Menu

كيف أدت الحرب على غزة إلى شلل الاقتصاد الإسرائيلي؟

تقريراقتصاد الاحتلال بعد 322 يوماً من العدوان: أرقام صادمة ومستقبل مجهول

تداعيات الحرب على اقتصاد العدو

خاص: بوابة الهدف الإخبارية - فلسطين المحتلة

منذ السابع من أكتوبر 2023، تعرض الاقتصاد "الإسرائيلي" لضغوط غير مسبوقة نتيجة العدوان المستمر على غزة، والذي خلف تداعيات سلبية عميقة على مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية. هذه الأزمة، التي تسببت في اضطراب واسع النطاق، تُعد من بين الأكثر تأثيرًا في تاريخ دولة الاحتلال   الحديث، حيث تتضح آثارها بشكل ملموس من خلال تراجع الاستثمارات، وزيادة معدلات البطالة، وتفاقم المشكلات الاجتماعية مثل العنف الأسري والإدمان.

كانت دولة الاحتلال  قبل هذا العدوان تشهد نمواً اقتصادياً قوياً بفضل اتفاقيات التسوية مع عدد من الدول العربية. هذه الاتفاقيات، التي وُصفت بأنها تحول اقتصادي كبير، فتحت آفاقاً جديدة للتجارة والاستثمار، مما زاد من تفاؤل المستثمرين المحليين والدوليين على حد سواء. ولكن العدوان على غزة قلب هذه التوقعات رأساً على عقب. وفقًا لتقرير صدر عن بنك "إسرائيل" في يونيو 2024، انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تقدر بـ 4% خلال العام 2024، وهو أكبر تراجع منذ الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008. هذا الانكماش يعزى بشكل رئيسي إلى تراجع النشاط التجاري والصناعي بسبب الاضطرابات الأمنية المستمرة، وكذلك انخفاض الطلب على المنتجات والخدمات الإسرائيلية في الأسواق الدولية.

التداعيات لم تقتصر على النشاط الاقتصادي الداخلي فقط، بل تجاوزته إلى التأثير على الاستثمارات الأجنبية المباشرة. بحسب تقرير لمؤسسة *بلومبرغ*، فقد شهدت "إسرائيل" خروج استثمارات أجنبية تقدر بحوالي 10 مليار دولار منذ بداية الأزمة، حيث يسعى المستثمرون الأجانب إلى نقل أموالهم إلى بيئات أكثر استقرارًا.

هذا النزوح الكبير لرؤوس الأموال يعكس فقدان الثقة في البيئة الاستثمارية الإسرائيلية، خاصة في ظل عدم اليقين بشأن مستقبل الصراع مع غزة.

هذا الوضع أدى إلى تراجع البورصة الإسرائيلية بنسبة 15%، ما يعادل حوالي 70 مليار دولار من القيمة السوقية للشركات المدرجة، وفقًا لتقديرات خبراء اقتصاديين من شركة *مورغان ستانلي*. أحد القطاعات التي تأثرت بشدة هو قطاع التكنولوجيا المتقدمة، الذي يُعتبر ركيزة أساسية للاقتصاد الإسرائيلي. هذا القطاع، الذي كان يساهم بنسبة 12% من الناتج المحلي الإجمالي، شهد تراجعًا في العائدات بنسبة 10%، مع هجرة العديد من الشركات الكبرى وبعض الشركات الناشئة إلى الخارج.

هذا الاتجاه يعزز المخاوف من فقدان إسرائيل لمكانتها كمركز عالمي للتكنولوجيا والابتكار، وهو ما أشار إليه الخبير الاقتصادي الأمريكي *نورييل روبيني*، الذي حذر من أن استمرار هذا الاتجاه سيؤدي إلى "انهيار تدريجي" في القطاع التكنولوجي خلال السنوات القادمة.

إلى جانب التحديات الاقتصادية، يعاني المجتمع الإسرائيلي من تفاقم المشكلات الاجتماعية نتيجة الضغوط النفسية الهائلة الناجمة عن العدوان.

التقارير تشير إلى زيادة حالات العنف الأسري بنسبة 20%، وتفاقم ظاهرة الإدمان على المخدرات بنسبة 25%، خاصة بين الشباب. هذه المشكلات الاجتماعية لا تؤثر فقط على النسيج الاجتماعي، بل تزيد من العبء على النظام الصحي والاجتماعي، مما يضع المزيد من الضغوط على الموارد الحكومية التي تعاني بالفعل من التوتر.

من بين أكثر التداعيات المقلقة على المدى الطويل هو ارتفاع معدلات الهجرة العكسية. وفقًا لتقرير أصدرته وزارة الهجرة الإسرائيلية في مايو 2024، ارتفعت معدلات الهجرة العكسية بنسبة 15% منذ أكتوبر 2023، حيث غادر ما يقدر بـ 50,000 إلى 70,000 إسرائيلي البلاد، وفقا لأرقام الاحتلال، خاصة من فئة الشباب والعائلات. هذه الهجرة العكسية ليست مجرد هروب من الوضع الأمني، بل تعكس فقدان الثقة في مستقبل الدولة، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الديمغرافية والاقتصادية في المستقبل.

في هذا السياق، يشير الخبير الاقتصادي *جوزيف ستيغليتز* إلى أن الهجرة العكسية تمثل "نزيفًا مستمرًا" للموارد البشرية التي تحتاجها إسرائيل بشدة، وقد تكون لها تأثيرات دائمة على قدرة البلاد على التعافي الاقتصادي.

في ظل هذه المعطيات، يبدو أن دولة الاحتلال تواجه تحديات كبيرة على المدى القريب والبعيد. فمن المتوقع أن يرتفع الدين العام ليصل إلى 85% من الناتج المحلي الإجمالي، نتيجة زيادة الإنفاق على الدفاع والأمن والاستجابة للأزمات الاجتماعية.

بالإضافة إلى ذلك، شهد الاقتصاد الإسرائيلي زيادة في معدلات التضخم لتصل إلى 6%، ما أدى إلى ارتفاع تكلفة المعيشة وزيادة الضغوط على الأسر. هذه الضغوط الاجتماعية والاقتصادية مجتمعة تضع مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي في موضع شك كبير.

على الرغم من محاولات حكومة الاحتلال الإسرائيلي اتخاذ تدابير اقتصادية واجتماعية للتخفيف من هذه التحديات، مثل تقديم حوافز ضريبية وتسهيلات للشركات المتضررة، إلا أن الخبراء يشككون في فعالية هذه الإجراءات في ظل استمرار التوترات الأمنية والسياسية. الخبير الاقتصادي *بول كروغمان* يشير إلى أن هذه التدابير قد تكون "مؤقتة" وأن الأزمات العميقة تتطلب إصلاحات هيكلية شاملة تشمل تغيير السياسات الأمنية والاقتصادية على حد سواء.

في النهاية، يبدو أن اقتصاد دولة الاحتلال يمر بأزمة وجودية تتجاوز حدود الأرقام والإحصائيات. التداعيات التي خلفها العدوان على غزة لن تكون قصيرة الأجل، بل ستستمر في تشكيل ملامح الاقتصاد الإسرائيلي لسنوات قادمة. التحدي الأكبر يكمن في قدرة الاحتلال  على التكيف مع هذه التغيرات والبحث عن حلول مستدامة تمكنها من إعادة بناء الثقة في الاقتصاد والمجتمع، وإلا فإن هذه الأزمة قد تؤدي إلى تداعيات أكثر خطورة على مستقبلهم.