Menu

تحليلجريمة انتقاد الصمت

حلمي موسى

خاص - بوابة الهدف

 

 

كتب حلمي موسى*

تزداد الانتقادات الداخلية في الكيان للحرب البشعة على شعبنا سواء بسبب الخسائر التي تمنى بها القوات أو الأعباء الاقتصادية على الدولة. وقليل جداً من ينتقدون الحرب لدواع إنسانية أو أخلاقية أو حتى قانونية. وربما أن الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام المحكمة الدولية فتحت كوة في جدار الصمت الداخلي في إسرائيل إزاء الجانب القانوني ما دفع المستشارة القضائية والنائب العام يوم أمس إلى إصدار بيان يحذر من إطلاق تهديدات أو تصريحات تتعلق باستهداف المدنيين. وتحدث البيان عن أن مثل هذه التصريحات ستلاحق جنائياً لأنها تنتهك القانون الدولي في محاولة للتحذير من جهة واستباق محاكمة متهمين بهذا الشأن.

وكانت الحلبة السياسية الإسرائيلية قد شهدت نوعاً من القمع الداخلي العنيف ضد كل من ينتقد الوحشية التي تعامل بها الاحتلال مع الفلسطينيين في غزة. وبخلاف كل الحروب السابقة أسكتت كل الأصوات المنتقدة في الكنيست والإعلام وعوملت عى أنها حرب وخيانة وهو ما دفع الإعلام حتى إلى تغييب أي حديث عن جرائم حرب مهما كانت. وصارت التهديدات للعرب ولكل صوت منتقد تصل حد التهديد بالقتل وليس فقط المحاكمة والسجن. وانطلقت الشرطة والمحاكم الإسرائيلية في ملاحقة حتى من يعبرون عن أي نوع من التضامن الإنساني مع أهل غزة.

وعموماً قلة نادرة من الإسرائيليين تجرأت عى انتقاد الصمت. بين هذه القلة كان عضو الكنيست عن حداش كسيف الذي ما أن ضم اسمه إلى قائمة المدعين في المحكمة الدولية حتى تم جمع 70 توقيعاً من أعضاء الكنيست لطرده من الكنيست لتجرؤه على الاختلاف مع التيار الفاشي السائد في إسرائيل. وتقريباً كان هناك بجوار هذه القلة كتاب رأي خالفوا، بالوقائع، ما حاولت حكومة نتنياهو والجيش ترسيخه في الأذهان عن هذه الحرب وأخلاقياتها والأهم عن جدوى هذه الحرب. ومؤخراً بادر جنرالات للمشاركة في انتقاد الحرب أو آثارها السياسية وخصوصاً على العلاقات مع أمريكا بعد تصاعد الخلاف حول "اليوم التالي".

في كل حال كان بين المنتقدين للأداء الإسرائيلي في هذه الحرب كبير المعلقين السياسيين في "يديعوت"، ناحوم بارنيع الذي أشار يوم أمس إلى خطورة ما يجري في مقالة له تحت عنوان" ماذا يحصل لنا؟". وكتب أنه في كل مرة أصل فيها لمواساة أصدقاء على فقدان ابن عائلة في الحرب اعانقهم بكل القوة، في محاولة لأن أحمل شيئاً ما من أساهم على كتفي لعله يخفف عنهم. هذه محاولة فاشلة، بالطبع: فالحزن ثابت؛ وهو لا يرحل إلى أي مكان. بعد ذلك أخرج من الشارع وأبحث عن حائط لأضربه. لماذا ينبغي لهذا أن يحصل له، لها، لهم، أسأل الحائط. لماذا ينبغي لهذا أن يحصل على الإطلاق. ولماذا، بعد ثلاثة أشهر من نذر الموت التي تت قطر على الرأس كل يوم، مثل عذابات سيناء، كل ما يعرفون أن يعدوننا به هو المزيد والمزيد من الحرب.

أمس كان يوماً صعباً على الجيش الإسرائيلي في غزة. القلب مع الشهداء وعائلاتهم. الثمن باهظ. السؤال هو إلى أين نحن نسير.

ولاحظ بارنيع أنه في 7 أكتوبر وقعت إسرائيل في حفرة عميقة. لا مقدار للفقدان، للضرر، للثمن الذي جباه ذاك اليوم الواحد إياه وسيجبيه منا، في المدى القصير وفي المدى البعيد. منذ ذاك اليوم ونحن نقف في أسفل الحفرة ونسأل الكثير من الأسئلة: كم وقعنا، لماذا وقعنا؟ أين يوجد العدو الذي أوقعنا وكيف سنبيده، حتى آخر مخربيه. فكل هذه أسئلة هامة، وجيهة، لكنها تدفعنا لأن ندحر جانباً السؤال المهم حقاً: كيف الخروج من الحفرة.

الخروج من الحفرة معناه إعادة المخطوفين، ترميم البلدات التي دمرت والأمن وإحساس الأمن لدى السكان في الجنوب وفي الشمال، تسريح رجال الاحتياط إلى بيوتهم ومحاولة إنهاء الحرب.

ليس تحدياً بسيطاً: فهو يتطلب حيوية، مبادرة، تفكيراً من خارج الصندوق وأساساً الشجاعة، المزايا التي توجد لدى إسرائيليين من كل أطراف الطيف ولا توجد، لأسفي، في الحكومة بتركيبتها الحالية.

دنيس هيلي كان وزير الدفاع في بريطانيا في الستينيات من القرن الماضي. منح العالم نصيحة قصيرة وصائبة لإدارة الأزمات: "عندما تكون في حفرة كف عن الحفر". خسارة أن المؤتمنين على إدارة الحرب في إسرائيل لا يستمعون لدنيس هيلي.

منذ ثلاثة أشهر ونحن نسمع بشائر عن إبادة حماس، هزيمة حماس، تصفية حماس. لشدة الأسف، هذه لا تعكس الواقع. من ناحية عسكرية صرفة توجد إنجازات مبهرة في التنسيق بين الأذرع وفي استخدام القوة، لكن بينها وبين إبادة حماس المسافة واسعة.

لقد خلق نتنياهو توقعات لا سبيل لتحقيقها، وهكذا فرض علينا حرباً لا نهاية لها. وحتى الهدف الأكثر تواضعاً، تفكيك حماس، يتطلب تكييفاً للتوقعات. كل نفق ينكشف ويفجر في قطاع غزة هو بشرى طيبة، لكن تفجير نفق لا يبيد عموم القدرات العسكرية والسلطوية. كان يكفي تطهير غزة وبناتها وقاطع على طول الحدود.

في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، لا تغير الحرب الواقع. فهي تكلف حياة المقاتلين، تزيد خطر الكارثة الإنسانية التي ستكون إسرائيل مسؤولة عنها، تضر إسرائيل في العالم ولا تقربنا من النصر الذي ليس موجوداً. حتى لو صفي السنوار أو ضيف أو كلاهما معاً، فإن نتائج الحرب لن تتغير. فيوجد بدائل لهما.

 

إن تداعيات ضربة 7 أكتوبر، تتطلب تفكيراً متجدداً ليس فقط بالنسبة لحماس، لحزب الله وللسلطة الفلسطينية. تتطلب تفكراً متجدداً أيضاً بالنسبة لإيران. هناك، في إيران، يبدأ الإخفاق العظيم. من شريك في صفقات سرية، حتى في عصر آيات الله، تحولت إيران إلى عدو عديد الأذرع وإلى تهديد وجودي. تعرف إسرائيل كيف تلذع الإيرانيين في عمليات سرية. هذه العمليات لا تبطيء تقدم إيران إلى القنبلة ولا تمنعها من إن تضربنا بواسطة وكلائها من البحر الأحمر حتى المطلة. لعله حان الوقت للإعتراف بالفشل وتجربة سياسة أخرى.

 وخلص بارنيع إلى أن الصفقة التي يمكن لحماس أن تقترحها صعبة جداً على الهضم. ليس الجميع مقابل الجميع، كما عدلني مطلع ما، بل الجميع مقابل حماس. بكلمات أخرى، الشرط الذي يطرحه السنوار لتحرير المخطوفين ليس فقط الوقف التام للحرب وتحرير آلاف "المخربين" من السجن بل وأيضاً استمرار حكمه في قطاع غزة. من ناحية إسرائيل هذه هزيمة لا يوجد ما هو أكثر إهانة منها، هزيمة مطلقة. فقط زعيم إرهاب واثق جداً بقوته أو، كبديل، مجنون تماماً، يمكنه أن يطرح مثل هذا الشرط.

وانهى بارنيع مقالته بالقول أن هذا رهيب؟ نعم، هذا رهيب. هل صحيح قبول هذا؟ يحتمل أن نعم، لأن للفشل يوجد ثمن؛ لأن موت "المخطوفين" في أسر حماس سيكون وصمة لا تمحى على ضمير المجتمع الإسرائيلي، على وحدة صفوفه؛ لأننا لسنا جاهزين في هذه اللحظة لفتح جبهة في الشمال؛ لأننا متعلقون بأميركا. الحساب مع حماس سيضطر لأن يتأجل في اللحظة التي يخرق فيها السنوار الاتفاق الذي سيتحقق. هذه المرة، ينبغي الأمل، سيكون الجيش الإسرائيلي مستعداً.

 

*كاتب صحفي من غزة