Menu

محور المقاومة .. إلى أين ؟

مسعود أحمد

منذ  بدء عملية الطوفان و التشكيك في  محور المقاومة  لم يتوقف ؛ حيث اتهمت   بعض أطرافه  بدفع حركة المقاومة الإسلامية " حماس " لهذه المعركة غير المتكافئة   ؛ ورغم دوره  المساند و الوحيد ؛ إلا أن وتيرة التشكيك تزداد؛ حيث  استخدمت هذه الادعاءات كورقة ضغط سياسي ومعنوي لخدمة الأجندة الامبريالية والصهيونية ؛  ومن المحتمل  تتصاعد  عندما  تضع الحرب أوزارها . ومع  الأخذ في الاعتبار  المحاذير  التي حكمت أفعاله ؛  فإن  الأمر في العمق   يتعدى  مجرد توجيه تهمة   ؛ إلى مضمون المحور نفسه  والأسس  والمرتكزات  التي تبرر  وجوده  ومدى إمكانية استمراره كمحور مقاوم ظل متماسكا  رغم المطبات التي تعرض  لها سابقا  ؛  خصوصا  وأن البعض  يذهب أبعد من ذلك بكثير حيث  يعزو هذه العملية التاريخية  لحيثيات معينة ويدرجها  ضمن  سياق   يستهدف  إعادة الاعتبار لمشروع تاريخي  بدأ يتضاءل  ويفقد دوره بعد استنفاد كافة  أغراضه  و بحسب زعمهم  كان لابد من عمل نوعي مؤثر في نقطة  تتكثف فيها  العاطفة والظلم التاريخي ؛ في ظل عدم توفر  بدائل موضوعية أخرى  قادرة على  إظهاره  بهيئة جديدة وأن أية عملية توجه للكيان الصهيوني  ستجعل الالتفاف حولها واسعا  يتخطى  ما علق في الذاكرة من ترسبات الماضي رغم أنف  التحليل  العلمي  والتجربة التاريخية. 

ولاشك بأن العدوان الصهيوني الإجرامي  المدعوم بالكامل من قبل الامبريالية الأمريكية وحلفاؤها  وضع الجميع  في  مأزق حقيقي . وهذا ينقلنا  للحيثية الأخرى  المستندة إلى فرضية مواجهة قصيرة تفتح الطريق أمام نهج سياسي  يتقاطع مع المحيط الإقليمي و يمهد للعودة التدريجية   للموقع التقليدي ؛ ضمن حاجة إقليمية  لترتيب قواعد  المرحلة المقبلة .  وتستمد هذه الرؤية  منطقها وإلى حد كبير مشروعيتها  من ثلاثة عناصر موضوعية  ماثلة  العنصر الأول : طبيعة التحالفات  القائمة و العنصر الثاني : عدم إعطاء الوحدة الوطنية الأهمية التي تستحق رغم تحققها على الصعيد الشعبي  أما العنصر الثالث فهو  دور الآلة الإعلامية المنظمة في تكريس بعد أيديولوجي يتنافى مع متطلبات  مرحلة التحرر الوطني الديمقراطي ؛ وبعيدا عن الاتفاق والاختلاف فهي  ليست مسائل ثانوية ؛ وأن استمرارها  لا يشيع مناخات  صحية مطمئنة  . دون الانتقاص  مطلقا من ملاحم البسالة و البطولة  النادرة في ميدان القتال .  وبالطبع   فإن  أي عمل مهما كان عظيما ونبيلا ؛ لا يغني بالضرورة عن استشراف الآفاق البعيدة واستنطاق الحقائق من واقع  الممارسة  العملية الملموسة  التي لا تكذب .هذا التقييم بشكل عام ينمي   هواجس  خفية ، وبصرف النظر عن التحليل النظري ومدى الخطأ والصواب فإن  المؤكد أن هذه العملية الجريئة والرائعة بكل المقاييس ووفق كل المعايير والحسابات موجعة و لن ينج الاحتلال من آثارها وانعكاساتها الداخلية والخارجية؛ وبالتأكيد  لو جاءت في سياق آخر وظرف آخر ستكون تكلفتها أقل ومردودها أفضل، ولا حاجة للتذكير بأن مقاومة المحتل بكافة الوسائل  الكفاحية  بديهية أقرتها كافة  القوانين والمواثيق الدولية وتجربة الشعوب المناضلة في سبيل  الحرية والاستقلال وتقرير المصير ؛ بينما متى وكيف وتحت أي  عنوان وبرنامج نضالي مسألة خاضعة للتقدير والاجتهاد  في كل زمان ومكان .

وليس بالضرورة كل فعل كيفما كان ؛   أن يقدم المشروع  الوطني  خطوات للأمام هذا من ناحية ؛ ومن ناحية أخرى ما كان لشعب تحت الاحتلال ومحاصر من كافة الاتجاهات  أن تتوقف مقاومته  لحين تكتمل كافة الشروط التي تتطلبها حركة تحرر وطني  منتصرة ؛  هذه الإشكالية  تفرض على  محور المقاومة بكافة  مكوناته مهمة  إعادة ترتيب أوضاعه  في خضم  المعركة العسكرية  وعلى ضوء نتائجها السياسية و التي ستضيئ جوانب مازالت  يكتنفها الغموض ؛ وعدم ترحيل الأسئلة الاستراتيجية  و توسيع رقعة المواجهة  التي يراد تحجيمها لاتصالها الجوهري  باستراتيجية الانتصار  وأن  يتجه جهده  في ساحة المواجهة الرئيسة  بعد كل التضحيات والصمود الأسطوري نحو تعزيز مقوماتها وحماية مكتسباتها  الوطنية  التاريخية وعدم  التماهي مع مشاريع تقسيم الجغرافيا والتاريخ والمستقبل ؛ والاستفادة  من تخبط الاحتلال الذي فقد توازنه ؛ حيث  اليمين المتطرف وعلى رأسه نتنياهو المسكون بالخوف والقلق ليس على الكيان  الغاصب فحسب  بل على  مستقبله السياسي  ؛ والذي يتهرب من الملاحقة القانونية و الاستحقاقات الداخلية ؛  اعتبر هذه المعركة بمثابة   قضية شخصية ؛ ويبدو انتقلت إليه العدوى العربية المزمنة  وهذا بحد ذاته مكسبا ؛ وحيث الهبوط بالقضايا المصيرية إلى قضية فئوية ضيقة و فرض الخيارات  والمصالح  الذاتية على الكل الوطني سلما أو حربا ؛ مهما كانت   المسوغات والمبررات  حصادها مر . ومن المعروف بأن  محور المقاومة  الذي  يتمتع بقدر  عال من البرجماتية  لا تكمن قيمته  في قدراته المادية و العسكرية  فقط ؛  بل في تنوع أطرافه  و حاضنته  الشعبية الكبيرة وجلها يرجع لموقع ودور القوى التقدمية الثورية  التي تعطيه بعده التحرري في ظل تفشي النعرات  المذهبية المقيتة ؛ وحينما  يدخل هذا البعد  في حسابها بشكل جدي   ستتجلى  هويتها ودورها الطليعي بشكل أوضح في معادلات  الصراع  الفكرية والسياسية والعسكرية الشاملة    .