Menu

مرتكزات الصمود في مواجهة بروتوكول الإبادة الصهيونية

د.وائل الزريعي

"كتب د. وائل الزريعي"

ولدت الحركة الصهيونية من رحم الإمبريالية الغربية ورضعت من الأيديولوجية الداروينية للاستعمار الأوروبي، التي ترتكز على أرضيه البقاء للأقوى والأصلح من المنظور الغربي و النظر للشعوب الأصلية كشعوب همجيه أدنى من الإنسان الأبيض، وهي شعوب وصفها أحد منظري الاستعمار (جون فيري) بكونها جماعات المتوحشين والبرابرة، التي لا يمكن تطبيق ما جاء في إعلان حقوق الإنسان عليها، وهو نفس الخطاب الذي تستخدمه آلة الحرب الصهيونية خلال العدوان الحالي على قطاع غزة، واصفة الشعب الفلسطيني بالحيوانات البشرية التي يجب القضاء عليها كما جاء على لسان العديد من الساسة الصهاينة. لقد ولدت الصهيونية في سياق المد الاستعماري وارتكزت على النظريات الاستعمارية مستعينة بالتلمود والتوراة كأحد المرتكزات الأساسية في رسم صورة الشعب المختار من الرب فهو المختار داروينيا وتوراتيا، شكلت هذه المرتكزات أيدولوجية الإبادة الصهيونية التي نتج عنها الكيان الصهيوني الذي اصطدم في تمدده بوجود الشعب الفلسطيني الثابت على أرضه، فكان لابد من تفعيل بروتوكول الإبادة الذي حفظه الصهاينة عن ظهر قلب من مخابر الاستعمار الأوروبي. طبقت الحركة الصهيونية بروتوكول الإبادة على الشعب الفلسطيني بداية من الترويع ثم الاقتلاع للتخلص من صاحب الأرض الذي مثل وجوده تحدي لإقامة دولة الاحتلال، فتطبيقا لسياسة الاقتلاع ارتكبت عصاباته ما يفوق75  مجزرة في الفترة ما بين عام 1937 وعام 1948، مجازر ضحيتها اكثر من 5000 شهيد فلسطيني ووفق الشهادات الأخيرة لبعض مجرمي الحرب الصهاينة هناك العديد من المقابر الجماعية، التي لم يتم الكشف عنها. هذه الجرائم تمت وسط تواطئ وصمت غربي بهدف إخلاء أكبر مساحة ممكنة لقيام دولة الاحتلال حيث أدت المجازر إلى تهجير 80% من الفلسطينيين وترحيل 750 ألف فلسطيني خارج وطنهم.

عند النظر للمجازر المرتكبة سنجد أنها كانت إبادة ممنهجة لتغيير الواقع على الأرض، بهدف رسم حدود دولة الاحتلال والتخلص من أكبر عدد من السكان الأصليين، كما فعل معلمهم الامبريالي في إفريقيا وأمريكا، لذلك كل الوسائل مسموحه بمباركة (ياهو رب الجنود) وقال موسى يا رب لماذا خلقت شعبا سوى شعبك المختار فقال لتركبه ظهورهم وتمتصوا دمائهم وتحرقوا اخضرهم  وتلوثوا طاهرهم وتهدموا عامرهم سفر الميكابيين الثاني.

الديموغرافية الفلسطينية صداع الكيان الصهيوني

مثلت الديموغرافية الفلسطينية مشكل أساسي للمشروع الصهيوني، لذلك كان استقدام المهاجرين محاولة لإمداد دولة الاحتلال بالمزيد من السكان لخلق أغلبية يهودية، أما بالنسبة للوجود الفلسطيني فقد عمل المشروع الصهيوني على التخلص من التجمعات السكانية الفلسطينية كلما سنحت له الفرصة، فكانت محاولات تهويد الجليل والنقب وسن القوانين المختلفة لمنع عودة الفلسطينيين إلى قراهم المهجرة ورغم أوهام السلام التي بناها اتفاق أوسلو، فالمفارقة هي أن توسع الاستيطان بلغ ذروته في ظل هذا الاتفاق فتشير الاحصائيات للمكتب الوطني للدفاع عن الارض ومقاومه الاستيطان إلى أن عدد المستوطنات في الأراضي الفلسطينية مع نهاية عام 2023 قد بلغ 158 مستوطنة يسكنها نحو 700 إلى 750 الف مستوطن إلى جانب 15 إلى 20 ألف مستوطن في أكثر من 200 بؤرة استيطانية دون اعتبار لما تم توقيعه من اتفاقيات. حيث أصبحت المستوطنات تسيطر على 40% من أراضي الضفة الغربية،  متحكمة بشبكات الطرقات ومسيطرة على الموارد الطبيعية الأساسية، من مياه وأراضي لتحول التجمعات السكانية الفلسطينية في الضفة و القدس والأغوار إلى جيتوهات يحاصرها جنود الاحتلال والمستوطنين.

معركة سيف القدس منعرجا استراتيجيا في المواجهة

لقد أتت معركة سيف القدس لتمثل منعرجا استراتيجيا في مواجهة بروتوكول الإبادة، حيث أصبح الاحتلال المعتاد على الضربات الاستباقية وخوض المعارك في أرض الغير تحت رحمه سلاح المقاومة ليشكل ذلك صدمه وجودية دافعا العديد من مراكز الابحاث داخل الكيان للتفكير في خطورة ما حدث ووضع السيناريوهات مستقبلية لمواجهة تطور قدرات المقاومة. دفعت معركة سيف القدس بعض المنظرين الأساسيين للكيان للحديث عن سيناريو الزوال ولعنة العقد الثامن،  لكن أيضا التفكير في استعادة الردع وسيناريوهات خوض الحرب على عدة جبهات. فرغم الأزمة السياسية الداخلية التي يمر بها الكيان إلا أن طبول الحرب كانت تدق، فوسط استغوال جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين في الضفة والقدس و الأغوار كانت عين الاحتلال على غزة لما راكمته المقاومة من قدرات أصبحت تمثل تهديدا استراتيجيا خصوصا بعد معركة سيف القدس.

جاء الطوفان

جاء الطوفان في السابع من اكتوبر ليجرف أحلام ومخططات دمج الكيان في المنطقة والتي كان يجري ترسيمها، من خلال اتفاقيات التطبيع التي وقعت والتي كانت في طور التوقيع. الآن بعد عدة أشهر من ملحمة طوفان الأقصى سنجد أن الاحتلال يطبق بروتوكول الإبادة بحذافيره، فيتم قصف قطاع غزة بشكل عشوائي لترويع السكان ورفع الكلفة البشرية، والتي قد تتجاوز 30 ألف شهيدا بإضافة من تعذر استخراج جثتهم من تحت الأنقاض من الشهداء.

بلغت المجازر على الأرض ما يفوق 1900، حيث اسقطت طائرات الاحتلال على قطاع غزة أكثر من 45  ألف صاروخ و قنبلة عملاقة وتعمد الاحتلال تدمير مربعات سكنية بالكامل باستخدام صواريخ وقنابل غير موجهة، مما يؤكد تعمد قتل وتشريد سكان قطاع غزة، هذا السعار ربما ينظر له كفعل انتقامي لكنه في الحقيقة هو تطبيق لما يعرف جغرافيا بالإخلاء العدائي، والذي يقوم على طرد السكان من المدن عبر تخريب البنية التحتية المركزية عن طريق القصف الجوي، لخلق جميع الظروف التي تتسبب في التهجير مع محاولة حشر الكتلة السكانية الباقية في جيتوهات. خلال الأعوام  السابقة شكل حصار قطاع غزة أحد الآليات التي اتبعها الاحتلال في عزل السكان الأصليين، إلا أن ملحمة طوفان الأقصى دفعت الاحتلال لإعادة حساباته وإحياء مخططاته القديمة لتفريغ القطاع من سكانه، عبر تقطيع أوصال القطاع والعمل على محاصرة السكان وتدمير جميع مقومات الحياة،  فتشير العديد من التقارير للهيئات الدولية لاستخدام الاحتلال الأسلحة المحرمة دوليا كالفسفور الأبيض، كما أن بعض الإصابات والأعراض التي أصيب بها جنود الاحتلال تفضح استخدام الجيش الصهيوني لذخائر اليورانيوم المنضب وربما استخدام الأسلحة البيولوجية التي تم تسليمها لجنود الاحتلال لاستخدامها ضد المدنيين في قطاع غزه دون تزويدهم بالتعليمات حول الآثار المباشرة للأسلحة المستخدمة. هذه الأسلحة ستترك آثارها على الموارد البيئية لقطاع غزة وعلى صحة الإنسان على المدى البعيد.

أما عن الدمار الذي لحق بالقطاع فتشير تقارير الهيئات الدولية لتدمير ما يفوق 70% من البنيه التحتية، كذلك موارد المياه العذبة وشبكات الصرف الصحي مما ساهم في انتشار العديد من الأمراض خصوصا لدى الأطفال، أيضا هناك أمراض الجلد والجهاز التنفسي نتيجة استخدام الاحتلال للفسفور الأبيض، ناهيك عن استهداف الاحتلال للمرافق الصحية والمدارس التي أصبحت مأوى للنازحين والذين تجاوز عددهم 1,9  مليون نازح،  كما يتسبب القصف العشوائي في استشهاد 100 شخص يوميا معظمهم من النساء والأطفال. يضاف إلى ذلك جرائم خطف الأطفال ونقلهم إلى داخل الكيان.

ملحمة الصمود في مواجهة الإبادة

إن جرائم الاحتلال المستمرة ضد قطاع غزة هي جرائم إباده جماعية ممنهجة وفقا للقرار 96(د..1) المؤرخ في 11 كانون أول/ ديسمبر والصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1946 والذي يعرف الإبادة بكونها قتل على أساس العرق في السلم والحرب ، بالنظر للعدوان الصهيوني على قطاع غزة سنجد أن الاحتلال لم يترك بندا من تعريف الأمم المتحدة للإبادة لم يطبقه على قطاع غزة، إذا أردنا تلخيص بروتوكول الإبادة الصهيونية سنجد أنه يرتكز على عده آليات وهي:

  • الترويع من خلال القصف والقتل العشوائي.
  • الاقتلاع عبر تفكيك الارتباط بالمكان والتهجير .
  • عزل ومحاصرة السكان الأصليين في جيتوهات .
  • فرض ظروف حياة غير إنسانية وخلق بيئة طاردة للحياة .
  • العمل على طمس الذاكرة والإبادة الثقافية.

أعادت ملحمة طوفان الأقصى القضية الفلسطينية إلى الواجهة السياسية العالمية; كما أن صمود الشعب الفلسطيني وبشاعة الجرائم التي ارتكبها الاحتلال قد شكلت صدمه للرأي العام العالمي، حيث لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في نقل الصورة الحقيقية لما يجري على الأرض، رغم تقييد المحتوى الفلسطيني، مما اكسب القضية الفلسطينية العديد من المناصرين والمتعاطفين من أحرار العالم. فيشير معهد دراسات الأمن القومي الصهيوني لخروج أكثر من 7000 تظاهرة مناهضه للكيان الصهيوني عالميا مقابل 600 تظاهرة مؤيدة له منذ بداية العدوان. الآن في ظل استمرار جرائم الاحتلال هناك عمل ملح وهو ضرورة الاستفادة من موجات التضامن الدولي مع قطاع غزة والضغط على الأنظمة المتواطئة والداعمة للكيان الصهيوني لوقف العدوان والسماح بدخول المساعدات العاجلة إلى القطاع، لكي يتم ذلك بشكل فعال يجب العمل على ربط هذه الحركات التضامنية لمحاصرة جيوب الاحتلال عبر العالم من السفارات إلى الشركات الداعمة للاحتلال وكذلك المؤسسات الإعلامية التي تروج للرواية الصهيونية أيضا يجب العمل فلسطينيا على إنشاء مرصد لتوثيق جرائم الإبادة المرتكبة في قطاع غزة وتسجيل شهادات الأفراد الذين كانوا عرضة لهذه الجرائم تمهيدا لمتابعة الاحتلال على جرائمه والتي أصبحت مطروحة أمام محكمة العدل الدولية.

على المدى البعيد هناك ضرورة لإعادة التفكير في مقومات الصمود على الأرض فالأكيد أن الشعب الفلسطيني قد سجل ملحمة بالتفافه حول المقاومة، لكن هناك ضرورة لتعزيز الصمود عبر توفير مقوماته لتقليل الكلفة البشرية في أي حروب مستقبلية مع الاحتلال، ففي مواجهات الترويع يجب العمل على توفير وسائل الحماية والإغاثة وتدريب أكبر نسبة من السكان على الدفاع المدني والتعامل مع الإصابات وفي مواجهة الاقتلاع والتهجير يجب تعزيز التجذر من خلال الصمود الاقتصادي والاجتماعي ومحاربة الفقر بالعمل على توفير مشاريع تنموية صغيرة لفائدة سكان قطاع غزة.

في الأخير الأكيد أن الشعب الفلسطيني يتعرض لبرتوكول إبادة منذ 75 عام مما يتطلب استراتيجية وطنية موحدة بعيدة المدى لمواجهة الإجرام الصهيوني; فحتى يزول الاحتلال وتعود الأرض لصاحبها نحن في حاجة لبروتوكول للصمود والتحرير في مواجهة بروتوكول الإبادة.