يشدد الاحتلال "الإسرائيلي" الخناق على الاقتصاد الفلسطيني، إذّ دعا مؤخرًا رئيس وزراء الاحتلال "نتنياهو" ووزير ماليته "بتسلئيل سموتريتش" إلى إلغاء الورقة النقدية من فئة (200 شيكل) بذريعة مكافحة "المال الأسود" المكتسب من أنشطة غير قانونية للمنظمات الإجرامية، ما يضع مليارات الشواكل المتكدسة في البنوك الفلسطينية أمام خطر تعنت البنوك "الإسرائيلية" في استقبال الشيكل من البنوك العاملة بها.
ووفقًا لبيانات سلطة النقد الفلسطينية، فإنّ الكميات التي تتكدس سنويًا لدى القطاع المصرفي الفلسطيني تفوق 18 مليار شيكل أي ما يعادل (5 مليارات دولار)، بينما تجاوزت في السنوات القليلة الماضية حاجز 22 مليار شيكل (6 مليارات دولار)، ما جعل النقد تحذر من تداعيات استمرار امتناع "إسرائيل" عن استقبال الشيكل المتراكم لدى البنوك العاملة في الأسواق الفلسطينية.
وحتى عشية حرب الاحتلال على غزة قبل نحو عام، كانت سلطة النقد وبنوك "إسرائيلية" تنسقان لتحويل الكتلة النقدية الفائضة، بمتوسط ربع سنوي يبلغ تقريبًا 4 مليارات شيكل أي ما يعادل ( 1.5 مليار دولار).
ويعتبر الشيكل المكون الأساسي لوسائل الدفع في الأسواق الفلسطينية، وهو العملة المعتمدة إلى جانب الدولار الأمريكي والدينار الأردني، وفق بروتوكول "باريس الاقتصادية" الموقع عام 1994م بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.
زيادة إيرادات الاحتلال
في غضون ذلك، يؤكد رئيس قسم الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية الدكتور نائل موسى، إنّ "فكرة إلغاء الورقة النقدية من شأنه أنّ يؤدي إلى زيادة في إيرادات الاحتلال بما يزيد عن 20 مليار شيكل في عام واحد فئة 200شيكل والتي تمثل غالبية الأوراق النقدية المستخدمة لدى الاحتلال لتجميع النقود، وهو مبلغ دراماتيكي للغاية في الوضع المالي الإشكالي الذي يجد فيه الاحتلال نفسه حاليًا بسبب الحرب، إلى جانب أسعار الفائدة المرتفعة، وخفض التصنيف الائتماني".
ويقول موسى، خلال حديثه مع "بوابة الهدف الإخبارية"، إنّ "عملية إلغاء الأوراق النقدية، لا تتم في ساعات قليلة، بل تبدأ بعملية الإضفاء أي دخول الأوراق أو القطع النقدية المراد إلغاءها إلى البنوك ولا تخرج في مدة زمنية محددة، وحين انقضاء مدة الإضفاء تظهر العملة البديلة والجديدة في الأسواق المالية والمصرفية ويبدأ تداولها على نطاق واسع"، مضيفًا أنّ الاقتصاد الفلسطيني يتخوف من عدم قبول بنوك الاحتلال بالعملة المُلغاة المتكدسة في البنوك الفلسطينية، ففي الضفة يرفض الاحتلال استبدال الشيكل كل فترة بعملات أجنبية صعبة، ما يعرض الفلسطينيين لفقدان قيمة نقودهم.
طلب حاد على الدولار
ويوضَح موسى، أنّ "المؤشرات المصرفية للاحتلال تظهر أنّ هناك زيادة حادة في طلبات إيداع أو صرف أو تحويل الأوراق المالية من فئة 200 شيكل إلى العملات الأجنبية، لدرجة أنّ الكثير من الصرافات نفدت منها العملة الأمريكية (الدولار)"، مشيرًا إلى أنّ "مجموع الأموال النقدية في أيدي الجهور 132 مليار شيكل أي حوالي (35 مليار دولار)، ما يشكل 80% منها على شكل أوراق نقدية من فئة 200 شيكل، وهذا ما جعل الكثير من الإسرائيليين يهرولون للتخلص من هذه الأوراق النقدية، خوفًا من احتمال إلغائها في الوقت الراهن أو بالمستقبل".
ويلفت رئيس قسم الاقتصاد، إلى أنّ البنوك "الإسرائيلية" تشهد هروب رؤوس الأموال، والبنوك الثلاثة الكبرى تعلن عن زيادة كبيرة في عدد العملاء الذين يطلبون تحويل مدخراتهم إلى بلدان أخرى أو ربطها بالعملة الأمريكية، خوفًا من تعرض اقتصاد الاحتلال لأضرار واسعة النطاق بسبب توسع جبهات الحرب، مبينًا أنّ ميزانية الاحتلال تعاني من عجز أخذ بالتسارع بسبب تكاليف الحرب المستمرة على قطاع غزة منذ نحو عام، حيث بلغ عجز الميزانية نحو 12.1 مليار شيكل (3.24 مليارات دولار) في شهر أغسطس/ آب الماضي، أمّا نسبة العجز في الناتج المحلي الإجمالي وصل إلى 8.3% مقارنة ب8% في يوليو المنصرم، في ظل زيادة نفقات الحرب في غزة، وقد بلغ إجمالي الإنفاق على هذه الحرب ما يقارب من 100 مليار شيكل (26 مليار دولار).
عدم الالتزام باتفاقية "باريس" الاقتصادية
ويؤكّد موسى لـ"بوابة الهدف"، أنّه وفقًا لبروتوكول اتفاقية باريس الاقتصادية، يجب استبدال الشيكل كل فترة بعملة أجنبية، بالإضافة إلى أنّ السيولة تأتي من البنك المركزي "الإسرائيلي" للبنوك عبر سلطة النقد الفلسطينية، لكن منذ السابع من أكتوبر الماضي، يقوم الاحتلال بإغلاق المعابر، ومنع دخول البضائع، ومنع إدخال السيولة النقدية اللازمة، ما جعل الأوراق النقدية تحديدًا من فئة 200 شيكل والتي تعتبر الأكثر تداولاً في الأسواق الغزية تهترئ وتصبح غير صالحة للاستخدام.
ويشير موسى، إلى أنّ الاحتلال غير ملتزم بالاتفاقية، ويعاقب البنوك الفلسطينية من خلال تراكم وتكدس الشيكل فيها ما جعلها فائضة في السوق المالي الفلسطيني، لافتًا إلى أنّ إجراءات الاحتلال المذكورة تأتي في سياق تعميق أزمة الاقتصاد الفلسطيني لا سيما القطاعات المصرفية والبنوك التي تستقبل وتعتمد في تعاملاتها على عملة الشيكل.
وفي الإطار، استبعد بنك "إسرائيل" المركزي صدور قرار بإلغاء ورقة النقد فئة 200 شيكل، نظراً لعدم وجود مبرر مهني قوي لذلك، ما يشير إلى أنّه غير متحمس لهذه الفكرة.
ويحارب الاحتلال الاقتصاد الفلسطيني بشتى الطرق والوسائل الممكنة، وهو ما ظهر جليًا خلال عدوانه على قطاع غزة، حيث دمر عددًا كبيرًا من البنوك والصرافات الآلية التي كانت تعمل بالقطاع قبل العدوان في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ما انعكس سلبًا على طبيعة الخدمات المصرفية المقدمة لنحو 2.4 مليون نسمة يعيشون في القطاع.