Menu

هل يسير الليكود الحاكم نحو الاندثار؟

أمير مخول

مركز تقدم للسياسات

 

 

 كتب أمير مخول*

 

على خلفية حالة المراوحة في المكان وتعثر الحرب على غزة، وتواصل الجمود في مسألة الرهائن المحتجزين في القطاع والوضع على الحدود الشمالية التي انقلبت إلى حرب استنزاف متواصلة، فقد بلغ حزب الليكود أدنى وضعية له وفقا لآخر الاستطلاعات التي قامت بها صحيفة معاريف ونشرتها يوم 12/1/24 ، وهو منحى يهدد وجوده كحزب حاكم وقد يدفع به نحو الاندثار.

هذه الحالة حدثت تاريخياً مع حزب العمل وهو الحزب الذي قاد تأسيس إسرائيل وتصدّر المشهد بشكل شبه مطلق لغاية سبعينات القرن الماضي وبدأ انهياره السريع بعد حرب أكتوبر 1973 ليقوم حزب الليكود بالانتصار عليه في انتخابات عام 1977، ومنذ ذلك الحين لم يعد للحكم إلا لبضع سنوات، بينما هو اليوم حزب هامشي قد ينتهي وجوده السياسي. مثل هذه الحالة شهدها حزبان مؤسسان في حياة إسرائيل وهما حزب العمال الموحد (مبام) وفي المقابل حزب المفدال (الحزب الديني القومي)

يعاني الليكود الحاكم من أزمة قيادية ومن تحدي التيار الصهيو- ديني الصاعد وتحوّل الليكود إلى رهينة له، ومن تبعات أزمة الانقلاب القضائي التي عصفت بإسرائيل في العام الماضي 2023 بكل إسقاطاتها، تآكل حالة الردع واللحمة الداخلية والجهوزية، ليأتي السابع من أكتوبر 2023 والذي شكل حسب كل التقديرات الإسرائيلية هزيمة كبرى مرتبطة بالليكود وحصرياً برئيسه نتنياهو، بينما شكلت شعبيته في السابق رافعة لحزب الليكود وبات عبئاً عليه الآن.

السابع من أكتوبر هو حالة انحفرت عميقاً وتعتبر رغم عدم تكامل تداعياتها، عملية كي الوعي الأعمق في تاريخ إسرائيل.

هناك من يتوقع كما الكاتب والصحفي أورن نهاري بأنه قد ينتج عن هزيمة 7 أكتوبر حل سياسي وتبدأ عملية سلام، وهو يعتمد في مقاربته مع حالات صراع دموي أخرى في مواقع مختلفة من العالم حيث سادت فيها القناعات بانسداد الأفق و"لا مخرج" بينما وجدت حلولاً سلمية بعد فترة، ويقدم نموذجاً اتفاقات كامب ديفيد مع مصر بعد أربع سنوات من حرب أكتوبر 1973 والتي اعتبرتها إسرائيل دولةً ورأياً عاماً، خطراً وجودياً واعتبرت مصر هي العدو الأول".

هذا السيناريو وفقا لنهاري ممكن أن يحصل لأنه يدفع نحو إعادة النظر في كل المسلمات السياسية، وقد يتطلب ذلك وقتاً، لكن احتمالية الصحوة كبيرة. ومثل هذه الصحوة لا بد أن تدفع كما حدث لحزب العمل التاريخي عام 1977، إلى اضمحلال الليكود الذي بات بقيادة نتنياهو ونوعية قياداته فاقداً للقدرة على استحداث أي مخرج مهما كانت وجهته. وهذا لا يعني تراجع قوة تيار الصهيونية الدينية بحزبيه وحصرياً القوة اليهودية برئاسة بن غفير، بل قد يتصاعد وزنه وأثره.

تبدو مهمة استبعاد الانتخابات للكنيست صعبة للغاية بعد أن باتت مسألة بقاء كابينيت الحرب بتركيبته القائمة مهددة، وبات هو نفسه كهيئة في مأزق عدم القدرة على اتخاذ القرار وتحقيق أهداف الحرب من خلال الجيش، وعدم القدرة ولا الصلاحية الرسمية للـتأثير على ما يسمى "اليوم التالي" للحرب، وهو ما يجعله غير قادر على التحكم بمجريات الحرب ذاتها. كما بات هامش حزب المعسكر الرسمي برئاسة غانتس للتأثير على مجريات الأمور محدوداً بعد اعتراض الصهيونية الدينية على ذلك، وتصاعد الأصوات في الليكود ضده وبإيعاز من نتنياهو، وباتت الضغوطات الشعبية ومن المعارضة بالانسحاب أيضاً كبيرة ولا يمكن تجاهلها، على الرغم من تدخل بلينكن في زيارته الأخيرة بهذا الصدد والدفع نحو بقاء غانتس وحزبه في حكومة الحرب. يضاف إليه الاستهداف السياسي لحكومة نتنياهو الموسعة لقيادة الجيش. وتبقى احتمالية في انضواء وزير الأمن غالنت في حال انتخابات جديدة تحت حزب المعسكر الرسمي (حزب الجنرالات) واحتمالات فك الشراكة بين الأحزاب الحريدية وحصرياً شاس ويهوديت هتوراه وبين الليكود ولكون هذه الأحزاب في حالة تنافس شديد مع تيار الصهيونية الدينية. كل ذلك في حال بقيت الخارطة الحزبية محصورة بالأحزاب القائمة حالياً. في حين قد تشهد الساحة السياسية اصطفافات جديدة تغير من معالمها بشكل جوهري.

وفقاً لاستطلاع معاريف فإن 9% يعتقدون بأن إسرائيل منتصرة وبشكل ساحق ومؤكد، مقابل 53% يؤكدون بأنها لم تنتصر بعد لكنها تسير بالطريق لتحقيق الانتصار، مقابل 22% يؤكدون بأن دولتهم مخفقة وخاسرة و8% يرون أنها مهزومة تماماً.

في الشأن الحزبي فيما لو جرت انتخابات حالياً فإن الليكود يحصل على 16 مقعداً من أصل 120 نحو نصف تمثيله في الكنيست الحالي، مقابل 39 للمعسكر الرسمي وتتمتع كتلة أحزاب المعارضة الحالية بأغلبية كبيرة ومنها عشرة مقاعد ليسرائيل بيتينو برئاسة ليبرمان وبإنجاز كبير لحزبه الذي كاد يفقد حضوره السياسي قبل عامين.

يوحي استطلاع معاريف بشأن تقدير الموقف من الحرب على غزة إلى أن عمق عدم اليقين الشعبي الإسرائيلي تجاه مستقبل الحرب، وتشكل مسألة التقدير بأن إسرائيل "لم تنتصر بعد لكنها في الطريق نحو الانتصار"، اعترافاً بعدم تحقيق أهداف الحرب بعد مائة يوم، وهو معطى متحرّك وقد يتغير بناء على استدامة تعثر تحقيق الأهداف غير المحددة بشكل واضح للجمهور، كما من شأنه أن يتأثر من الأزمة الاقتصادية الاجتماعية ومسألة الرهائن المحتجزين ومسألة النزوح الداخلي غير القابل للحل وعدم الثقة بالحكومة في إدارة الحرب وحصرياً على ضوء التهجمات المنهجية على القيادة العسكرية. ولكل هذه الأمور اسقاطات مباشرة على نفسية المجتمع الإسرائيلي ومعنوياته.

إن تراجع الليكود لدرجة السقوط لا دلالة فيه على مسار المجتمع الإسرائيلي نحو الحل السياسي والسلمي، بل أن صعود نجم بن غفير ومحافظة تياره على قوته مع احتمالات استمرار ازدياد قوته في الفترة القادمة فيه دلالة، في المقابل فإن المزاج العام السياسي والشعبي في إسرائيل يتجه بشكل ملحوظ نحو اليمين ولا يبشر بأية مخارج سياسية، بل إن رؤية الحرب دفاعية ووجودية فيه دفع نحو خيارات متطرفة للغاية أو يائسة تعتبر الفلسطينيين أينما كانوا في غزة أو الضفة أو في الداخل باعتبار وجودهم غير شرعي.

البعد الآخر للأزمة الإسرائيلية المستعصية هو أن هذه الحرب قد كشفت تآكل مقومات من المشروع الصهيوني والفكر القائم عليه وباتت تتفكك، بما فيه عدم قدرة إسرائيل على حماية اليهود وفقاً لتعريفها لذاتها، ومسألة اللحمة الداخلية والنزوح الداخلي غير القابل للحل دون حل سياسي مع الفلسطينيين وحل على الجبهتين الجنوبية والشمالية.

في المقابل بدأت تعلو أصوات وازنة من المؤسسة الأمنية سابقاً أو السياسية وإن كانت قليلة، تدعو إلى حل سياسي إذ لا مخرج أمام إسرائيل، وهناك من يرى أن الانتصار الوحيد هو بالتوافق مع الفلسطينيين بوصفهم شعباً ولا يمكن أن يستسلم ويكف عن النضال من أجل تحرره الوطني.

بتقديرنا ودون الخوض هنا في الجانب الجوهري القانوني لأبحاثها، فإن انعقاد محكمة العدل الدولية ومثول إسرائيل كدولة متهمة بارتكاب أعمال إبادة، هو حدث مؤسس صادم في تاريخ السياسة الإسرائيلية وفي تاريخ الدولة. ومهما كانت الخلاصات في المحكمة إلا أن أعمالها سيطرت على اهتمامات الرأي العام الإسرائيلي، لتشكل أول مرآة تعكس صورة إسرائيل ليس أمام نفسها، بل أمام العالم. وقد بينت قصور حكومة نتنياهو وائتلافه أمامها، بل تحوله هو وائتلافه إلى متهمين ليس فقط أمام المحكمة، بل أيضاً تجاه الإعلام الإسرائيلي المجنّد للحرب، باعتبار أن إخفاقات الحكومة وتصريحات وزرائها فيها توريط للدولة كلها ليضاف ذلك إلى إخفاق السابع من إكتوبر، كما ويعلو منسوب القلق داخل الجيش من تعريض ضباطه للمساءلة القانونية من قبل محكمة الجنايات الدولية.

خلاصة:

احتمالات تحطم الليكود داخلياً باتت واردة نظراً لمنحى التراجع المتواصل والمتسارع، وقد بات نتنياهو عبئاً على الليكود ومن دونه لا تبدو احتمالات بقاء الحزب كحزب حاكم واردة.

سقوط الليكود الحاكم وحكومة نتنياهو وإجراء انتخابات وإنهاء حالة الطوارئ، قد يدفع نحو واقع يتيح قيام حركة شعبية إسرائيلية معنية بالحل السياسي مع الشعب الفلسطيني، لتشكل حالة ضاغطة على أية حكومة بديلة.

تغيير السياسات الإسرائيلية والتوازنات الحزبية لم يحصل يوماً بفضل التفاعلات الداخلية فحسب، بل دائماً كان أثر للحالة الفلسطينية عليه.

الإبقاء فلسطينياً وعربياً على انسداد الطريق أمام مشاريع التهجير والطرد الجماعي ومشاريع استدامة احتلال غزة وعزل مصيرها عن مصير الضفة الغربية من شأنه أن يعمق أزمة حكومة أقصى اليمين ونحو إسقاط نتنياهو وحزبه الحاكم.

 

*كاتب فلسطيني