب، سينسحب جيش الاحتلال من مناطق هجومية معينة، بينما ستستمر في الوقت نفسه الغارات البرية على أهداف داخل قطاع غزة، بالإضافة إلى الغارات الجوية. ومن المتوقَّع أن ينتقل الجيش إلى المرحلة الثالثة من الحرب في شمال قطاع غزة، بينما سيستمر النشاط الهجومي المكثف في خان يونس حتى تحقيق جميع الأهداف. وفي المرحلة الثالثة، ينبغي أن يكون هناك بالفعل شريط أمني أو منطقة عازلة مبنية على طول الحدود بين الأراضي المحتلة وغزة، بطول أكثر من كيلومتر واحد ويجري العمل بالفعل على تسوية المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، سيتأكد الجيش من ألَّا يدخل أي شخص إلى المنطقة "منزوعة السلاح" بأية وسيلة. من المتوقَّع أن يتموضع جيش الاحتلال في المرحلة الثالثة داخل قطاع غزة في نقاط مثل ممر وادي غزة، لمنع "العودة غير الخاضعة للرقابة" للسكان إلى شمال قطاع غزة، ومع ذلك، من المتوقع أن يُسمَح لبعض السكان بالعودة، بشروط معيَّنة وإلى حدود محدَّدة.

تنفيذٌ تدريجيٌّ وخطواتٌ ميدانية

وفقًا لصحيفة "هآرتس" العبرية، أصبح جيش الاحتلال بالفعل في خضم الانتشار "للمرحلة الثالثة"، على عكس ما يعلنه صناع القرار، مؤكدة أن مراكز القيادة المختلفة تستعد "لتغيير كبير" في خلال كانون الثاني/يناير.

فيما شكَّلَ قرار سحب كتائب من لواء "غولاني" بعد سبعين يومًا من القتال تكبَّدَ فيها "خسائر كبيرة" المدخلَ الأبرزَ للتساؤلات حول الانخراط التدريجي في المرحلة الثالثة من الحرب، إذ إنه وعلى الرغم من حديث مصادر عبرية حول أن جنود اللواء غادروا غزة "لإعادة تنظيم صفوفهم والتقاط أنفاسهم، وزيارة أهاليهم لبضعة أيام"، مثَّلَت عملياتُ إعادة التموضع الواسعة في مناطق شمال قطاع غزة دلالاتٍ متعددةً حول تغيير نمط العمليات العسكرية في القطاع. فيما تلا قرارَ سحبِ لواء "غولاني" من غزة إخراجُ قوات المظليين والمدرعات أيضًا من القطاع.

تبع هذه الخطوات إعلانُ جيش الاحتلال أنه شرع في سحب خمسة ألوية من قطاع غزة، ونَقلَ موقعُ "تايمز أوف إسرائيل" عن مصادر في الجيش قولها إن "الخطوة تأتي مع توسُّع دائرة سيطرة القوات على الأرض".

فيما أكد المتحدث بِاسم جيش الاحتلال، "دانييل هاغاري"، أن الجيش "يجري تعديلات على انتشاره في غزة، تحسبًا لحرب طويلة مقبلة"، مضيفًا أن ما يجري يمثِّل "تعديلَ أساليب القتال لكل منطقة في غزة، والقوات اللازمة لتنفيذ المهمة بأفضل طريقة ممكنة" وأن "لكل منطقة خصائص مختلفة واحتياجات تشغيلية مختلفة".

وقال "هاغاري" إن الجيش سينفِّذ إدارةً "ذكيةً" للقوات في غزة، موضحًا أن اثنين من الألوية التي ستُسحَب يتألفان من جنود احتياط، ووَصفَ الخطوةَ بأنها تهدف إلى "إعادة تنشيط الاقتصاد الإسرائيلي"، مؤكدًا أن "بعض تلك القوات ستكون مستعدة للخدمة على الحدود الشمالية" مع لبنان، التي تشهد تصعيدًا متواصلًا في القتال مع "حزب الله" اللبناني.

وميدانيًّا شهدت العديد من مناطق شمال قطاع غزة انسحاباتٍ واسعةً لآليات جيش الاحتلال على الأرض، إذ انسحبت الآليات من غالبية أحياء محافظة غزة الغربية ونفَّذت انسحاباتٍ جزئيةً من الأحياء الشرقية بالمحافظة، فيما انسحبت من غالبية محاور القتال في شمال قطاع غزة، بما يشمل مشارف مخيم جباليا وأجزاء كبيرة من مناطق بيت حانون وبيت لاهيا، وشهدت هذه المناطق خفضًا واضحًا للعمليات القتالية البرية، مع الإبقاء على نقاط تمركُز محدَّدة على الأطراف.

ضبابيةٌ في الإعلان لحساباتٍ سياسية

تحدَّثَ رئيس أركان جيش الاحتلال عن الانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب بعد أيام من انتهاء التهدئة المؤقَّتة، إذ أعلن في الخامس من كانون الأول/ديسمبر الماضي أن جيشه قد أطبَقَ الحصارَ على مدينة خان يونس، وأنه "انتقل إلى المرحلة الثالثة من العملية البرية في قطاع غزة"، لكن -على الرغم من هذا الإعلان- لم يشهد الميدان تغييراتٍ واضحةً سوى بعد أسابيع من هذا التصريح، بينما فوَّضَ الكابينيتُ الموسَّعُ الكابينيتَ الحربيَّ بالانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب في ضوءِ ضغطٍ من عضوَي الكابينيت الحربي "غانتس" و"أيزنكوت" في اتجاه الإسراع في الذهاب نحو المرحلة الثالثة لأن المرحلة الثانية (الهجمات الكبيرة) استنفدت ذاتها.

وعلى الرغم من الخطوات الميدانية التي اتخذها جيش الاحتلال التي تشي بالانتقال التدريجي إلى المرحلة الثالثة من الحرب، لم يُعلَن بوضوحٍ عن هذه الخطوة، ويعود ذلك في الغالب إلى بحث رئيس وزراء الاحتلال، "بنيامين نتنياهو"، عن الاستثمار الأمثَل سياسيًّا لهذا الإعلان، لتقديمه بوصفِه خطوةً كبيرةً في استكمال الحرب والسعي إلى تحقيق أهدافها التي باتت موضع تساؤل لدى العديد من المستويات داخل دولة الاحتلال وخارجها، ما وصفته "هآرتس" بالـجدول الزمني المرن الخاضع لاعتبارات "نتنياهو" السياسية، منوِّهةً بأن الوضع على الأرض في غزة "لا يتقدم بالوتيرة التي نسمعها في الخطاب السياسي".

ضغطٌ أمريكيٌّ وخلافٌ على التوقيت

المسؤولون الأمريكيون متشجعون جدًّا للانتقال إلى هذه المرحلة، ومن الواضح أنهم يمارسون ضغوطًا كبيرةً على مجلس الحرب في دولة الاحتلال للانتقال إليها، إذ شهد كانون الأول/ديسمبر حراكًا كبيرًا واتصالاتٍ مكثَّفةً من مسؤولين في إدارة "بايدن" مع قادة الاحتلال، إذ أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي، "جيك سوليفان"، في خلال زيارته للأراضي المحتلة أنه "سيكون هناك تحوُّلٌ إلى مرحلة في الحرب تُركِّز على الاستهداف الدقيق لقادة حماس"، مشددًا على "ضرورة تحوُّلِ العمليات لتكون أقلَّ حدة". فيما نقلت مصادر إعلامية أن المحادثة بين وزير الحرب في حكومة الاحتلال "غالانت" ووزير الدفاع الأمريكي "أوستن" تضمنت الحديثَ عن أهمية الانتقال إلى العمليات وفق المحدِّدات التي ترى الإدارةُ الأمريكيةُ أنها ستكون عاملًا في تخفيف الضغط الدولي المنتقِد لجرائمِ الاحتلال المتصاعدة والاستهدافِ الموسَّع للمدنيِّين.

وفي الوقت الذي تدفع الإدارة الأمريكية إلى البدء الواضح والصريح في المرحلة الثالثة من الحرب في الأيام الأولى من كانون الثاني/يناير، يحاول قادة الاحتلال شراء المزيد من الوقت عبر تجزيء عملية الانتقال وتدريجِها للتمكن من حسم المعارك العالقة خصوصًا في جنوب قطاع غزة، حيث تواجَه عمليات التعمق لجيش الاحتلال بمقاومة شرسة لا تَسمَح بتحقيق نتائج سريعة على الأرض، خصوصًا في مدينة خان يونس ثاني أكبر مدن القطاع، والمركز الذي يَعدُّه جيش الاحتلال من أهم مراكز القيادة والارتكاز للمقاومة.

دوافع الانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب

يَحمل الانتقالُ إلى المرحلة الثالثة من الحرب عدةَ دوافع تحفِّز قيادةَ الاحتلالِ للبدء في هذه المرحلة، تشمل عدةَ اعتبارات سياسية وميدانية، إضافةً إلى أهدف مرتبطة بمستقبل التفاوض على وقف إطلاق النار والبحث عن مَخارج آمنة تَسمَح بادعاء تحقيق أهداف الحرب، وتتلخص أبرز هذه الدوافع في التالي:

تقليص الاستنزاف للقوات البرية: يُشكِّل انتشارُ جيشِ الاحتلالِ الواسعُ على مساحات مختلفة من أراضي القطاع معضلةً كبيرةً في تأمين هذه القوات، التي لم تتمكن من حسم عمليات القتال مع المقاومة في أية منطقة، حتى المناطق التي تمركَز فيها الجيش منذ الأيام الأولى للمناورات البرية، ما يحوِّل بقاءَ هذه القوات على الأرض إلى عامل استنزافٍ يوميٍّ بفعل ضربات وكمائن المقاومة المستمرة.

تسريح الاحتياط وتخفيف الأعباء الاقتصادية: جنَّدَت حكومةُ الاحتلالِ منذ إعلان الحرب على قطاع غزة نحو ثلاثمِائة ألف جندي من الاحتياط، سُحِبوا من حياتهم ووظائفهم ومقاعد الدراسة للانخراط في الحرب، ما شكَّلَ عبئًا اقتصاديًّا كبيرًا على دولة الاحتلال، إذ إن وزارة المالية مسؤولة عن صرف بدلات يومية لكل جندي، إضافةً إلى التعويضات المستحَقَّة للمنشآت الاقتصادية التي تضررت بفعل سحب جزء أساسي من قوَّتِها العاملة، ما يحوِّل كل يوم من أيام استمرار اشغال الاحتياط بالحرب إلى يوم من أيام النزيف الاقتصادي المستمر بفعل الحرب على القطاع، بالتالي فإن تسريح جزء من الاحتياط سيسهم في تخفيف الأعباء المالية للحرب.

تخفيف الضغط الدولي: ستسمح المرحلة الثالثة من الحرب بتقليص العمليات الكبرى لجيش الاحتلال، بالتالي تقليص معدل الاستهدافات الواسعة والقصف بضراوة لإيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر، بالتالي سينعكس هذا التقليص على تخفيف الضغط الدولي المتصاعد انتقادًا لحجم الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال الذي كان ضحيته السواد الأعظم من المدنيِّين والعُزَّل وشمل استهدافًا للمستشفيات والملاجئ والمدارس ومخيمات النزوح.

الحفاظ على الانسجام مع الإدارة الأمريكية: يُشكِّل الانتقال إلى هذه المرحلة من العمليات العسكرية مطلبًا أمريكيًّا بالدرجة الأولى، إذ تُولي الإدارة الأمريكية أهميةً كبيرةً لتخفيض مستوى ضربات جيش الاحتلال الواسعة والانتقال إلى مرحلة الاستهداف المُركَّز، ارتباطًا بحجم الضغط الداخلي الذي باتت تُشكِّله الحرب "الإسرائيلية" على غزة، وتصاعُد الرأي العام الأمريكي المنتقِد للغطاء الأمريكي والشراكة في هذه الحرب، خصوصًا مع حساسية التوقيت الكبيرة في حسابات إدارة "بايدن" مع بدء الموسم الانتخابي، ما دفع الإدارة الأمريكية إلى الضغط بشكل كبير لتغيير نمط العمليات العدوانية لجيش الاحتلال في القطاع.

التمهيد للترويج الدعائي بتحقيق أهداف الحرب: يبحث مجلس الحرب في دولة الاحتلال عن مادة تسمح بالادعاء بتحقيق أهداف الحرب، خاصةً تفكيك البنية التحتية للمقاومة والقضاء على قدراتها، إذ إن إعلانات الجيش المتكررة بشأن تحقيق السيطرة العلمياتية أو إنهاء المهام في مناطق محدَّدة كانت تُقابَل بضربات متكررة للمقاومة تبدِّد هذه الدعاية، ما يجعل الانسحاب من هذه المناطق يتيح فرصة لادعاء الانتهاء من تفكيك البنى فيها دون تلقي الضربات التي تؤكد عكس مصداقية الإعلان.

تعزيز أوراق التفاوض: يُشكِّل الانتقال لإنشاء المنطقة العازلة، والانسحاب من داخل الأحياء والمدن في شمال قطاع غزة، تمهيدًا لإنجاز بعض تفاصيل التفاوض سواءٌ كان حول هدن مؤقَّتة أو وقف كامل لإطلاق النار، إذ إن الانسحاب مسبقًا من جزء كبير من الأحياء سيسهِّل الاتفاقَ على عودة سكان شمال قطاع غزة إلى مناطقهم دون متاعب عملياتية متمثلة بوجود الجيش والآليات على الأرض في هذه المناطق، فيما تُمثِّل المنطقةُ العازلةُ مادةَ التفاوض الأساسية حول مستقبلها في خلال أي اتفاق لوقف إطلاق النار.

توفير هامش زمني لأقصى استنزاف للمقاومة: يمثِّل الانسحابُ من الأحياء والإبقاء على نقاط تمركُز، خاصةً في الشريط الشرقي للقطاع الذي سيُمثِّل المنطقة العازلة التي يعمل جيش الاحتلال على إنشاءها، سبيلًا للحصول على المزيد من الهامش الزمني لاستمرار الحرب والبحث عن فرص لتحقيق صور إنجاز عبر عمليات مُركَّزة، كما سيسمح بتحقيق أوسَع استنزافٍ لقدرات المقاومة وذخيرتها من خلال إطالة المدة، مع تقليص هامش الإمكانية لاستنزاف المقاومة لآليات وجيش الاحتلال في المنطقة العازلة التي سيعمل على تحييد الخطر الهجومي المحيط بها.

مضامين واستخلاصات الانتقال إلى المرحلة الثالثة

يعكس الانتقالُ إلى المرحلة الثالثة، وسط حالة التردد العلني للمستوى السياسي في دولة الاحتلال في الإعلان عن بدئها، وجودَ خلافات واضحة حول مستقبل الحرب ومدتها الزمنية، ووجودَ حالة من الضبابية حول مدى جدوى العمليات العسكرية التي ينفِّذها الجيش على الأرض وفق استراتيجية القتال الأُولى، إذ لم ينجح في خلال ثلاثة أشهر من تحقيق أي من الأهداف المُعلَنة للحرب، ما فتح التساؤلات بشكل كبير حول الجدوى وحسابات الربح والخسارة، خصوصًا مع النزيف المستمر في الاقتصاد وحالة النقمة المتصاعدة لدى الجمهور، وتصاعد احتجاجات أهالي الأسرى بسبب تقاعس الحكومة في إطلاق سراح أبنائهم، وقتل العديد منهم بنيران جيش الاحتلال.

تصاعَدَ النقاش في الإعلام العبري وتكاثَرَ عدد منتقِدِي طبيعة سَير العمليات في قطاع غزة وطُول مدة القتال دون تحقيق نتائج، فيما تزايَدَت الاستخلاصات حول أن إطالة أمد الحرب مرتبطةٌ بدرجة رئيسية باعتبارات "نتنياهو" السياسية والانتخابية، الذي تتصاعد خلافاته مع مكونات مجلس الحرب، إضافةً إلى تلافيه مناقشة الأسئلة الكبرى، وخاصةً سؤال ما يُعرَف بـ"اليوم التالي" للحرب لتجنُّبِ المواجَهة بين شركاء مجلس الحرب وشركاء الائتلاف الحكومي.

تتكاثر الدلالات حول تنامي الهوة بين رئيس وزراء الاحتلال وقادة الجيش، ما يعكسه سماح الرقابة العسكرية في العديد من المواضع بنشر تسريبات وأخبار حول هذه الخلافات وغيرها في مجلس الحرب، إضافةً إلى نشر أخبار وتسريبات وحتى مقاطع مصوَّرة حول قسوة العلميات العسكرية داخل القطاع والخسائر التي يتكبدها الجيش، بهدف زيادة ضغط الرأي من أجل تقليص أمد الحرب، وتحديد أهداف واضحة يمكن تحقيقها، إذ إن غياب الرؤية السياسية أدخَلَ الجيشَ في دوامة من العمليات الروتينية والاستنزاف دون جدوى منظورة في ضوء شكل وطبيعة القتال الدائر في القطاع.

سيسمح الانتقال إلى المرحلة الثالثة بالنزول التدريجي عن الشجرة، واستمرار البحث عن صورة النصر المنشودة لقادة الاحتلال دُون البقاء عرضةً للضربات اليومية من أزقة قطاع غزة لقوات الاحتلال البرية التي غرقت في وحل قتال عصابات مُعقَّد ومتعدد الطبقات، بالتالي فإن تنفيذ الجيش لخطوات المرحلة الثالثة تدريجيًّا يعكس انعدامَ الرغبة في الارتهان لحسابات "نتنياهو" السياسية ومحاولةً من "غالانت" للحفاظ على تماسك الدعم الأمريكي لاستمرار الحرب على القطاع لمدة أطول لتحقيق أقصى ضغط ممكن على المقاومة.

من جانب المقاومة، فإن الانتقال إلى شكل عمليات مُقلَّص ومُركَّز سيسمح بالتخفيف جزئيًّا من الضغط على المجتمع في قطاع غزة والحاضنة الشعبية، ما يُمثِّل فرصةً لالتقاط الأنفاس وتخفيف الضغط السكاني، خصوصًا إن تضمنت المرحلة السماح الجزئي بعودة جزء من سكان شمال قطاع غزة إلى مناطقهم، فيما ستعمل المقاومة على تحقيق الإدارة الذكية لمواردها لتجنب الانجرار إلى معادلات الاستنزاف في الذخيرة والمقاتلين دُون توجيه ضربات نوعية، مع الأخذ في الحسبان أن الحديث عن "عمليات مُركَّزة" تستهدف المقاومة حصرًا بمعزل عن الإيغال في استهداف الحاضنة الشعبية سيُشكِّل عاملًا إيجابيًّا لصالح المقاومة لا العكس، إذ إن أية مقاومة ترى في القتال بمنطق "عسكري مقابل عسكري" الوضعَ الأمثَل للعمليات، فيما يمثِّل استهداف الحاضنة الشعبية وإحداث أكبر دمار ممكن جزءًا أساسيًّا من عقيدة جيش الاحتلال العسكرية.

كخلاصة.. يُشكِّل الانتقال إلى المرحلة الثالثة بدءَ العدِّ التنازليِّ الفعليَّ لإنهاء الحرب العدوانية على قطاع غزة، فيما ستُشكِّل -"إن انضبط الاحتلال لمبدأ تقليص العمليات الكبرى"- فرصةً للمجتمع في قطاع غزة لالتقاط أنفاسه بعد الدمار الواسع الذي طال كل منشآت القطاع الحيوية، فيما ستكون المقاومة أمام معضلة الاستنزاف وإدارة النيران، خصوصًا أنها لا تعمل في وجود خطوط إمداد مفتوحة، وأنها تعرضت لمجموعة كبيرة من الضربات التي قد تكون مسَّت أصول أو مواقع تخزين، إلَّا أن مهمة تأمين الأسرى والقيادة والمُقدَّرات ستبقى المهمة المُلحَّقة على جدول أعمالها في خلال الفترة المتبقية من عمر الحرب، إضافةً إلى كون مصير المنطقة العازلة سيُشكِّل عنوانًا رئيسيًّا على جدول أعمال مفاوضات وقف إطلاق النار، ما سيدفَع المقاومةَ إلى تحويل هذه المنطقة إلى منطقة استهداف مُركَّز يدفع الاحتلالَ لإعادة حساباته في شأن الإبقاء على قواته داخل هذه المنطقة.

برنامج الإنتاج المعرفي

مركز عروبة للأبحاث والتفكير الاستراتيجي

4-1-2024