Menu

وحدة الأمة.. العدو والطائفية والمواجهة الفكرية والعسكرية

غسان سرحان

غسان سرحان.jpg

الهدف الإخبارية - المنامة، البحرين

مرة أخرى الاحتلال يؤكد المؤكد، فلا يخفى على أي من المتابعين والعاملين بالشأن السياسي العربي، أنه على امتداد عقود من الزمن صرفت الصهيونية العالمية مليارات الدولارات في سبيل تفتيت المفتت في العالم العربي، ولا ننسى ما تداولته وسائل الإعلام الغربية التابعة لقوى الاستعمار، نقلاً على لسان مسؤولين في عقود مضت أن الإمبريالية وقوى الاستعمار أغفلت خلال تقسيم العالم العربي، مسألة الهويات الاثنية والعرقية والمذهبية في العالم العربي، وذلك في إشارة إلى الى أهمية السير في اتجاه تقسيم الأقطار العربية المصطنعة لتقسيمات قائمة على الهوية العرقية أو المذهبية أو الدينية.
ربما، يصح القول أيضاً أن أحد مهام الاحتلال خلال سنوات التقسيم الأولى وبعد الاستقلالات الشكلية هو تغذية الهوية ال قطر ية الضيقة والتي نجحت فيه تلك القوى بنسبة ما، سواء بخلق مجتمعات كزمبولوتينية أو من خلال تغذية النزعات القطرية القائمة على رفض العروبة كثقافة جامعة وتحويلها لعرق في مواجهة أعراق أخرى في العالم العربي، من المحيط للخليج، ذلك بتغذية فهم خاطئ يعتمد على أن العربي هو ابن منطقة شبه الجزيرة والقبائل والعوائل المرتبطة به، ولا أبالغ في القول عندما أصرح بأنه: رسخ لدى البعض سواء بتصرفات الأنظمة التابعة وانتقاصها من حقوق الأقليات الاثنية والعرقية الأخرى ومنع ثقافتها في بعض الدول، إضافة للتميز ضدها جاء في سياق خلق هوية فرعية يلجأ لها الإنسان طلباً للحماية عندما تفشل الدولة في بناء مواطنة كاملة.
هذا الامر ليس جديداً ومعروف وكتبت فيه عشرات الكتب والبحوث والمقالات من عشرات المفكرين، غير أن ما يهم اليوم هو الخطاب الجديد الذي ذهبت له الصهيونية بعد تغير أهداف الحرب واسمها وبالأخص بعد اتساع رقعة المعركة في لبنان، إذ أن البيّن والمؤكد أن الاحتلال أعلن عن هدفه الأساسي في القضاء على المقاومة، سواء في غزة أو الضفة وعموم فلسطين أو في لبنان وباقي الساحات، غير أنه اصطدم بحقيقة أن المقاومة منطلقة من الحاضنة الشعبية، أي أن المقاومة فكرة والفكرة لا يمكن اعتقالها أو قتلها إلا في محكمة الرأي العام، أي أن الوحيد القادر على محاكمة فكرة المقاومة وإرادة القتال هي البيئة التي تنجب المقاتلين والمقاومين، لذلك قام العدو في أبشع حروبه على الإطلاق بتركيز ضرباته وكامل قدرته التدميرية الوحشية لا في سبيل تحييد الخصم العسكري، بل في سبيل الضغط على الحاضنة الشعبية لكي تقوم هي بمهمة الردع الأولى بأن تطلب من المقاومة التوقف والاستسلام.
وفي سياق تلك الخطة التي سار عليها الاحتلال وداعميه على امتداد عام اصطدم بحقيقة أخرى، هي أنه بمجرد تصاعد الصراع التناحري الأساسي بين الأمة العربية من جهة، وبين الصهيونية العالمية من جهة أخرى، تراجعت الهويات الفرعية والقطرية الضيقة التي عززتها الصهيونية على امتداد عقود، لتعود مجدداً الهوية القومية الجامعة، لتصدر المشهد، غير أن أخطر ما اصطدم به الاحتلال وداعميه هو إجمالي نقاط قوة الأمة المتمثلة في تشارك الشعب العربي، من المحيط إلى خليج (وهم ضحايا سادية هذا العالم)، مصيراً واحداً وإن كان على المستوى الشعوري.
لقد انتبه المفكر الاستراتيجي للاحتلال لتلك النقطة، ليهرب لحرب لبنان لا لشيء سوى لتحييد باقي مجموع مقدرات ونقاطة قوة الأمة العربية، لتظل كفة ميزان القوى مائلة بشكل أكبر لمصلحة الاحتلال، أي بمعنى أن الاحتلال يفهم بأن قياس ميزان القوى فقط باستخدام القوة العسكرية؛ يعني تسطيح ذلك الميزان، غير أن الميزان الحقيقي لا يشمل فقط القوة العسكرية، بل مجموع نقاط قوة الأمة وعلى رأسها وحدة مصير ضحايا تلك السادية.
لقد اكتشف الاحتلال أن كل أمواله التي صرفت على شيطنة المقاومة الفلسطينية، ذهبت هباء منثوراً عندما تسامى شعبنا وحركاته الحية على أخطاء وربما خطايا ارتكبتها بعض الفصائل في عقود ماضية، ليشاهد مشهد وحدة عربية شعبية، تقف خلف المقاومة وتنصرها وإن كان من الممكن والمأمول أن تكون أكبر ذلك، وبالرغم من مرور عام وضخ إعلامي واسع لشيطنة المقاومة ومحاولة إعادة عقارب الساعة لزمن مضى ومحاولة استحضار خلافات ثانوية، إلا أنه فشل في ذلك، ليذهب لحرب لبنان.
يتأكد ذلك، من الخطاب الإعلامي الجديد للاحتلال الذي برز بالذات بعد أن قام الاحتلال بتغيير اسم وحشيته من سهام الشمال لتغيير النظام وصولاً لحرب الانبعاث كمسمى أخير، فقد اتسم خطابه الأخير بصفة الصراع مع الشيعة مستغلاً الهوية الطاغية على المقاومة في جنوب لبنان ومقاومة العراق واليمن وايران، ليلعب مجدداً على وتر أن حرب الاحتلال اليوم هي حرب ضد الشيعة، لذلك قام بتسريب صور قائمة الأهداف المطلوب تصفيتها ومن بينها صورة المرجع الديني الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني، ويتأكد ذلك بخطاب ممثله العسكري الذي ركز في مجمل حديثه، أنه في قرى شيعية جنوب لبنان بيوتهم مخازن لسلاح المقاومة، ذلك لتحييد باقي مكونات الأمة باستحضار الخلافات العقائدية، كمدخل لتدمير مشهد الوحدة، ليؤكد مجدداً المؤكد سلفاً، أن الاحتلال هو سبب كل الخلافات المصطنعة التاريخية.
من هنا يتأكد لتلك الأجيال التي لم تشهد ولكنها سمعت أن الاحتلال هو سبب كل مآسينا في الامة العربية جمعاء بالصوت والصورة، وأن الاحتلال هو عدونا الأول والحقيقي الذي دأب على التفرقة بين شعبنا العربي، وهنا يجيء دور المثقف العربي والإعلامي المقاوم لمواجهة ومقاومة ودحض، هذه السردية وهذه الرواية؛ فالاحتلال يستخدم كل مقدراته وعناصر قوته ليقنع الحاضنة الشعبية للمقاومة أن اضطهاده دائم ولا يمكن الخلاص منه، بهدف أن تُلقي الامة جمعاء وسائل مقاومتها، وفي المشهد الآخر نرى المقاومة بالسلاح تُسقط تلك الفكرة وترسخ بأن الاحتلال يمكن هزيمته عسكرياً، ويبقى الدور على المثقف المشتبك أن يقاتل لكي يرسخ أن هذا الاحتلال على الصعيد الفكري، يمكن أيضاً هزيمته، كجزء من المقاومة الشاملة للاحتلال في هذه المعركة التاريخية.