Menu

بنبرة يمانية صادقة "لا الأمريكي ولا الفضائي يقدر لنا"

حسين الغلبان

مظاهرات دعما للشعب الفلسطيني، أرشيف

بيروت

لصابر الغزاوي وأخيه زاهر العيتاوي، أخٌ يماني اسمه في الهوية شاكر، لكن في قريته وكل من حوله ينادونه "وضاح"، كان وضاح هذا الشاب العشريني يسير بخطواته على ذاك الطريق الجبلي المؤدي الى داره، وعلى كتفه الأيمن تلك البندقية التي أهداها له والده. يضعها كأنها جزء من جسده، مقدمتها تعانق كف يده اليمنى. 

في كل يوم، كان وضاح يصعد تلك الجبال الوعرة، عائداً إلى منزله المتواضع الذي يتناثر من حوله شبابيك في كل اتجاه، كأنه شجرة عريقة تتنفس فوق أحد جبال ذمار. وبينما كان يسير بقدميه في تلك الرحلة اليومية، كانت عينيه ترى السلاسل الجبلية التي تحتضن قريته الشامخة، أما داخل عقله فقد كان يحلق في فضاء من الحكمة التي ورثها من هذه التلال الخضراء وأغصان الشجر وأحاديث الأجداد. كان يردد في أعماقه تلك الكلمات: "جاهد يجاهد مجاهد جهاد"، انها كلمات عربية تحمل معنى التضحية لأجل الهدف. تساءل مع نفسه: كيف لنا أن ندعي الحرية إذا كنا ممنوعين من استخدام لغتنا وكلماتنا؟ هل أمريكا، التي تَدَّعِي الدِّيمُقْرَاطِيَّةَ، تريد أن تسرق منا حتى حق استخدام الكلام؟ يا إلهي ما هذا الذي يدور في داخل رأس هذا الأمير اليماني.

وفي خضم هذه الأفكار العميقة، ما لبث أن انعطف سالم بسيارته النصف نقل بين انحناءات الجبل الوعرة، حتى شق صوت زموره سكون محافظة ذمار كلها، منادياً وضاح: "يلا، اركب معي!".

سالم اليماني، ذلك الرجل الذي يحمل في عينيه تلك الروح اليمانية، يجاهد في الحياة بصمت كما يجاهد وضاح في فكره، يحلم بأن يعيش بكرامة، شامخاً كجدران بيته الذي يعلو قمة أحد جبال عتمة. وعلى النقيض، يوجد لسالم أخ عربي يدعى أيضاً سالم، ويعمل في مطارٍ في إحدى الدول، يجلس كل يوم خلف مكتبه، يختم جوازات المسافرين في روتين ممل. كان سالم اليماني يعيش بحلم أكبر؛ وبينما يجلس على كرسيه الذي يئن تحت ثقل الزمن، كان يتأمل في "الكود الإنساني" المزروع في جينات البشر، ويرى أن إحياءه يبدأ عند الاعتداء على النفس البريئة. فمن يقتل تلك النفس هو منبع الشر، ومن يدافع عنها يصبح مغناطيس العدل بل محور الحق.

بينما كان وضاح يغرق في أفكاره العميقة، صرخ فجأة بنبرة يمانية: "لا، لا الأمريكي!"، فرد عليه سالم بابتسامة صادقة، وكأنه فهم كل ما في داخله: "ولا حتى للفضائي يقدر لنا".

وفي تلك اللحظة، استذكر وضاح ذاك الحلف القديم بين الشام واليمن، حلف الشتاء والصيف الذي خلده القرآن. لقد كان يؤمن أن مفتاح النهوض بالشرق الأوسط، والخلاص من كل أشكال الاستعمار، يكمن في إعادة إحياء ذلك الحلف المقدس. ربما الآن هو الوقت المناسب لإدارة الصراع من قلب بيت القرار اليماني، ذلك البيت الذي يظل شامخاً، ممتلئاً بالحكمة والعقل. وضاح، الذي يسكن في قمم الجبال بروحه الحرة، يمثل تلك الأمة العريقة التي امتد تاريخها عبر البحار، ليتغنى سلاطين الجزر الاسيوية بأصولهم اليمانية حتى عصرنا الراهن، متباهين بأجداد وضاح الذين جابوا الآفاق حاملين راية الكرامة والحكمة.