Menu

في الرد الإيراني وتداعياته

راسم عبيدات

خاص - بوابة الهدف

 

 

كتب راسم عبيدات*

 

تحليل أولي

قلنا بأن الرد الإيراني له علاقة بالكرامة الوطنية والسيادة والردع، وقرار الرد على القصف "الإسرائيلي" للقنصلية الإيرانية في دمشق ومقتل عدد من قادة الحرس الثوري الإيراني، في المقدمة منهم قائد فيلق القدس في سوريا ولبنان الجنرال محمد رضا زاهدي، شكل بالنسبة لطهران تجاوزاً لكل الخطوط الحمر، ويعبر عن تحدي لإيران في هيبتها ومصداقيتها والثقة بها من قبل الجماهير الإيرانية أولاً وحلفائها وأصدقائها في المنطقة والإقليم. وكذلك، هذا يتصل بعامل الردع وخلق قواعد اشتباك جديدة، لا تسمح بها إيران. ولذلك الرد المتخذ من أعلى مرجع ديني وعسكري ممثلاً بالإمام الأكبر علي خامينئي، كان ينتظر تحديد المكان والوقت وحجم الرد. والرد كانت إيران حريصة على أن يكون من داخل الأراضي الإيرانية باتجاه "إسرائيل"، وليس عبر حلفائها في المنطقة، للتاكيد على أن إيران قوة إقليمية قادرة أن تفرض معادلات في المنطقة، وأن ترد من داخل الأراضي الإيرانية، ولذلك جاء الرد بالقصف لمناطق واسعة في "إسرائيل" ممتدة من النقب وديمونا وإيلات إلى الضفة الغربية "المستوطنات المنتشرة عليها" ومناطق الوسط تل أبيب وغوش دان وغيرها من المناطق الأخرى، حيث استخدم في القصف أكثر من 200 مسيرة وصاروخ من طراز كروز وصواريخ مجنحة، يبدو أنها التي أصابت القاعدة العسكرية في النقب وأحدثت بها دماراً كبيراً. عمليات القصف والاستهداف والرد الإيرانية، قالت بشكل واضح إذا كانت "إسرائيل" تعتقد بأنها "البقرة المقدسة" التي لا تمس والمحمية بأنظمة دفاعية أميركية وأوروبية غربية وحزام أمني من قبل دول عربية وظيفية، فهذا لن يمنع إيران من الرد، بل إيران وجهت تحذيرات مباشرة إلى اميركا بعدم التدخل وإلا فإن قواعدها في الدول العربية من الخليج حتى سوريا والعراق ستتعرض للقصف. وكذلك حذرت تلك الدول المتواجدة فيها القواعد الأميركية بالاستهداف إذا ما سمحت لأميركا باستخدامها في العدوان على طهران. الرد الإيراني سيكون له تداعيات سياسية ونفسية كبيرة في داخل "إسرائيل"، فعلى الجانب النفسي، وفي ظل حالة الاستنفار الكبير التي عاشها المجتمع "الإسرائيلي"، واستنزاف الأعصاب، وحالة الهلع والخوف والاستنفار، وما رفقها من حالة تخبط وإرباك كبيرين على المستوى القيادي العسكري والأمني والسياسي والحكومي "الإسرائيلي"، والتي قالت بأن قوة الردع التي يتحدث عنها نتنياهو وقادة حكومته، لم يجر استعادتها بل تصاب بالمزيد من التأكل، حيث الاستنجاد بأميركا ودول الغرب الأوروبي من أجل المشاركة في الدفاع عنها، ناهيك عن فقدان ثقة المجتمع "الإسرائيلي" بقدرات المؤسسة الأمنية والعسكرية بتوفير الأمن والأمان لهذا المجتمع على المستوى الفردي والعام، ولذلك هذا الرد سيحفر عميقاً في وعيهم ونفسياتهم، وسيضعهم أمام سؤال كبير، حول جدوى استمرار وجدوهم في هذه الدولة، غير القادرة على حمايتهم، وهي لم تعد بلد استقرار واستثمار، ولذلك سيبحثون عن ملاذ آمن لهم واستقرار خارجها. وبالمقابل هذا الرد الإيراني وبغض النظر عن تأثيراته العسكرية، لكنه سيشكل رافعة كبيرة  للحالة المعنوية عند الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لعدوان مستمر ومتواصل على قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، وكذلك تأكيد على أن هناك وحدة ساحات بالفعل والممارسة وليس على مستوى الشعار والتنظير، وفي التداعيات السياسية هذا الرد سيجبر نتنياهو عن النزول عن الشجرة، وربما إذا ما استمر في عناده وعنجهيته، فإن رحيله وغيابه عن المشهد السياسي لن يكون بعيداً، فهو أراد توسيع الحرب حماية لمستقبله الشخصي والسياسي وخلط الأوراق وتوريط أميركا في حرب لا تريدها، والرد الإيراني أيضاً سيعزز من حدة الانقسامات والخلافات "الإسرائيلية" في كافة المستويات عسكرية وأمنية وسياسية، وخاصة بأن هناك اتهامات وجهتها وسائل الإعلام وقيادات عسكرية وأمنية حالية وسابقة لنتنياهو بأنه جبان ومذعور وخائف وأناني  ومتعجرف ويقود "إسرائيل" نحو الهاوية خدمة لمصالحه الخاصة .

إيران في ردها قالت بشكل واضح بأنها قوة إقليمية أولى وكبرى في المنطقة، وقادرة أن تفرض شروطها ومعادلاتها، وهي لا تتسامح ضد أي عدوان أو مس بقادتها ومنشأتها والعبث بأمنها واستقرارها، داخل الأراضي الإيرانية وخارجها، وستعاقب كل من يستهدفها ويستهدف وجودها في المنطقة والإقليم.

وشاهدنا كيف بدأ ردها بالاستيلاء على سفينة مملوكة لرجل الأعمال "الإسرائيلي" إيال عوفر، في مضيق هرمز وجرها إلى المياه الإقليمية الإيرانية. واستهداف تلك السفينة التي كانت متجهة من الإمارات إلى الهند، رسالة واضحة من طهران بأنها ستقطع وتغلق الطريق البري لنقل البضائع  إلى "إسرائيل" من الهند فإلى العديد من دول الخليج العربي فميناء حيفا، بعد أن نجحت  جماعة "أنصار الله" اليمنية في إغلاق البحر الأحمر أمام السفن التجارية "الإسرائيلية" أو المرتبطة بها، ووسعت ذلك بعد تشكيل أميركا لما يعرف بـ"حارس الإزدهار"، تحت حجج وذراع حماية أمن وسلامة الملاحة البحرية وضمان خطوط الطاقة، وقيامها بشن غارات عدوانية مشتركة مع بريطانيا على أهداف يمنية، دفعت ب اليمن إلى استهداف السفن الأميركية والبريطانية، وكذلك بوارجها ومدمراتها، ووسعت هذا الاستهداف ليصل إلى المحيط الهندي ورأس الرجاء الصالح.

الرد الإيراني والذي على ما يبدو بأن واشنطن ستلجم نتنياهو من الرد عليه، حتى لا تتسع رقعة الحرب وتتحول إلى حرب إقليمية، ربما يقود إلى تفاوض على حافة الهاوية بين إيران وأميركا، أي فتح آفاق لحلول سياسية شاملة،                                     تبدأ بوقف إطلاق النار على الجبهة الفلسطينية مروراً بالجبهة الشمالية وجبهات سوريا والعراق والبحر الأحمر. وإذا لم تقم أميركا بلجم نتنياهو ومنع تهوره وحماقته، وفشل الحل السياسي، فالمنطقة ستكون أمام حرب إقليمية شاملة، ولربما أوسع من ذلك في ظل المواقف التي عبرت عنها روسيا وكوريا الشمالية، التي تدرك الخطر على أمنها واستقرارها ومصالحها الاستراتيجية، إذا ما تدخلت أميركا وأوروبا الغربية لتشارك "إسرائيل" في العدوان على إيران، فإنها ستقف عسكرياً إلى جانب إيران.

المنطقة مفتوحة على كافة الخيارات وطهران قالت بأن المرحلة الأولى من الرد والتي عنونها المرشد الأعلى الإمام علي خامينئي بالانتقام قد انتهت، وإذا ما ردت "إسرائيل" ستكون هناك مراحل ثانية وثالثة ورابعة.

 

*كاتب سياسي فلسطيني