Menu

ماذا بعد النكبة؟

ثائر أبو عياش

إذن النكبة لم تتوقف، هكذا يقول الكاتب الفلسطيني مروان عبد العال في مقابلته مع جريدة نداء الوطن¹، وإلى صلب العنوان مباشرة، ماذا بعد النكبة؟، هنا تقول الإجابة، إذا لم يكن الانتصار هو إكسير الحرب، حتمًا استمرار الحرب، أو الهزيمة، وعن الأخيرة بات واضحًا أنها شُطبت من دفتر المعاناة، والتجويع، والابادة، والمجازر ما بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، إذ على عنق الوطن تُعلق الكثير من الحكايات التي ترفض الهزيمة ، ولكن من زاوية ليست بعيدة عن النكبة، يبقى السؤال، "ماذا بعد الحرب؟"، إذ هو السؤال الأكثر إلحاحًا الآن، القصد كم من الوقت سيبقى الاحتلال؟، إذ هنا الشعب الفلسطيني بحاجة إلى حساب هذه الكلفة، حيثُ المعادلة هنا تعني كم من الدم سيدفع الشعب الفلسطيني من أجل تحقق النصر المعّجل².

إذن، يقول الكاتب والروائي الفلسطيني: " النكبة مستمرة، أساسًا، ولا مرة تعاطيت مع ما يحدث على أنه غير مستمر، النكبة لم تتوقف!"، القصد هنا أنّ الحرب لم تتوقف أبدًا، والمخيم لم يتوقف كذلك، وفي ذات المقابلة يتحدث عبد العال على أننا نشهد فصلًا جديدًا من فصول النكبة اسمه التطهير العرقي في غزة، بل واسمه محو تاريخ الشعب الفلسطيني على الصعيد الثقافي، والسياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والنفسي، ولكن التاريخ الثقافي هو الأهم، هذا ما يحاول مروان عبد العال التركيز عليه، إذ يقول عبد العال هنا: " احتلال الأرض أسهل علينا من احتلال ثقافتنا، فإذا احتلوا ثقافتنا احتلوا عقلنا وإرادتنا وأصبحوا قادرين على السيطرة على المجتمع كله".

انطلاقًا من المناقشة السابقة، يقول الفيلسوف افلاطون: " قبل أن تقول المصطلح عليك تعريفه"، وعليه ربما علينا أنّ نسأل " ما هي النكبة؟"، أو أكثر ما هي الحرب؟، إذ الأخيرة تمتص الكائن وتقوم بصهره وتذوبيه تحديدًا على الصعيد النفسي، وبالعودة إلى النكبة، يبقى السؤال " هل هي الشتات، أم الاحتلال، أم...؟، وعن الإجابة تبقى النكبة هي التعبير المكثف عن العيش دون وطن، ذلك الوطن الذي قال فيه غسان كنفاني في تعريفه "إلا يحدث ذلك كله"، ولربما كان يقصد غسان هنا هو إلا يكون الاحتلال اولًا، الاحتلال أبدًا، حيثُ وجود هذا الاحتلال يعني استمرار النكبة التي قال فيها الشاعر الفلسطيني محمود درويش: " إن المعنى الذى يفهمه الفلسطينيون لتلك الحرب _النكبة 1948_يتمثل في تعرضهم لعملية اقتلاع كبرى، وفى تحويلهم إلى لاجئين في بلادهم وخارجها، وفى محاولة طردهم من الوجود والهواء والفضاء، بعد احتلال أرضهم وتاريخهم، ولتحويلهم من كينونة صريحة في الزمان والمكان إلى فائض من أشباح منفى خارج الزمان والمكان³".

من جديد، ماذا بعد النكبة؟، وبالعودة مجددًا إلى الكاتب مروان عبد العال، إذ يقول عبد العال: " الفضاء الفلسطيني بات يتشكّل من خمس جغرافيات، وبات ذلك أمرًا واقعًا، شئنا أم أبينا. لقد وُجد ذلك قسرًا بشروط موضوعية فرضت علينا. فلسنا شعبًا يقيم في أرضه، بل في السجون، والضفة الغربية، وقطاع غزة، والأرض المحتلة في 1948، والشتات، ويكمل عبد العال يقول لجريدة نداء الوطن:"هذا تنوّع يكمّل الصورة ويجب الاحتفاء به وحمايته"، وعليه يُفند عبد العال حالة الحرب التي انتجت هذا الواقع الخماسي، ولكن هناك سؤال يتصادم مع الوعي،  إذ يقول السؤال: "لماذا مروان عبد العال هنا يُطالب أن نُحافظ على هذا الواقع وحمايته، هل لأنه أرشيف الاستعمار على أرض فلسطين، أم لأنه تاريخ الشعب الفلسطيني، وقضيته؟، أما بخصوص الإجابة لنتركها لمروان عبد العال الذي يعيش الشتات الفلسطيني ليُجيب عليه.

لا بأس إذًا، نعود إلى رواية غسان كنفاني "عائد إلى حيفا"، حيثُ في هذه الرواية يُحدثنا كنفاني عن الحرب على لسان سعيد، إذ يقول غسان أنّ الحرب هي التي من خلالها نسترد حيفا التي من هنا بدأت، وأكثر حيفا التي هي فلسطين بالنسبة لغسان، ونسترد البيت المحتل ، وخلدون الذي أصبح دوف، بل ونسترد الزمن الحقيقي بدلًا من الزمن الموازي الذي حدثنا عنه الشهيد وليد دقة، ولكن هذا الاسترداد قد يحتاج مئة عام فأكثر بحسب قول الراحل جورج حبش ، إذ جورج لم يكن يُمارس الكذب على الجماهير، ولكنها 100 عام، وربما أكثر، وقد أنقضى منها 75 عامًا، إذًا القضية هي الوقت، والوقت هنا لا يُحسب بالزمن، فالوقت بالنسبة للشعب الفلسطيني ليس مجرد عقارب تدور في فلك الساعة، بل هو معاناة الأسير داخل السجن، ومعاناة الشعب الفلسطيني في غزة، والأسرلة في الأراضي المحتلة عام 1948، وكي الوعي، والمجازر، والابادة...، القصد هو الوقت الذي يُحسب بالمعاناة، لا بالدقائق، والثواني، والساعات.

الهدية في هذا النص تقول: إذا النكبة مستمرة يعني الحرب مستمرة، والتجويع، والابادة، والمجازر، والتشريد، والقهر، والظلم، والخيمة، والمخيم، والسجن... كلها أشياء مستمرة، ولكن كم مرة إذًا نحن بحاجة أنَ نُمارس الحرب حتى نتجاوز عتبة الاحتلال، كم قرار، وكم سقوط، وكم خيانة، وكم لحظة قهر، وسخط على الذات، وصعود الألم من أسفل البطن إلى الرأس، وكم معركة، وكم ...؟، كلها أشياء بات من الضروري أنّ تُحسب بشكلٍ عاجل، حتى لا يمر التاريخ ونحن داخل الحرب، فالكلفة هنا هي الوقت الذي قمنا بتعريفه في الفقرة السابقة، وأكثر الحياة بكل تفاصيلها، وهنا الوقت تحديدًا لا ينتظر أحدًا، ولتذكير إنَّ الوقت يتوقف للحظات خاطفة عند بعض المحطات المختلفة عبر التاريخ، ولكنه يستمر في السير بشكلٍ جنوني نحو المحطة القادمة، لذلك يحتاج هذا الحمل الثقيل إلى حساب كما قلنا سابقًا، لأن الاحتلال يسعى لاستمرار النكبة، أما الشعب الفلسطيني عليه أنّ يعمل لا يحلم حتى يستطيع نفي فعل الاستمرار عن النكبة.
__________
¹. حوار مروان عبد العال مع جريدة نداء الوطن، 3 مايو 2024. الذاكرة الفلسطينية بحاجة إلى تجديد كي لا تصدأ، بوابة الهدف الإخبارية، https://hadfnews.ps/.
². عبد العال، مروان، 5 فبراير 2024. عبور النصر المُعجّل إلى النصر المؤجّل، بوابة الهدف الإخبارية، https://hadfnews.ps/.
³. درويش، محمود، 9 مايو 2001. رسالة الشعب الفلسطيني في ذكرى النكبة، المصري اليوم، https://www.almasryalyoum.com/news/details/1290879.