Menu

تحليلالحرب مستمرة ومرشحة للتصاعد على جبهتي الشمال والضفة

راسم عبيدات

راسم عبيدات

خاص - بوابة الهدف

كتب راسم عبيدات*

بداية حتى يتم حسم الجدل وقضايا "الفنتازيا "الكلامية والببروغندا" والصخب الإعلامي حول وجود خلافات "إسرائيلية" - أميركية حول الحرب المتوحشة التي تشن على شعبنا في قطاع غزة، علينا أن ندرك بأن صاحبة مشروع هذه الحرب هي أميركا، وهي من تقودها عسكرياً وأمنياً على شعبنا في قطاع غزة، وبأن الخلافات الأميركية - "الإسرائيلية"، مهما تعاظمت فهي تجري في الإطار التكتيكي، وتحت سقف مرسوم ومحدد من قبل الدولة العميقة الأميركية، وفي إطار سيطرة الصهيونية العالمية على القرار الأميركي - "الإسرائيلي" وتحت سقف "أميركا صهيونية" و"إسرائيل" قاعدة متقدمة لأميركا في المنطقة لحماية وخدمة مصالحها الاستراتيجية، وهي الحليف الموثوق، "ولا يمكن لأميركا أن تثق بدول تابعة من الدول الوظيفية العربية من "الشرق المتوحش".

وحتى نقرب الصورة إلى الذهن وندعمها بقراءة دقيقة، ضمن الإنتفاضة "الطالبية" التي تجري وتتصاعد في الجامعات الأميركية وانتقلت منها إلى الجامعات الأوروبية الغربية، شاهدنا شدة القمع والتوحش التي تعاملت به شرطة "الغرب المتحضر" مع طلبة الجامعات وهيئاتها التدريسية، ورأت في تلك الانتفاضة تهديداً لأمنها القومي، وبالمناسبة هي خاضت حربها على شعبنا في قطاع غزة، تحت شعارحماية أمنها القومي. وكذلك حكومة ودولة الإحتلال بكل أركانها وأجهزتها شاركت وتشارك في الحملة على الانتفاضة الطالبية، وتعتبرها شكل من أشكال العنصرية واللاسامية في شعاراتها، وخاصة شعارها الاستراتيجي " فلسطين من النهر إلى البحر ستتحرر"، وهذا استدعى عقد جلسة للكونغرس الأميركي، لكي يعتبر هذا الشعار لا سامي، يُجَرَّم ويُدان من يرفعه أو يقوله. وكذلك على صعيد مطلبها التكتيكي، بالمقاطعة وفك الشراكات مع المؤسسات التعليمية والأكاديمية "الإٍسرائيلية"، وكذلك المقاطعة الاقتصادية للشركات والمؤسسات التي تستثمر أموالها في "إسرائيل" والمستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية، وبالنظر لخطورة مثل هذه التظاهرات وما لها من تداعيات عميقة على المجتمع الأميركي، والتفكير السياسي للشباب وإنهاء السيطرة الإعلامية والثقافية للصهيونية العالمية على تلك المؤسسات، التي يشكل طلبتها النخبة والصفوة في تولى مفاصل القرار السياسي والاقتصادي الأميركي المستقبلي، عقد الكونغرس الأميركي جلسة استجواب لرئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق والتي اختارت لدونيتها اسماً لها "مينوش" التي لم يشفع لها موقفها السلبي المعادي للاحتجاجات، ربما لأنها من أصول شرقية (مصرية) ليتم سؤالها إن كانت تعلم بميثاق الرب مع ابراهيم حول مباركة (إسرائيل) وإن مباركة (إسرائيل) هي الطريق لمباركة الرب وإن عدم مباركتها أمر يؤدي إلى إغضابه وحلول لعناته وإن من وظيفة رئيسة الجامعة العمل على أن لا تكون تلك الجامعة ملعونة بإرادة ربانية.

لا توجد خلافات في داخل دولة الاحتلال حول الحرب، بل هي خلافات تتعلق بالتفاصيل، ومدى قدرة وكفاءة الحكومة الحالية على إدارتها ولا خلاف مع الأميركي حول معركة رفح، بل الخلاف يتمحور حول خطط التنفيذ وإعداد القتلى من المدنيين. والحرب من وجهة نظري في طريقها للاتساع وخاصة على الجبهة الشمالية، والتي باتت تشكل صداعاً دائماً لدولة الاحتلال، ويبدو بأن كل الوساطات والضغوط وحملات الترهيب والترغيب، لم تثمر في دفع حزب الله اللبناني، لتبريد الجبهة أو فك ارتباطها بقطاع غزة، وهي كذلك لم تفلح في عودة عشرات الآلاف المستوطنين المهجرين قسراً وطواعية من مستوطناتهم الشمالية. ولذلك لا خيار سوى استمرار الجبهة في قتالها العنيف، بعيداً عن المجابهة الشاملة، قبل الانتهاء من جبهتي قطاع غزة والضفة الغربية، فجيش الاحتلال بعد حالة التأكل والتراجع في قدراته وما يشهده من إنهاك في معنوياته واستعداداته في الحرب التي يخوضها في القطاع منذ مئتي وعشرة أيام، دفعت به إلى المزيد من الأزمات والتفكك والاستقالات على خلفية الفشل الأمني والاستخباري في معركة السابع من أكتوبر، استقالات طالت قيادات عسكرية وازنة، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية والأمنية "أمان"، أهارون حليفا، وسبقه في تلك الاستقالة، استقالة رئيس قسم لواء الأبحاث في جيش الاحتلال، عميت ساغر والناطق الرسمي لوسائل الإعلام الأجنبية في ذلك الجيش، وأيضاً استقالة قائد المنطقة الوسطى  يهودا فوكس وصولاً إلى استقالة أربعة عمداء ميدانيين، وكذلك تصريحات رئيس أركان جيش الاحتلال هيرتسي هليفي، بأنه سيستقيل حال توقف الحرب في قطاع غزة.

مشروع هذه الحكومة في الضفة الغربية، والتي تشهد تصعيد احتلالي غير مسبوق من قبل جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية، وكذلك إطلاق يد المستوطنين، لتنفيذ اعتداءات ممنهجة بحق المدنيين الفلسطينيين في القرى والبلدات الفلسطينية على طول وعرض الضفة الغربية، بغرض ضم أكبر مساحة ممكنة من أراضيها لدولة الاحتلال، وطرد وتهجير أكبر عدد من السكان الفلسطينيين، وخاصة من المناطق الشرقية في الضفة الغربية، وحشرهم في معازل، ومصادرة أراضيهم ومصادر رزقهم كما يحدث في في الأغوار، ومسافر يطا وبادية القدس وعرب الرشايدة وغيرها من الأرياف الفلسطينية.

من يعتقد بأن هذه الحرب ستتوقف فهو واهم، فتوقف هذه الحرب الآن يعني هزيمة "إسرائيل" وبالتالي هزيمة أميركا، ولذلك ما يجعل أميركا تستميت من أجل أن يكون هناك صفقة تبادل وعقد هدنة مؤقتة، هو السعي لـ"تبريد" حدة "الانتفاضة" الطالبية التي اجتاحت جامعاتها، وكذلك سقوط آلاف القتلى من المدنيين في معركة رفح وفق التصور "الإسرائيلي"، سيعمق من تلطيخ صورة أميركا الملطخة حول شراكتها لدولة الاحتلال في الحرب الإجرامية التي تشن على شعبنا في القطاع، وكذلك المخاوف الكبيرة من أن تصدر محكمة الجنايات الدولية، أوامر اعتقال بحق قادة "إسرائيل" نتنياهو وغالانت وهليفي، واعتبارهم مجرمي حرب، وأيضاً الخوف من أن تقدم الأمم المتحدة على إدارج "إسرائيل" على اللائحة السوداء إلى جانب الدول والحركات الإرهابية من أمثال داعش وبكو حرام وغيرها.

الحرب من وجهة نظري مستمرة، فكل ما هو مطروح على المقاومة الفلسطينية من قبل الإدارة الأميركية وما يسميه اليهودي بلينكن وتابعه كاميرون وزير الخارجية البريطاني، من ما يعرف بالعروض "السخية" و"الذكية" التي يجب على حماس والمقاومة أن تستغلها، ويجري تجنيد الدول العربية الوظيفية من أجل الضغط على حماس والمقاومة لقبولها، لا يتعدى الهدن المؤقتة واستعادة الأسرى "الإسرائيليين" مع توسيع إدخال المساعدات الإنسانية غذائية وطبية ومحروقات للقطاع، فالهدوء المستدام لا يعني وقفاً لإطلاق النار ولا فك حصار ولا انسحاب شامل ولا التزام بإعادة الإعمار، بل ما لم يستطع نتنياهو وحكومته  الحصول عليه في الحرب، يريدون الحصول عليه بالمفاوضات، نزع سلاح المقاومة، وبقاء جيش الاحتلال في مناطق محددة في القطاع وإدارة المعابر وترحيل قادة المقاومة وبالتحديد قادة كتائب القسام.

استناداً إلى ذلك أقول بأن الحرب مستمرة ومتواصلة، والمقاومة التي دفعت كل هذه التضحيات، في اعتقادي من المستبعد أن توافق على مثل هذه الصفقات، فهي تدرك المقاصد والمرامي الخبيثة لمثل هذه الأطروحات، ولو أن هناك من عربان دول النظام الرسمي العربي والسداسية العربية، من يستفيق من غيبوبته السياسية وانفصاله عن الواقع لأدرك حقائق الموقف الأميركي والأوروبي الغربي، فعندما يرد بلينكن في السعودية على ما طرحته عليه السداسية العربية، من رسم خارطة طريق لإقامة دولة فلسطينية خلال ثلاث سنوات، والقول لهم بان إقامة الدولة الفلسطينية فقط من خلال موافقة "اسرائيل" عليها وبشروطها، لقالوا له بصوت واحد: "ارحل"، وكما يقول المأثور الشعبي "درب تسد وما ترد".

 

*كاتب سياسي فلسطيني