Menu

الحرب مستمرة و الجدل كذلك

حلمي موسى

خاص _ بوابة الهدف

 

 

كتب حلمي موسى*

 

انشغالات إسرائيل هذه الأيام كثيرة جداً وهي في تزايد، تعاظم خطر توسع الحرب مع حزب الله في لبنان، ضغوط دولية لوقف إطلاق النار جراء الآثار الكارثية لاستمرار الحرب على الاقتصاد العالمي وحركة التجارة الدولية (نفط الخليج ومضيق باب المندب وقناة السويس)، الآثار الاقتصادية غير المحتملة للحرب على الإسرائيليين. الشعور المتنامي بانعدام الأمان مستقبلاً لدى الإسرائيليين في مستوطنات الجنوب والشمال على حد سواء، شعور الإسرائيليين بعجز جيشهم عن توفير الحماية لهم على مدى طويل، تصدع صورة إسرائيل الأخلاقية والأمنية على الصعيد العالمي، وأخيراً تعاظم العبء الذي تمثله إسرائيل على أميريكا والغرب.

وفي ظل ذلك هناك الخلافات الداخلية التي تكاد تنفجر حول المسؤولية عما حدث وكيف أن سياسة اليمين قادت إلى هذا الوضع، واستطلاعات الرأي تبين خسارة اليمين للحكم في أي انتخابات مقبلة، وهذا يثقل على الائتلاف الحاكم ويثير شكوكاً حول دوافع إدارته لاستمرارية الحرب.

ويبدو أنه أضيف إلى كل ذلك مؤخراً خلاف شديد جديد من نوعه بين الجيش والحكومة، ويدور هذا الخلاف حالياً حول ما إذا كان الجيش عاجز عن تحقيق الأهداف السياسية للحرب أم أن هذه الأهداف تحول دون تجيير مكاسب العمل العسكري لصالح سياسة واقعية إسرائيلية. وجوهر هذا الخلاف يدور حول ما يعرف ب"اليوم التالي".

 

وفي الأيام الأخيرة وحسب يديعوت أحرنوت وجهت قيادة الجيش تحذيراً للحكومة بأن مواصلة تأجيل مناقشة اليوم التالي يخدم حماس ويتيح لها فرصة التعافي والبقاء مدة أطول على رأس الحكم في غزة، وجوهر التحذير أن "غياب القرار بشأن مستقبل غزة يضر بالإنجاز العسكري"

 

وحسب المراسل السياسي ليديعوت ايتمار آيخنر قدم الجيش الإسرائيلي معلومات مثيرة للقلق إلى المستوى السياسي مفادها أن ممثلي البلديات المرتبطين بحماس بدأوا في إعادة القدرات المدنية في شمال ووسط قطاع غزة.

 

وبحسب مصادر سياسية فإن حماس بدأت باستعادة قدراتها المدنية بسبب الخلاف الإسرائيلي حول القرار بشان اليوم التالي، إنها ليست قوة مسلحة، بل هي ممثلين مدنيين يشكلون جزءاً من حكومة حماس، وبدأ هؤلاء الممثلون في تقديم الخدمات للسكان.

وقالت مصادر سياسية: "لقد وصلنا إلى وضع حيث عدم وجود قرار سياسي بشأن من سيحكم في اليوم التالي لا يؤخر الإنجاز العسكري فحسب - بل يضر به".

 

هذا الأسبوع، نشر موقع "واينت" و"يديعوت أحرونوت" رسالة انتقادية من حوالي 130 من القادة وضباط الاحتياط، الذين يزعمون أن إنجازات الجيش في الميدان لا تترجم إلى استراتيجية. "في الأيام الأخيرة، بدأ الجيش الإسرائيلي في إطلاق ألوية احتياطية، وتتبادر إلى الأذهان على الفور الأسئلة: هل ارتقينا إلى مستوى المهمة التي حشدنا من أجلها، وكيف تترجم الإنجازات الكبيرة التي حققناها في ساحة المعركة إلى إنجازات على المستوى الاستراتيجي؟ "، كتبوا. "للأسف، الجواب الواضح هو أن الجيش الإسرائيلي وحكومة إسرائيل فشلاً في ترجمة الانتصارات التي تم تحقيقها بشق الأنفس على المستوى التكتيكي إلى نصر واضح وساحق على المستوى النظامي والاستراتيجي."

 

وطالب الضباط بعدم السماح لسكان شمال القطاع بالعودة إلى منازلهم لحين عودة الأسرى، وأوضحوا أنه "علينا التأكد من أن الإنجاز الوحيد الذي تحقق في الحملة حتى المرحلة الحالية لن يسقط من أيدينا، وهذا هو الإنجاز على الأرض، لقد قمنا في خطوة غير مسبوقة بإجلاء معظم سكان مدينة غزة، وأحكمنا السيطرة العملياتية على أجزاء واسعة من المدينة، وعلينا أن نحافظ على هذا الإنجاز لصالح مواصلة القتال، يجب علينا أولاً وقبل كل شيء إكمال مهمة إخلاء السكان من منطقة القتال شمال قطاع غزة، ومن ثم يجب علينا ضمان الحصار الكامل للممر عند وادي غزة، فوق وتحت الأرض."

 

وليس فقط في الجيش هناك انتقادات للمستوى السياسي، ولو من زاوية مختلفة، وفي الولايات المتحدة يشعرون بالإحباط بسبب مماطلة إسرائيل في مسألة "اليوم التالي"، وعلى مدى أسابيع ضغط مسؤولون أميركيون كبار على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لمناقشة مصير قطاع غزة، لكنه امتنع عن ذلك، ولم تبدأ المناقشة الفعلية لمجلس الوزراء إلا مؤخراً.

 

وبينما يستمر النقاش في إسرائيل، فإن ما لا يقل عن عشر دول مختلفة حول العالم تتعامل معه - وهي الدول التي تطرح مقترحات لإنهاء الحرب، وإعادة المختطفين، وإعادة السلطة الفلسطينية، وإزالة حماس من السلطة في قطاع غزة، ومن بين هذه المقترحات، تحاول الإدارة الأميركية أيضاً إعادة التوسط في اتفاق التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، والذي سيتضمن أيضاً فرصة لإقامة دولة فلسطينية. يرفض نتنياهو، في الوقت الحالي، المقترحات المختلفة، وتعهد مؤخراً أيضاً بالحفاظ على السيطرة العسكرية الإسرائيلية على كامل الضفة الغربية وقطاع غزة.

والمشكلة الأكبر هي أن بين أعضاء حكومة نتنياهو ومن داخل حزبه الليكود من يطالبون ليس فقط بتهجير سكان قطاع غزة وإنما بالعودة للاستيطان فيه، وهذا بحد ذاته كفيل بجعل إسرائيل تتصادم مع المحيط العربي والعالم لفترة طويلة طالما لم يحسم الجدل حول اليوم التالي.

 

*كاتب صحفي من غزة