Menu

نهاية المشروع الصهيوني وتنامي المشروع الوطني الفلسطيني (الجزء الثامن عشر)

غسان أبو نجم

خاص - بوابة الهدف

 

 

كتب غسان نجم*

 

على ضوء هذا الوضع المأساوي العربي والفلسطيني عمد الاحتلال وبتخطيط أميركي ودعم غربي إلى التوسع في مشاريعه التطبيعية حيث تم طرح مشروع التطبيع الابراهيمي ووجهه السياسي صفقة القرن.

حيث عمدت وزارة الخارجية الأميركية إلى تمويل مؤتمر يضم ١٠٠ عالم وسياسي ورجال دين من مختلف الأديان تشرف عليه جامعة هارفارد لاختراع دين جديد بديلاً للأديان السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام، قائماً على المشترك الابراهيمي نسبة للنبي ابراهيم أبي الأنبياء. حيث تولى وليام أوري الأب الشرعي للمبادرة والذي عمل مساعداً للرئيس الأميركي جيمي كارتر خلال مفاوضات السلام في الشرق الأوسط حيث كلف في العام ٢٠٠٤ مجموعة من طلابه اختبار مفهوم النبي ابراهيم كشخصية دينية توحيدية تحمل مكونات كامنة يمكن التوحد خلفها وأُوفدت ستيفاني سالدانا إلى فلسطين لدراسة الفكرة وكانت النتائج أن هناك تقاطع بين النصوص الدينية المقدسة وهناك ترحيب من السكان بالضيوف الأجانب على ضوء هذه الدراسات والنتائج تم طرح هذا المشروع والذي تتبع مسار النبي ابراهيم والذي يمر بعشرة دول والذي يتقاطع مع مسار فرسان المعبد والمسار الصوفي التركي الذي يصل إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة ضمن مسار حج مشترك تحت شعار (معاً نصلي) حيث يبدأ المسار من حران في تركيا وينتهي في مدينة الخليل في فلسطين حيث دفن النبي ابراهيم حسب ما ورد في سفر التكوين وينطلق المسار من تركيا، سوريا، العراق، مصر، الأردن، لبنان، السعودية، وفلسطين.

واعتبر منظرو هذا المشروع أن المشترك الابراهيمي يعتبر اتباع الديانات السماوية الثلاث أفراد عائلة واحدة ويفرض هذا الفهم أن أي خلاف بين أتباع هذه الأديان يتم حله عبر الحوار بين هذه الكيانات التي ستكون بديلاً للدولة القومية التي حسب رؤيتهم أثبت فشلها في النهوض باقتصادها وحل مشكلاتها السياسية والاجتماعية. وتتولى هذه الكيانات مهمة تشكيل اتحادات كونفدرالية تكون القيادة فيها للدول التي تمتلك قدرات تكنولوجية كبيرة ومتقدمة حسب ما خلص إليه مركز أبحاث community change  التابع لجامعة فرجينيا.

ولأننا لا يمكننا الإحاطة بهذا المشروع في سياق مقالة صحفية، لذا سأتطرق للنتائج الخطيرة التي يفرضها هذا المشروع، وأنصح بالعودة للأبحاث التي أجرتها الدكتورة هبة جمال الدين حول المشترك الابراهيمي.

إن مشروع المشترك الابراهيمي لا يحمل وجهة دينية فقط، بل هي على هامش جوهر المشروع الذي يحمل وجهان هامان الأول الاقتصادي والثاني السياسي حيث يفرض هذا المشروع استحداث مسارات اقتصادية تتولى تطوير البنية الاقتصادية التي يمر بها هذا هذا المسار الديني وطرح مشاريع اقتصادية لتطوير البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية وربطها مع باقي الكيانات وتكون قيادة هذه الكيانات لتركيا والكيان الصهيوني الأكثر تطوراً ضمن دول المسار ويكون القرار فيها لهذه الدول، مما يفرض أن يكون القرار السياسي بيدها أيضاً. مما يعني خضوع الوطن العربي كاملاً لقيادة الكيان الصهيوني والإقليم أيضاً.

إن مخاطر هذا المشروع تكمن في التسليم بشرعية الاحتلال الصهيوني لفلسطين أولاً، وتدمير مقومات الأمة العربية وتفكيكها ضمن كيانات ثانياً، ويضع مقدرات هذه الأمة تحت إمرة الكيان الصهيوني واللص التركي الشريك الاستراتيجي له ثالثاً، ويرتبط الإقليم كاملاً بالامبريالية العالمية ورأس الشر العالمي تحديداً، مما يعني القضاء المطلق على المشروع الوطني الفلسطيني والمشروع النهضوي القومي العربي وتحقيق التمدد السرطاني للمشروع الصهيوني في العالم العربي وهذا ما أسماه قادة رأس الشر العالمي بصفقة القرن. لقد حاولت (رأس الشر) العالمي جاهدة لفرض هذا المشروع بعد فرضها مشروع الشرق الأوسط الجديد، وإحداث الفوضى الخلاقة، وتدميرها العديد من الدول العربية، ليبيا، مصر، وتونس بعد تدمير العراق في حرب قائمة على كذبة كبرى، وتدمير الوطن السوري الذي تصدى لهذه الصفقة بحجة انتهاكات لحقوق الإنسان وحرية المواطن السوري وفرض حصار غير معلن على لبنان والأردن و مصر بهدف إفقارهم بوصفهم دولاً محيطة بالكيان الصهيوني الذي يتم دعمه عسكرياً ومالياً للحفاظ على تفوقه الاقتصادي والعسكري، لضمان هيمنته على الإقليم، وبقاء الدول العربية منهكة اقتصادياً وتابعة سياسياً لـ(رأس الشر العالمي) وتنفذ ما يُطلب منها لخدمة المشروع الصهيوني والذي سنتعرض له لاحقا.

يتبع...

 

*كاتب فلسطيني