Menu

الفقاعة الصهيونية على طريق الإنفجار والاضمحلال، فهل يستفيق الشعب اليهودي ويستدرك مصيره؟

ناجي صفا

خاص - بوابة الهدف

 

 

كتب ناجي صفا*

أمر هام أن نبلغ مرحلة جر الكيان إلى محكمة العدل الدولية، هي المرة الأولى التي يتعرض فيها لمحاكمة دولية منذ قيامه عام ١٩٤٨.

يمكن وصف ذلك أنه النصر الأول المعنوي والسياسي والحقوقي  للشعوب المضطهدة والمعتدى عليها، وليس للشعب الفلسطيني فحسب،  بصرف النظر عن شكل وماهية القرار الذي ستصدره المحكمة .

ما جرى يعتبر تحد كبير للهيمنة الغربية على المؤسسات الدولية منذ نشأت وتمت فيركتها ما بعد انتصار الغرب في الحرب العالمية الثانية، وقد صممت هذه المؤسسات الدولية لخدمة الأهداف الاستراتيجية في السيطرة على العالم .

الاشتباك عبر محكمة العدل الدولية مع المنظومة الغربية هو تعبير عن ارتقاء مستوى الاشتباك بين الشمال والجنوب، وقد أُخضع الجنوب على مدى قرن من الزمن للهيمنة الاستعمارية الغربية والاستيلاء على ثرواته وقراره السياسي ومستقبله السياسي .

إنها بداية السقوط التدريجي لمنظومات الغرب وقيمه الاستعمارية، الأهم أن هذا السقوط إنما يأتي بموجب القوانين ذاتها التي وضعها الغرب نفسه وكرسها في أدبياته، لحمايته من جهة،  ولقمع الآخرين من جهة أخرى  .

برعت جنوب أفريقيا براعة منقطعة النظير في أداء هذه المهمة، وبدت الزعيمة الحقة للإنسانية، فهي لم تكن تدافع عن فلسطين والشعب الفلسطيني فحسب، وإنما عن عموم شعوب العالم وحقها في الحماية والعيش الكريم والسيادة على أوطانها، وبدت أنها المدافعة الأولى في العالم عن الإنسانية، لا بل زعيمة الإنسانية وإحقاق القانون الدولي العادل الذي يحمي الشعوب والأمم، وهو القانون الذي داسه الغرب على مدى قرن من الزمن ومارسه بازدواجية معايير بغيضة .

ربما لم نبلغ بعد ساعة الصفر لتحرير العالم من تلك المعايير والمفاهيم والقيم التي صنعها الغرب وأنتجت كياناً فاشياً عنصرياً ونازياً، فكان أكثر نازية وفاشية من النازية الأصلية التي مارسها هتلر، هذا الكيان قام بالقتل والتهجير والإبادة بدم بارد غير عابىء بكل القوانين، لأنه كان يشعر دائماً أنه فوق القانون، وأنه محمي من أية مساءلة أو محاسبة ولا يخضع للعقاب، لذا رأيناه وقد جن جنونه عندما تم جره وللمرة الأولى في تاريخه إلى المحكمة الدولية، سيما أنها أعلى سلطة قضائية في العالم .

 خرج قادة الكيان ونخبه عن طورهم، وصفوا المحكمة بأبشع الصفات، واستهزؤوا بالمدعين، ووصفوهم بأنهم مجموعة قردة يريدون محاكمتنا !

كان العالم الغربي الاستعماري يهب لنجدة هذا الكيان كل ما تعرض لأي اهزاز،  يدعمه ويغطي مجازره وعدوانه باعتباره الوليد اللقيط المكلف بالقيام بمهمة تكريس وجود الاستعمار الغربي في المنطقة والهيمنة على ثرواتها وقرارها وإرادتها .

لقد سقط الغرب الرسمي سقوطاً مريعاً، مع ملاحظة تميز للغرب الشعبي، هذا السقوط الأخلاقي أولاً، وما سيليه من تداعيات، سيجعل موازين القوى التي أرساها الغرب مقلوبة وسينقلب السحر على الساحر. فلطالما سخر الكثيرون من مصطلح "صراع وجودي بيننا وبين العدو"، لكن التطورات التي تشهدها المنطقة والعالم تؤكد صحة هذا المصطلح، فإما نحن وإما هم، والتاريخ يعلن دائماً أنه لا فناء لثائر مهما تكالبت عليه القوى الظلامية .

الفقاعة الصهيونية التي صنعت وزرعت في المنطقة بهدف خدمة مشاريع الغرب الاستعمارية بدأت بالتلاشي وهي على طريق الاضمحلال، يؤكد ذلك المقولة التاريخية "وما النصر إلا صبر ساعة"  فانتظروه،  فهل سيستفيق الشعب اليهودي ويهتدي إلى الحقيقة الواقعية الساطعة؟

 

سيناريو متخيل:

مع تراكم افتضاح جرائم هذا الكيان، وبلوغ جرائمه مستوى غير مسبوق في تاريخ البشرية، من قتل وتهجير ومجازر واستيلاء على أرض الغير بالقوة، وبعد أن بدأ العالم بالتحول نحو فهم حقيقي للقضية الفلسطينية، وبعد أن بدأ هذا الشعور يتسرب إلى ضمير عموم شعوب العالم، وبلغ بعض اليهود في فلسطين المحتلة، حيث بدأت بعض النخب وبعض العامة يدركون هذه الحقائق، ويطرحون الأسئلة الصعبة والموضوعية، وقد ظهرت إسرائيل أمام العالم أجمع كمجرم حرب، ما أدى إلى انقلاب الرأي العام العالمي ضدها .

ربما يبادر الشعب اليهودي الذي بدأ يدرك هذه الحقائق إلى استنقاذ نفسه،  فمع افتضاح هذه الحقائق، والتعامل معها بموضوعية، والإدراك أن نظام الفصل العنصري والأبارتهايد الذي بناه الفكر الصهيوني قد فشل، وباتت الحقائق المرة منتصبة أمام عينيه، بالإعلان عن فشل التجربة القمعية التي صنعتها الأيديولوجيا الصهيونية العنصرية، وأن الشعب الفلسطيني لن يتنازل عن أرضه ووطنه رغم كل التضحيات بالغاً ما بلغت تلك التضحيات، ما يضع الشعب اليهودي في فلسطين أمام أحد احتمالين، إما القتل وإما الهجرة، وإما الإقرار بالحقائق والذهاب إلى تسوية العيش المشترك في دولة فلسطينية ديمقراطية مع الشعب الفلسطيني وبقيادته كما حصل في جنوب أفريقيا، بإنهاء نظام الفصل العنصري وتولى الأفارقة السود السلطة وبناء دولة ديمقراطية حديثة .

على الشعب اليهودي في فلسطين أن يحدد خياراته، فالإبقاء على حالة الصراع لن تحل مشكلته وأمنه واستقراره، وسيبقى في صراع دموي مع الفلسطينيين دون أفق لبقائه، فمن يريد البقاء في فلسطين والعيش المشترك مع الفلسطينيين يمكنه الإعلان والمجاهرة بذلك، وإما الرحيل لمن لا يقبل بهذه التسوية الحل .

على اليهود المستنيرين وبخاصة أولئك الذين اختبروا العلاقة مع الفلسطينيين ولا سيما أولئك الذي عايشوا تجربة الأسر مع المقاومة في غزة، والمعاملة الحضارية التي جرت في التعامل معهم، وتبين أنهم اكثر إنسانية ورحمة من دولتهم التي مارست القمع والقتل لهم كما مارسته مع الشعب الفلسطيني .

الإعلان عن الرغبة في العيش المشترك مع الفلسطينيين أصحاب الحق الأساسي في الأرض والوطن هو المخرج الوحيد لبقاء من يرغب البقاء في فلسطين كدولة ديمقراطية مستقلة وذات سيادة لشعبها على أرضها، ومن يرفض هذه التسوية عليه المغادرة والبحث عن وطن آخر يعيش فيه .

*كاتب سياسي لبناني