Menu

كي لا تغدو الصفقة فخاً أميركياً .. فقط بشروط المقاومة وأفق سياسي للتحرير والعودة

وسام رفيدي

 

 

كتب وسام رفيدي*

 

منذ أكثر من خمسة أيام والأخبار متواترة حول (صفقة مقترحة) كنتاج لاجتماع باريس، قُدمت للصهاينة وللمقاومة للرد عليها، ومعها تتواتر المواقف. المقاومة على لسان قياداتها، هنية، النخالة، ومزهر، والبيان المشترك عن لقاء "حماس" و"الشعبية" في بيروت، حدد موقفاً قطعياً انها تدرسها، وموقفها منها يتحدد على ضوء مطلب الوقف الكامل للعدوان، والانسحاب الكامل من القطاع، كما رفع الحصار وفتح المعبر تماماً، والبدء بإعادة الإعمار مباشرة، قبل الحديث عن اي تبادل. الأميركيون، الذين يرعون لقاء باريس ايضاً أعلنوا موقفاً: هدنة طويلة لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، ولا لوقف إطلاق النار، واكد هذا البيت الأبيض في بيان أيضاً. حتى نتياهو الساعي لامتصاص غضب شارع اهالي الأسرى لدى المقاومة، ومع هزائمه اليومية امام المقاومة، ابلغ الأهالي أنه سيوقع على صفقة حتى لو كلفه ذلك حكومته، فيما لقائه مع زعيم المعارضة يؤكد كذبه، وهو مشهور بالكذب لدى الصهاينة، إذ أن لقاءه هو سعيٌ لخط رجعة معه لضمان بقائه على رأس الحكومة إن إنسحب منها بن غفير وسموتريش.

هل يريد نتياهو حقاً اسراه ؟ بالتأكيد، ولكنه يريد أكثر استمرار الحرب على غزة فهي ملاذه للبقاء خارج السجن، وعلى رأس الحكومة، وهي رهانه، لم يقتنع حتى اللحظة انه خاسر، لتحقيق (انتصار ما) يعزز من مكانته لدى جمهور المستوطنين، ويعيد لجيشه ومؤسسته العسكرية والأمنية بعضاً من كرامتها وهيبتها التي ابتلعتها رمال القطاع منذ 7 اكتوبر. وفي الوقت الذي يعلن فيه استعداده لتوقيع صفقة يعلن استمرار الحرب، وهذا ينسجم مع الرأي العام الإسرائيلي الذي يتمترس عند توجه فاشي عنصري لطالما ميّز مجتمع الاستيطان اينما وُجد، توجه داعم لفاشية وعنصرية مجرمي الحرب في الحكومة والجيش والأجهزة المختلفة في حربهم على شعبنا في القطاع.

ينبغي التأكيد انه وعلى العكس من حروب سابقة، كالحرب على لبنان في العام 1982، فإن مجتمع المستوطنين يُظهر تحمل غير مسبوق، على تحمل خسائره العسكرية والبشرية والاقتصادية، لرغبته بترميم مكانته وسمعته، وكذا مكانة جيشه باني دولته، ولضمان مستقبل المشروع الصهيوني أساساً، مستقبلٌ بات يشكك فيه حتى صحفيين ومحللين وكتاب ومفكرين اسرائيليين.

لذلك يجب التقرير أن النزوع لاستمرار حرب الإبادة على القطاع هو السائد في الشارع الإسرائيلي، وفي المؤسسات العسكرية والأمنية والسياسية، مع أصوات لا زالت محدودة وغير مؤثرة تدعو لوقف الحرب، وبالتالي جاءت الصفقة كما يبدو، ومما رشح منها، مفصّلة على مقاس الموقف الصهيوني في الشارع والحكومة والجيش. فمن جهة يحققون إطلاق سراح الأسرى، دون تحديد رقم الأسرى الفلسطينيين بالمقابل، ومن جهة ثانية لا يجري الحديث نهائياً عن وقف العدوان، بمعنى آخر يتحرر اسراهم ويعودون للعدوان، ويستمرون ببناء مناطق عازلة حول القطاع بتدمير آلاف المنشآت والمنازل، وتنفيذ التطهير العرقي، والاستمرار بالإعدامات والمقابر الجماعية، والسعي للترحيل بخلق ظروف تجعل الحياة مستحيلة.

هذا ما تنبهت له المقاومة في مواقفها التي سجلناها أعلاه. إنها صفقة، وبهذه الصيغة، تنقذ رأس نتنياهو من الضغوط الداخلية، وتحقق له وللأميركان ما يريدون: استمرار الإبادة في القطاع . والأميركان كانوا واضحين فيما يتعلق بالصفقة، وضوح دعمهم لحرب الإبادة منذ البداية، وهي ان العنوان هدنة طويلة لتحرير رهائن الإسرائيليين، أي لا وقف للعدوان، ولا ما يجب ان يستتبع ذلك من تحقيق المطالب المشروعة للمقاومة.

كان موقف المقاومة صريح ويقطع الطريق على صفقة الأميركان في باريس: لا تبادل قبل وقف العدوان، وإنسحاب جيش الاحتلال من كامل أراضي القطاع، ورفع الحصار وفتح معبر رفح، والشروع بالإعمار منذ لحظة بدء الصفقة، اما الحديث عن ابقاء وقف العدوان مرهون (بضمانات عربية ودولية) فتلك اعتقدها لن تنطلي على المقاومة، وقد أعلنت ان الضمانة الاساسية هي المقاومة نفسها، لا في القطاع فقط، بل ولدى محور المقاومة، غير ذلك فليس من عاقل يثق بضمانات أميركية، أو حتى ضمانات عربية من أنظمة إما متواطئة مع العدوان، او شاركت وتشارك في الحصار منذ 18 عاما، أو أنظمة تنقذ الكيان من أزمته الزراعية بمئات شاحنات الخضار تصل للكيان يومياً.

إن معركة طوفان الأقصى منذ 4 شهور قد خلقت وقائع جديدة على الأرض، هي تاريخية بكل ما في الكلمة من معنى، وعليه ينبغي ان تحقق تلك المعركة انجازات تاريخية توازي سياسياً الانجازات العسكرية للمقاومة وللمقاومين وتضحياتهم. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن حجم التضحيات المهولة التي قدّمها شعبنا، من عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمفقودين، ومن أكثر من مليون ونصف المليون نازح، وممتلكات ومنازل ومجمعات جرى تدميرها بأكملها، وكذا تدمير مرافق الحياة اليومية من مؤسسات وبنى تحتية، كل ذلك لا يمكن ان يتوج بصفقة تقف عند صفقة تبادل كما الصفقات السابقة. شعبنا يستحق أكثر بكثير من صفقة تبادل فحسب.

بل أكثر من ذلك. إن الموافقة على الصفقة، وإذ يرتهن بشروط المقاومة أعلاه، ينبغي ان ترتبط أيضاً بأفق سياسي لما يسمونه (اليوم التالي)، يقطع الطريق على مبادرات ساسية من نوع دولة بايدن منزوعة السلاح، وخارطة طريق بوريل، وخطط من رجال أعمال صهاينة فاشيين وحالمين معاً، لإجهاض الحق الفلسطيني بالتحرير والعودة، أفق يربط ما يمكن تحقيقه من منجزات حددتها المقاومة كشروط للصفقة، مع عملية سياسية تنهي الاحتلال وتفكك المستوطنات وتكون بمثابة مدماك على طريق التحرير النهائي. وكما قال نصر الله مرة، ومحقاً فعلاً، إن إنهاء دولة الكيان لا يتم بالضربة القاضية، فمن حق شعبنا ومقاومته بعد هذه المعركة بانجازاتها وتضحياتها ان تتوج بمنجز سياسي/ بمدماك على طريق التحرير والعودة، ليكون (اليوم التالي) فلسطينياً وبنكهة المقاومة.

 

*كاتب وأكاديمي فلسطيني