Menu

في الذكرى السادسة عشرة لرحيل الحكيم جورج حبش

هيلدا حبش والحكيم

خاص - بوابة الهدف

 

 

 

 

  كتبت هيلدا حبش*

 

 

ستطيع إسرائيل أن تدمر مدننا ومخيماتنا وتقتل أطفالنا ونساءنا، لكنها لا تستطيع أن تقتل إرادة القتال فينا"، هذه هي كلمات الحكيم جورج حبش التي ما زالت حاضرة حتى يومنا هذا. ستة عشر عاماً من الغياب وما زال حاضراً بكل ما تركه لشعبنا من إرث نضالي ومسيرة كفاح مضنية ما زالت الأجيال تقتدي بمبادئه وقيّمه وصلابته وإصراره على الاستمرار بالمقاومة حتى النفس الأخير. وستبقى الأجيال أمينة على هذا الأرث النضالي الكبير، وعلى مكتسبات الثورة الفلسطينية بمختلف أطيافها وفصائلها وتضحيات قياداتها وقواعدها.

إرث راسخ لم ولن تستطيع كل قوى الشر في العالم أن تمحوه من وجدان شعبنا وأمتنا الأصيلة. إن صراعنا التاريخي مع العدو الصهيوني الممتد منذ خمسة وسبعين عاما من النضال الدؤوب قدّم فيه شعبنا آلاف الشهداء وأغلى التضحيات. صراع وجود وحقوق تاريخية، واستعادة أرض مغتصبة وسيادة شعب فوق تراب وطنه حراً مستقلاً.

ما يجري اليوم في غزة العزة والصمود، وفي الضفة الغربية من ملاحقات أمنية للمناضلين الشرفاء، وتدمير للبيوت، وتهجير وتشريد لشعب أعزل، وقتل للأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ، ما هو إلا تتويج لصراع مرير في مواجهة عدو يميني صهيوني متطرف، لا يعرف إلا القتل وسفك الدماء، دون أي رادع أخلاقي. عدو يمارس جرائمه على طريقة أجداده من العصابات الصهيونية العنصرية المتطرفة، من أمثال شتيرن والهاجانا والأرجون، الذين أرتكبوا أبشع المجازر في فلسطين عام 1948 ودمروا مئات المدن والقرى وقتلوا آلاف الضحايا، إرهاب دولة عصابات تدعي الحضارة والديمقراطية وتمارس العنف بأبشع صوره. إن جحافل المستوطنين الصهاينة الذين زحفوا إلى فلسطين من جميع أنحاء العالم، غرباء ليس لهم مكان بيننا وعليهم العودة من حيث جاؤوا. على العدو الصهيوني أن يدرك أن شعبنا لن يستكين، ولن يستسلم للظلم والهوان، ولن يلقي السلاح قبل أن يحقق أهدافه الوطنية في التحرير والعودة وتحقيق العدالة والمساواة وأن إسرائيل لن تحظى بالأمن والأمان لشعبها، لتبني أمجادها على حساب حقوقنا الوطنية وعزتنا وكرامتنا، ولن تجني من حربها الضروس ومن الإبادة الجماعية والتطهير العرقي لشعبنا إلا الفشل الذريع ووصمة العار التي ستلاحقها ولعنة الضحايا الأبرياء من أطفالنا ونسائنا، ودمائهم الطاهرة التي ستبقى تلطخ تاريخها الأسود. حصيلة العدوان الوحشي على غزة أدمت قلوبنا، ولم تعد لدينا القدرة على تحمل المزيد من العذابات ومشاهد الدماء والتهجير والجوع والعطش والمقابر الجماعية والنزوح في البرد القارس دون مأوى. لقد أصبح 5% من الغزيين بين شهيد وجريح ومفقود.. مئة ألف على الأقل، غالبيتهم من النساء والأطفال، وآلاف ما زالوا تحت الأنقاض. كل هذه التكلفة الباهظة التي يستثمرها نتنياهو لإطالة عمره السياسي وبقائه في السلطة، بعيداً عن المحاسبة بعد فشله في حماية المستوطنين من هجمات المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر، ولقضايا الفساد المتهم بها.

 

«تستطيع إسرائيل أن تدمر مدننا ومخيماتنا وتقتل أطفالنا ونساءنا، لكنها لا تستطيع أن تقتل إرادة القتال فينا»

 

إن ما أقدمت عليه حركة حماس ما هو إلا ردة فعل طبيعية لكل ما تقوم به إسرائيل في الضفة الغربية وفي غزة وعلى مدار خمسة وسبعين عاما من الملاحقات الأمنية للشباب المقاوم، وقتلهم وتدمير بيوتهم واعتقال آلاف المناضلين منهم. إلى متى ستبقى هذه القوى الغاصبة لأرضنا تعربد وتقتل وتدّعي أنها تدافع عن نفسها وهي التي تملك أكبر ترسانة عسكرية متطورة في المنطقة، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، التي تزودها بمليارات الدولارات وصفقات الأسلحة الفتّاكة تشرف إشرافا مباشرا على سير المعارك الضارية في غزة بوجود أساطيلها البحرية والجوية وخبرائها ومستشاريها إلى جانب آلاف المرتزقة الذين يشاركون في المعارك الدائرة، إضافة إلى دعم الدول الأوروبية السياسي والعسكري. كل ذلك أمام مرأى ومسمع العالم، وصمت عربي مطبق ومؤلم يشكل غطاء للعدوان الوحشي على شعبنا. وفي هذه المناسبة من حقنا كفلسطينيين أن نقول، إن اتفاقيات أوسلو انتهت صلاحيتها تماماً، بعد أن فشلت فشلاً ذريعاً في حماية أهلنا وأرضنا في الضفة الغربية. فماذا كانت نهاية التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني سوى استباحة شعبنا في الضفة الغربية استباحة مروّعة، وسط غياب تام للسلطة التي كان المتوقع منها أن توفر الحد الأدنى من الحماية والكرامة لشعبها. وكما انتهت صلاحية اتفاقيات أوسلو، كذلك انتهت صلاحية فكرة «حل الدولتين»، التي تحولت إلى شعار فارغ بلا مضمون، بعد أن استولت إسرائيل على الضفة الغربية بشكل شبه مطلق بالمستوطنات وبالسيطرة الأمنية الكاملة. ومن الواجب أن أذّكر في هذا السياق برؤية الحكيم لمستقبل فلسطين، بعد القضاء على الفكر الصهيوني، التي عبر عنها في كتابه «الثوريون لا يموتون أبداً» إذ قال «أنا مع عودة كل فلسطيني إلى المكان الذي جاء منه. سيكون بإمكاننا في المستقبل أن نحصل على الاعتراف بحق العودة. كما أنني أؤمن بدولة واحدة ديمقراطية وتعايش سلمي بين اليهود والفلسطينيين. تلك هي فلسفتي وسأواصل النضال حتى النفس الأخير من أجل تحقيق هذا المثال».

أحيي الإخوة المناضلين الأبطال في حماس والجهاد الإسلامي، ورفاقنا في الجبهة الشعبية وجميع المقاومين الشرفاء من مختلف الفصائل الفلسطينية، وأخص بالذكر الإخوة في حركة حماس كحركة تحرر وطني وجزء لا يتجزأ من النسيج الوطني الفلسطيني وفصيل أساسي من فصائل المقاومة، خاضت العديد من المعارك والحروب مع العدو الصهيوني، وقدمت الكثير من التضحيات، حماس متجذرة في عمق الأرض، وهي في اشتباك مستمر ومفتوح مع هذا العدو الشرس، كما أنها تتمتع بحاضنة شعبية اليوم، أكثر من أي وقت مضى، كما تحظى قضيتنا الفلسطينية العادلة اليوم، أكثر من أي وقت مضى بتأييد عالمي يظهر جلياً وبوضوح من خلال المظاهرات العارمة في العواصم والساحات العربية والغربية وفي جميع أنحاء العالم. أحيي المقاومة اللبنانية في الجنوب اللبناني الصامد، التي تدافع دفاعاً مستميتاً عن أرضها وعن شعبها وتناصر وتساند المقاومة الفلسطينية في حربها الضروس دفاعاً عن غزة والضفة الغربية. تحيّة نضالية للمقاومة اليمينة والشعب اليمني العظيم، وهو يتصدى لأعتى القوى المعادية لشعبنا دفاعاً عن فلسطين، وهذا ليس غريباً على الشعب اليمني الذي خاض أشرس المعارك في ستينيات القرن الماضي، واستطاع تحرير اليمن الجنوبي من براثن الاستعمار البريطاني، بإشراف مباشر ومساهمة مؤثرة من حركة القوميين العرب. لقد عبّر الحكيم في مذكراته كم أنه يشعر الفخر والاعتزاز لدوره في دعم ومساندة اليمن. مازلت أذكر بالاسم الثوار اليمنيين في تلك المرحلة المشرّفة من تاريخ الشعب اليمني والعلاقة الوثيقة التي كانت تربط ثوار اليمن بالحكيم وبحركة القوميين العرب. ولا أنسى أن أتوجه بالتحية للمقاومة العراقية الباسلة في تصديها للوجود الأمريكي العسكري على الأراضي العربية ومناصرتها لقضيتنا الفلسطينية العادلة. كما أتوجه بالتحية والامتنان إلى دولة جنوب افريقيا حكومة وشعباً لجهودهم في ملاحقة الصهاينة قضائيا، من خلال محكمة العدل الدولية دفاعاً عن أهلنا في غزة. إن هذا الموقف التاريخي سيبقى مصدر اعتزاز وامتنان لشعبنا وقضيته العادلة. تحية إجلال وإكبار إلى المقاومة الفلسطينية وصمودها الأسطوري في وجه العدو الصهيوني أشرس عدو على وجه الأرض. المجد والخلود إلى روح الحكيم في الذكرى السادسة عشرة لرحيله. المجد والخلود إلى جميع الشهداء الأبرار من الأطفال والنساء الأبرياء في غزة، وإلى جميع المناضلين الأبطال الذين سالت دماؤهم الغالية على أرض غزة والضفة الغربية. ستبقى ذكراهم حيّة في وجداننا جميعاً ما حيينا على هذه الأرض.

 

 

*كاتبة فلسطينية

*رفيقة درب الحكيم جورج حبش