Menu

هي المذبحة...أن لا تصدَّها، فشريك فيها .. ملحمة طوفان الاقصى التداعيات والمآلات

د. عادل سمارة

ومن بوسعه حصر الملحمة في كلمات! وقد نقلت الصراع إلى المحتل 1948  وحولت مستوطنين إلى اللجوء ودفعت بعضهم من حيث أتوا وبيَّنت أن القاعدة كاستثمار استراتيجي مربح للإمبريالية هي في النهاية محمية وعبئاً على صانعيها ودفعت قيادة الكيان لما بعد الانتقام مستعيدة السيرة الأخطر للاستيطان الرأسمالي الإقتلاعي الأبيض وهي الإبادة. وحيث مارست النازية محرقة مشتدة لليهود فانتقل الكيان من محرقة ممتدة ضد شعبنا إلى مزاوجتها مع المشتدة ومن هنا شنَّ العدو عدوانين أحدهما مع المقاومة تحت الأرض والآخر ضد أهليهم المدنيين فوق الأرض وصمد شعبنا في الحربين بينما يحاول الكيان إخفاء تثاقل جُنده وفراغ معنوياتهم.

وهرولت الإمبريالية بأجمعها إلى الكيان بين شد العصب والقتال نيابة عنه، كيف لا وهي تعلم أن وطننا الكبير آخر منطقة مباحة للاستغلال بتواطىء حكام قُطريات  يتواشج مصيرها بحبل سُرّيٍّ بمصير الكيان.

أكدت المقاومة أن حرب الغُوار لم تفقد دورها ولا وهجها  مبتكرة أشكالاً إبداعية تتغلب على تكنولوجيا راس المال المعولم مما يرغم الإمبريالية على قراءة أخرى ذات وقت قريب لدور هذا الاستثمار الذي يفقد دوره كاستثمار استراتيجي.

لم يكن على المقاومة أكثر من موقعة 7 تشرين الأول والصمود الأسطوري وتطوير تشرين 1973 لما هو أعمق من المحتل 1967. وإن جاز لنا القول فهي فاتحة عهد جديد كما معركة "ذي كار" قبل مجيىء الرسالة حيث شكّلت انبعاثا عربيا وضع العروبة على عرش العالم، وهذا يؤكد أن العالم قد اهتز ووضعته 7 تشرين على عتبة تغيير معولم.

ساهمت الملحمة في تقعيد مختلف الأنظمة والمعسكرات كل في موضعه الطبيعي وهذا كشف لم يكن ليحصل لولا هذه المغامرة التاريخية.

أثبتت هذه المغامرة تاريخية المقاومة وانتقالها من حقبة  وإبداع إلى آخر من المجاهدين للفدائيين للمقاومين وإلى ما سيأتي.

كشفت الملحمة عن ما لم ندركه من قبل حيث انتقلت الدولة ال قطر ية من التخلي في عدوان 1982 إلى الخذلان هذه المرة. فأفهمتنا درساً في قراءة قانون الترابط الشامل للأحدث وخاصة الثورات. لقد وضعت الأنظمة العربية وحتى الإسلامية جميعاً في خانتها الطبيعية. بل وأخطر، فها نحن نشهد مساكنة ثلاثية بين السلطة والقوى السياسية والشعب في حالة أبعد من الهيمنة/غرامشي حالة الإنشباك بدل الإشتباك! وهذه مساهمة في ديالكتيك السقوط كاستثناء  مقابل 7 تشرين ديالكتيك التاريخ الصاعد.

كان 7 تشرين لحظة الانتصار العالي، لكن الثورة المضادة بثلاثيتها الإمبريالية الغربية والكيان والصهيونيتين العربية والإسلامية التقطت أنفاسها بهجومها التطبيعي منذ 8 تشرين مباشرة الأمر الذي آخى المؤامرة والمذبحة

أثبتت الملحمة بأن النووي الحقيقي هو الذي يواجهنا به العدو  أي التطبيع الرسمي العربي وتطبيع قوى ومثقفي الطابور السادس  ومحاولة الوصول بالتطبيع إلى قلعة الجماهير العربية التي لم تُخترق لكنها تساكنت.نعم كانت المهزلة في تقيد الحراك الشعبي بالسقف الذي سمحت به الأنظمة بينما كان الشارع العالمي مختلف تماماً. أما النووي الحربي فهو ردع متبادل مما يحول دون تفعيله.
وهذا يفتح على حقيقة معولمة جديدة وهي التفارق بين الرسمي الشعبي على صعيد معولم والذي يبشر باحتمال الطلاق بين الشعبي والرسمي وحتميته في  الوطن العربي وإن تأخرت.

وفي هذا الصدد لعب الإعلام العربي التطبيعي وحتى المقاوم دوراً خطيرا إتضح في مستويين:

الأول: تضخيم الفلسطيني  إلى حد الزعم بأن الفلسطينيين وحدهم قادرين على هزيمة الكيان وتحرير فلسطين. وفي هذا تبخيسً لطبيعة الصراع وكأنه بين الفلسطيني والصهيوني. ولعل هذا يذكرنا بحقيقة إدراك عبد الناصر بأن الصراع مع الإمبريالية وليس محصورا في الصهيونية. ولسنا هنا بصدد التذكير بالجسر الجوي الأمريكي في حرب تشرين 1973 وقرار الغرب "ممنوع إنتصار العرب". وهنا يكفي أن نشير إلى انكشاف ظاهرة "الماخال" أي المتطوعين مع الكيان من جميع الدول الغربية بلا استثناء عام 1948، وها هي تتضح  بل تُعلن.

إن تضخيم الفلسطيني هو في حد ذاته تغطية على الموقف الكارثي الذي وقفته الأنظمة العربية خاصة والإسلامية عامة في عدم القيام بإدخال علبة دواء لغزة! وهذا ليس عجزاً وإنما مخافة امتداد الظاهرة إلى تلكم الأنظمة. لقد سُمح للكيان بممارسة الذبح على الفضائيات مما أفلت مثقفي الطابور السادس إلى التجرُّؤ والكتابة ضد مجرد حصول ملحمة أكتوبر/تشرين الأول بثَّا لسموم الندم على ما حصل.

إن الخطوة الطبيعية الثانية بعد خطوة 7 تشرين الأول هي حرب الشعب العربية طويلة الأمد بدءأ بمقاطعة حقيقية لمنتجات الأعداء وضرب مصالحهم اي مستعمراتهم مما يقود في الحد الأدنى لإرغام العدو على وقف المذبحة. هذا هو التفاقم والتطوير الطبيعي لتشرين وليس توجيه اللوم لتشرين لامتصاص فعله التاريخي.

وما أقل، وللأسف ، الذين التقطوا ذلك الاستدخال للهزيمة بإعفاء الأنظمة العربية من دورها الذي كان يجب أن يكمل بالحلقة الثانية من 7 تشرين وهو التصدي للعدو بدءاً  بقطع العلاقات الدبلوماسية بالحد الأدنى.

لذا شاهدنا ترويجاً وتوسيعاً لكتابات تبرر الاستقواء بالضعف وتضخيم الإمبريالة واسلحة الكيان مما قاد إلى لجم الكثير من القوى التي كان يمكن لها أن تفعل شيئاً ما.

والثاني اقتلاع القضية من عمقها العربي وهذا يقع تماماً في مخطط العدو بتوسيع التطبيع إلى كامل الوطن العربي.  

يعيدنا هذا إلى السياق التاريخي لخطة وتآمر الإمبريالية ضد الوطن العربي بما هو الأكثر استهدافاً من اية بقعة في الكوكب وذلك منذ  انتقال أوروبا الغربية خاصة من المركنتيلية إلى الثورة الصناعية فالرأسمالية الاستعمارية فالامبريالية  فالعولمة. واختصاراً، فإن وثيقة بانرمان في الحيلولة دون الوحدة العربية وإيلاج الكيان في فلسطين وهزيمة الناصرية وتدمير ثم احتلال العراق والعشرية السوداء في الجزائر واحتلال ليبيا والاستماتة لإنهاء سوريا والعدوان على اليمن وصولا إلى إهلاك لبنان إقتصادياً كل هذه مسار السياق التاريخي لاحتجاز الوحدة والتنمية في الوطن العربي. ومن هنا كان 7 تشرين صدمة لكل هذا، إلا أن هذا الإنجاز ووجه مباشرة من قبل الثورة المضادة والتي علينا أن نفهم ونُفهم الجميع بأنها موجودة تحت جلد الوضع العربي وبقوة. وهذا يعني شدة المواجهة بيننا وبينها.

لذا حُصر الدعم للمقاومة في دور المقاومة اللبنانية التي قُيِّدت رغماً عنها بحكم الظرف. لكن مساهمة المقاومة اللبنانية ومساهمة اليمن اثبت ما لا يود كثيرون رؤيته وهو أن البعد العروبي لن يغيب عن فلسطين.

وفي هذا الصدد، ليس من الحكمة اللجوء إلى لوم إيران التي اتخذت الموقف المنسجم مع مصلحتها الوطنية  بتجنيب وطنها عدوان الإمبريالية والذي يشكل الشبق الأقصى لدى نتنياهو من جهة، ودعمها للمقاومة الفلسطينية واللبنانية من جهة ثانية بمعنى أن ليس من حقنا ولا تقبل عروبتنا أن يقاتل الصديق نيابة عنا لا في فلسطين ولا في أي بلد عربي آخر.

ينقلنا هذا إلى السمفونية المشروخة التي يعزفها البيت البيض بعدم توسيع الاشتباك لما هو ابعد من غزة. والحقيقة أن توسعة الحرب حصلت فوراً ومطلقاً من جانب الثورة المضادة إذ انخرط الغرب بقضِّه وقضيضه في العدوان وبالتالي صار المطلوب ولا يزال الرد في الجانب العربي تحديدا والإسلامي توسيعا وغير الإمبريالي عامة. وهذا بقي محصور في لبنان واليمن لا اوسع.

ولعل آخر ما أثبت ذلك العرض الأمريكي لليمن بوقف الدفاع عن غزة مقابل اعتراف الأمريكي بالسلطة العروبية في اليمن والتسريب لليمن بأن أمريكا لجمت الأنظمة العربية عن المشاركة في الدفاع عن غزة بل والضفة الغربية، ولكن في حقيقة الأمر هي ملجومة ذاتياً.

وسواء هو اللجم  الخارجي أو اللجم الذاتي فهذا الأمر يفتح على ما يُدعى باليوم التالي! وهو الذي اسرَّت به الإمبريالية الأمريكية للكيان.

إن سؤال اليوم التالي هو سؤالنا نحن: ماذا بعد وقف العدوان بغض النظر عن أيلولتها؟

صحيح أن 7 تشرين مقدمة حرب التحرير وليست حرب التحرير نفسها، وهذا يعني أن علينا التعاطي مع اليوم التالي في اربعة مستويات:

الأول: مواصلة المقاومة وبالسلاح خاصة لقطع الطريق ما أمكن على التطبيع والمفاوضات وأكذوبة حل الدولتين ولجم المستوطنين لا سيما وأن الوعود بالحلول والمفاوضات ليست سوى تعميقاً للاستسلام وإنتاج حلول لغوية لا أكثر. أنها المقاومة التي على شعبنا مواصلتها ونقلها ما امكن للشعب العربي وصولا إلى حرب الشعب.  وهذا يفتح على الميلان نحو حل الدولة الواحدة في فلسطين وهو الحل النهائي كما نعرف ولكن ليس بالطبعة المألوفة منذ قرن بل بمضمون جديد قوامه أمرين هامين:

  • ·      دولة واحدة ضمن الدولة العربية الكبرى .
  • ·      مع خيار اليهود بين البقاء والرحيل وحق المتبقين في المواطنة دون تمسكهم ببيوت وأملاك العرب الفلسطينيين على أن تحل الدولة الجديدة والعالم متطلبات حياة مقبولة لهم بدل أن يتم خصي الأمر بالأطروحة المسحوتة: "تخلي الإسرائيلي عن صهيونيته" بل تخليه عن ما اغتصب.

والثاني: معركة إعادة تجليس القضية المركزية، اي القضية الفلسطينية في موضعها الطبيعي اي الوضع الشعبي العربي. وهذا يعني أن تحرير فلسطين هو مقدمة و/أو نتيجة لتحرر وتحرير الوطن العربي. وعليه، فإن الدولة العربية المركزية وحدها التي بوسعها إنجاز المهام التاريخية للعروبة بإسقاط الأنظمة القطرية لصالح دولة الوحدة أو الاتحاد وهي الدولة التي لا تحصل إلا وقد كنست مصالح /مستعمرات الإمبريالية في الوطن العربي بأسره وهذا ما يقود إلى تحرير فلسطين سواء بالقوة أو بالقوة والثقل الاقتصادي والسياسي لوطن موحد يتعاطي معه العالم طمعا في مصالحه معه بما هو كتلة واحدة سوق واحدة ثروات مسيطر عليها ممرات بحرية وجوية وبرية وبذا يكون لهذا العالم مصالحه مع وطن العروبة وليس مع كيان غاصب وفاقد لدوره. إن الاقتصاد بمفهومه الاقتصادي البسيط والمادي الموسع والمعمق هو العامل الحاسم والمقرر في التاريخ  عامة وفي حاضر البشرية اليوم وهذا ما يؤكده ثقل ودور الكتل الاقتصادية الكبرى وسيطرة الكتل الكبرى على صغريات الدول تأييداً للمقولة التنموية المركزية بأن البلدان الصغيرة لا بد أن تكون تابعة غنية هي أم أفقيرة.وحينها قد تهز الصهيونية كتفيها في إستسلام.

والثالث: وهو معركة الجدل الفكري والثقافي مع المثقفين اليهود التقدميين أو الأقل صهيونية وخاصة أن هذا الفريق قد نشط بعد 7 تشرين الأول بشكل ملفت للنظر داعيأ لدولة واحدة متوقفاً عند هذا الشعار المعوَّم!. شعار رومانسي جميل لا شك، ولكنه لا يجيب عن سؤال: مضمون هذه الدولة الواحدة؟ وهنا لا نكتفي بالعنوان البراق "دولة ديمقراطية" ! فهي لن تتأتى دون تحرير، بينما هم ينطلقون من أن الكيان موجود ثابت وعلى الفلسطينيين التوحد معه!. وحتى حين نصل إلى هناك ففي هذه الدولة يكون الصوت الفردي نفسه للأشد فقراً وللملياردير! وبوضوح: نقول لهم ماذا عن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم وممتلكاتهم؟ وقد يقبل بعضهم بالحل الإشتراكي، ولكن حتى الوصول إلى هناك لا بد من إعادة الأرض والمساكن لأصحابها ،ولا بد أن يقبلوا بأن الدولة الواحدة هي ضمن الدولة العربية المركزية الاشتراكية في التحليل الأخير وهم فيها رعايا كغيرهم.

والرابع :وهو بلورة الخطاب في توجهنا إلى التضامن الشعبي العالمي الذي يقف معنا بوضوح؟  كيف ننقل إلى هذا  التضامن أن معركتنا ليست استعادة المحتل 1967 بل مع التناقض الأساسي اي مع احتلال الكيان لمعظم فلسطين عام 1948؟ وفي هذا المستوى يواجهنا ثقل التطبيع العربي والرسمي الفلسطيني الذي ينطلق من الإقرار بأن المحتل 1948 هو للكيان؟ هذه معركة هامة وشديدة الحساسية مما يوجب بلورة خطاب لا يقود إلى انفضاض الكثير من هؤلاء المتضامنين إنسانيا معنا.

ننهي بلفت النظر إلى أن تهافت الأنظمة العربية فتح الباب لانضمام إمبرياليتين جديدتين لدعم المذبحة هما المانيا والهند!