Menu

ليس عليك..!!

د. طنوس شلهوب

الهدف الإخبارية

ليس عليكَ أن تكون فلسطينياً من غزة منتمياً لأحد فصائل المقاومة المسلحة... وليس عليكً أن تكون فلسطينياً من الضفة الغربية، معارضاً لما يسمى السلطة الوطنية الفلسطينية بمسلحيها وعملائها خدم الاحتلال... ليس عليكً أن تكون فلسطينياً من الذين أجبروا على حمل جواز سفر دولة الاغتصاب وأنتَ في أعماق روحك تنتمي بجذورك إلى نبض الأرض بزيتونها وصعترها وطيورها وسمائها وسواقيها... ليس عليكَّ أن تكون جنوبياً من القرى والمدن اللبنانية المحاذية للحدود مع فلسطين وأنتَ ومنذ نعومة أظافرك وبداية تشكل وعيك تعاني من الخوف والقلق، مع كل طلعة لأم كامل في سماء حقولك وما زالت صورة جدتك وهي تحذرك من النظر إلى الأعلى، من حيث يشق ركود الهواء صوت أزيز محركات الطائرة  محفوراً في ذاكرتك لكي لا يراك "اليهود" وأنت تبحلق في مقصوفة العمر ام كامل....
وليس عليكَ أن تكون يسارياً ثورياً أو قومياً وطنياً من الذين تربوا على العداء لإسرائيل وقاتلوا جيشها المحتل في إطار جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية...
ليس عليكَ أن تكون شيعياً من مقاتلي المقاومة الاسلامية أو من مؤيدي حزب الله أو مؤمناً من الذين لا يتركون مناسبة إلا ويرفعون دعاء: الله يهدّيكْ يا إسرائيل...
ليس عليكَ أن تكون ماركسياً معادياً عن وعي عميق للإمبريالية ولإسرائيل كأداة لإخضاع شعوب المنطقة والهيمنة على ثرواتها...
ليس عليكَ... إذا لم يكن يعنيك سابقاً كل ما كان يجري في فلسطين منذ النكبة وأنتَ ترغب في التمتع بالحياة، وطيلة عام ونيف وأنتَ تشاهد مغتصبو فلسطين وهم يلهون بالصواريخ والقنابل المهداة من واشنطن ولندن وبرلين وأوتاوا وباريس ويرمونها على البيوت والأحياء والمدارس والمستشفيات والمستوصفات والجوامع والكنائس وخيم النازحين وسيارات الإسعاف، وهي تحوِّل النساء والشيوخ والشباب والأطفال، عائلات بأكملها إلى أشلاء ممزوجة بأغبرة الجدران المحطمة والأحجار المفتتة والبنايات المتلاشية والأحياء الغارقة بالموت والدمار، كيف أصبح شعب بأكمله مجرد أرقام في عداد القتل والإبادة؟ كيف تقمص أوشفيتز وخُلق من جديد ليتمدد من غزة وفلسطين إلى لبنان....؟
وأنتَ تشاهد كل هذا بالبث المباشر، من حقك أن تفكر بحماية نفسك، وأفراد عائلتك، ومحبيك من أقارب وأصحاب، وأن تقول هذا ليس شأني، أن تكون في قمة الأنانية، وأن تحرر نفسك من كل الالتزامات الإنسانية والدينية والسياسية والأخلاقية، أمام هول وفظاعة الارتكابات بحق ابناء وطنك وشعبك...
أنا لست مثلك، لا يمكنني إلا أن ان أغضب، أن أصرخ، أن أكتب، أن أتظاهر، أن أساعد المقاومة في ما أقدر عليه، أن أتخانق معك ومع أمثالك، أن اتهمك باللامبالاة... ومهما تكلمتَ عن السلام وأخبرتنا أنك تعبت، وأن أعصابك لم تعد قادرة على التحمل، فهذا لن يغير شيئاً في الواقع، فالعالم ومنذ نشأة البشرية والملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وهو يتدرج في الحروب، وما كنا نقرأه ونحن في المدارس في كتب التاريخ عن تلك الحروب المدمرة بين الامبراطوريات، وما تسببت به من ويلات على البشر، ها نحن نعيشه اليوم، وفي المعارك الكبرى لا مكان للأمنيات.
لنتكلم الآن بمعايير العقل،
إن الرغبة بالهدوء والاستقرار أمرٌ مشروع، والاستقرار ينشأ فقط في حالة توازن القوى المتواجهة، هذا من المبادىء الأساسية في الفيزياء، في الميكانيكا. هذه إحدى قواعد دينامية الصراع، وانتصار أحد طرفي المواجهة سيجلب الاستقرار، وفي حالتنا، فإن انتصار المشروع الصهيوني سيؤدي إلى الاستقرار الذي نشهد نموذجاً له في التعاون بين الاحتلال وما يسمى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، والوزراء الصهاينة ومعهم من يدعمهم في واشنطن يعلنون صراحة عن نموذج الاستقرار الذي يحضرونه لبيروت ودمشق وبغداد والرياض. أما النموذج الآخر للاستقرار، فهذا الذي عشناه منذ تحرير الأرض في العام ٢٠٠٠ ولحد العام الماضي، الاستقرار القائم على توازن الردع، والمحقق بنتيجة طرد المحتل الصهيوني من أرضنا بنتيجة النضال المسلح ووجود مقاومة تمتلك ما يكفي من عناصر الردع.
من المؤكد أن إسقاط المشروع الصهيوني، يعني إسقاط الهيمنة الإمبريالية على منطقتنا، وهذا أمرٌ ليس متوفر في موازين القوى الدولية حالياً، ومسار تشكل عالم متعدد القطبية، سيزيد من فرص إضعاف الهيمنة الإمبريالية، وسيفتح أمام قوى المقاومة المحلية الأبواب لتقوية موقعها في توازن الرعب، مما سيعزز من فرص تثبيت حالة من الاستقرار، قد تطول أو تقصر بانتظار الجولة القادمة.
إذا كنت حقاً تريد أن تحظى ببعض الاستقرار، فليس عليكَ إلا أن تنحاز للمقاومة، أن تدعمها، وأن تتخلى عن أوهامك بالعيش باستقرار في حال انتصار المحور الصهيوإمبريالي المدعوم من أنظمة الخيانة العربية. 
أما أنتَ الذي تلاقي الصهاينة في منتصف الطريق من خلال تهوين الإرادة بالمقاومة والعمل على تحطيم الثقة بالنصر والترويج للرواية الصهيونية ولبيانات جيش العدو وما يسوق له من أكاذيب عن وجود مسؤولين لحزب الله ومستودعات أسلحة وصواريخ في المباني المستهدفة التي تأوي النساء والأطفال وأهلنا النازحين مؤقتاً من بيوتهم، فإنك فعلياً وضعتَ نفسك في صفوف الطابور الخامس، أي في موقع الخيانة، ومهما علا صراخك احتجاجاً على اتهامك بالعمالة مؤكداً أنه لا يمكن لأحد أن يطلب منك فحص دم بالوطنية، فأنتَ خائن وعميل متصهين...