Menu

اشتراطات رئيس السلطة الفلسطينية لإنهاء الانقسام وكلفة الاستقواء بالرواية الصهيونية

عليان عليان

عليان عليان

خاص - بوابة الهدف

 

 

تابع العديد من المراقبين وأنا واحد منهم، الشروط التي طرحها رئيس السلطة الفلسطينية لإنهاء الانقسام ولتشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة تكنوقراط، وخرجت باستنتاج محدد إما أنه منفصل عن الواقع، ولم يسمع بحدوث معركة تاريخية  في السابع من أكتوبر تحت مسمى  "طوفان الأقصى"، معركة  أدمت  الكيان  الصهيوني الصعيد العسكري وعلى  الصعيد السياسي والمجتمعي، ووضعته لأول مرة منذ نشوئه في خانة الهزيمة الحقيقية، أو أنه  بات يصدق رواية  جيش العدو الكاذبة، التي يكررها الناطق باسمه " دانيال هغاري" بشأن انتصارات قوات الاحتلال في الميدان، وتفكيكها لقدرات حماس وفصائل المقاومة، دون أن يقرأ  أو  يستمع لحقائق المواجهة بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال،  بشأن انتصارات المقاومة في الميدان  التي يدلي بها  الناطقون باسم المقاومة.

وفي التقدير الموضوعي أنه في ضوء العدد الكبير من خلانه ومن مستشاريه، بات يصدق الرواية الصهيونية المأزومة، بأن قوات العدو فككت بنية حماس والمقاومة العسكرية، ولم يبق أمامها سوى أربع كتائب في مدينة رفح .

 وفات رئيس السلطة ومستشاروه  أن يدرك أن المقاومة بعد مرور خمسة شهور على الحرب العدوانية الصهيونية النازية على قطاع غزة، لا تزال تسيطر على الوضع في كافة محاور القطاع في الشمال والوسط والجنوب، ولا تزال يدها هي العليا ويد العدو هي السفلى.

 ولعل الانتصارات الهائلة، التي دفعت وزير الحرب الصهيوني " يو آف غالانت"  لأن يسحب قواته المهزومة من حي الزيتون في مدينة غزة، ولواء المظليين من محافظة خان يونس، بعد الخسائر الهائلة والجسيمة في صفوفها، هي التي دفعته لأن  يبدأ بتجرع  كأس  الهزيمة  المر  بقوله "إننا نواجه أصعب حرب منذ (75) عاماً"  ودفعت  زعيم المعارضة  "يائير لابيد" للتصريح " إن ( إسرائيل) باتت تواجه كارثة وطنية في ميدان القتال .

فالمقاومة لا تزال سيدة الموقف، والعدو الصهيوني يجر قواته جراً للقتال، بعد هزيمته التاريخية في  السابع من أكتوبر 2023، إذ أن هذه الهزيمة حفرت عميقاً في نفوس الجنود والضباط الصهاينة، وضربت حالتهم المعنوية، ومما زاد من تدهور الحالة المعنوية غرق قوات الاحتلال في كمائن المقاومة في قطاع غزة، واصطياد الجنود في حواري المدن وفي  المباني التي يهربون إليها.

الشروط التي طرحها رئيس  السلطة مؤخراً لإنهاء الانقسام، هي ذات  الشروط التي طرحها في اجتماع  الفصائل في مدينة العلمين بتاريخ (30) تموز  (يوليو) 2023  ورفضتها فصائل المقاومة، مضيفاً عليها شروطاً جديدة، ارتباطاً بتصديقه للرواية الصهيونية الرسمية بشأن مجريات الحرب، رغم تصريحات قيادات عسكرية وصهيونية سابقة وازنة مثل: الجنرال اسحق بريك ورئيس أركان  الحرب السابق  دان حالوتس، ورئيسا وزراء سابقين  "يهودا أولمرت  ويهودا براك) التي أكدت فشل  جيش الاحتلال في تحقيق الأهداف المتوخاه من الحرب، وأن الحرب تتم بدون  استراتيجية محددة، وأن  الجنود باتوا يغرقون يومياً في رمال غزة، وأن لا انتصاراً يلوح في الأفق.

رئيس السلطة يعلن بأن شروط استعادة الوحدة وإنهاء  الانقسام تكمن فيما يلي: نظام واحد وقانون واحد وسلاح واحد، رفض المقاومة العسكرية والاكتفاء بالمقاومة السلمية،  الالتزام ببرنامج منظمة التحرير ألخ .

وهذه الشروط في التحليل النهائي، تستهدف وأد المقاومة  المنتصرة، من خلال  الإصرار على ما يلي :

1-أن السلاح الوحيد هو سلاح أجهزة الأمن  التي من أبرز مهامها منع العمليات الفدائية والسهر على التنسيق الأمني.

2- أن المقاومة المسموح بها فقط المقاومة السلمية، التي تجرد شعبنا من وسائل الدفاع عن نفسه من هجمات قوات الاحتلال والمستوطنين المسلحين الذين يقتحمون بشكل يومي المدن والقرى الفلسطينية، ويطلقون النار على المواطنين ويتلفون مزروعاتهم .

3- الالتزام ببرنامج منظمة التحرير الذي يتضمن تفاصيل  وبنود اتفاق أوسلو (1) وأسلو (2) واتفاق باريس الاقتصادي، التي تضمنت الاعتراف بحق (اسرائيل) في الوجود ونبذ الإرهاب ( المقاومة) وشكلت غطاء للتهويد والاستيطان، ورحلت قضايا  الصراع الرئيسية لمفاوضات الحل النهائي ( القدس – اللاجئين – المستوطنات) دون إسنادها بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ومنحت  الكيان الصهيوني  الحق في السيطرة على  (60) في المائة من مساحة الضفة الغربية ( المنطقة ج) وفق اتفاق أوسلو (2) ووضعت الاقتصاد الفلسطيني في حالة تبعية للاقتصاد الصهيوني.

4الالتزام بسلطة واحدة ونظام واحد في الضفة والقطاع : وهذا الالتزام في الإطار النظري صحيح، لكنه  في السياق المطروح يعني أن تطبق السلطة في قطاع غزة ما تطبقه في الضفة الغربية، من حيث  التنسيق الأمني وتجريد القطاع من السلاح، والسهر على أمن الكيان الصهيوني، حيث جاءت استقالة حكومة رئيس وزراء السلطة محمد اشتية استجابة لمطلب الإدارة الأميركية، بشأن تجديد السلطة وتحسين أدائها، لتتولى إدارة القطاع في اليوم التالي لوقف الحرب .

وهذه الشروط باتت وراء ظهر المقاومة أكثر من الفترة السابقة، نعم باتت وراء ظهر شعبنا ووراء ظهر المقاومة بعد انتصار السابع من أكتوبر التاريخي، فمرحلة ما بعد (7) أكتوبر هي بالتأكيد  تختلف عن مرحلة ما قبل السابع من أكتوبر.

 وهذه المرحلة من تداعياتها: أنها نقلت  حقوق الشعب  الفلسطينية من دائرة الإمكانية التاريخية  إلى حيز الإمكانية الواقعية، وأعادت الاعتبار للقضية الفلسطينية،  وبرهنت أن  مسألة التحرير مسألة ممكنة، بعكس ما روج له دعاة  الاستسلام، وأنها غيرت وجه  العالم  وخلقت ثورة شعبية عالمية  منددة بالعدوان النازي  الصهيوني  على القطاع، وداعمة للمقاومة الفلسطينية، وللحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، وحررت الشعوب وخاصة في أوروبا والولايات المتحدة وكندا  وأستراليا  من الرواية الصهيونية،  ومن ضغوطات اللوبيات الصهيونية ومن المقولات الزائفة حول معاداة السامية، ناهيك أن موضوع الدولة الفلسطينية بات يطرح في سياق تكتيكي من قبل الدول الغربية بعد السابع من أكتوبر، بعد أن تجاهلته الإدارة الأمريكية على مدى عقدين من الزمن .

باختصار شديد: هذه الشروط لا تمت بصلة لأدبيات التحرر الوطني، ولا للميثاق الوطني الفلسطيني، ولا لتضحيات شعبنا  الهائلة، على صعيد آلاف الشهداء والجرحى ومئات الآلاف من الأسرى منذ عام 1967،  ولا تعكس معطيات مرحلة السابع من أكتوبر  التاريخية  التي تقتضي البناء على نتائجها، بإقامة وحدة وطنية تستند إلى برنامج كفاحي ونبذ خيار التسوية  الذي ألحق أكبر الضرر بالقضية الفلسطينية.