Menu

العقل الذي هزم مستعمرة "إسرائيل" حياً وميتاً

"السنوار: عائد إلى يافا شهيدًا ومنتصراً"

بيسان عدوان

السنوار هزم الاحتلال

الهدف الإخبارية - فلسطين المحتلة

يحيى السنوار، قائد حماس الذي تحوّل إلى أيقونة في النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، يجسد في حياته وبعد استشهاده رمزًا للحرية والكرامة. لم تكن مكانة السنوار مرتبطة بحب شخصي أو ولاء سياسي لـ"حماس"، بل تتجاوز ذلك لتصبح تمثيلًا لأهم قائد عسكري في تاريخ الأمة العربية منذ نشأتها، وتحديدًا في سياق المواجهة المستمرة مع الحركة الصهيونية العالمية المتمثلة بالاحتلال الإسرائيلي. من يحيى السنوار نستمد نموذجًا للثبات والتحدي، ومن غزة التي تجسد معقل المقاومة نجده قائدًا يقاتل من أجل حق العودة إلى كل بقعة احتُلت من أرض فلسطين.

كيف صنع السنوار تاريخًا جديدًا للمقاومة؟

يحيى السنوار، ابن غزة وابن عسقلان المحتلة، لم يكن مجرد قائد عسكري، بل كان العقل المدبر لإعادة تشكيل المقاومة الفلسطينية ضمن إطار متجدد يحمل في طياته استراتيجيات متقدمة للمواجهة. حيث استطاع تنظيم وتوحيد القوى العسكرية للمقاومة في غزة، وتطوير منظومتها الصاروخية التي أرهقت إسرائيل وشكّلت رعبًا دائمًا لسكانها ومستوطنيها، لتصبح حماس تحت قيادته قوة لا يُستهان بها.

السنوار لم ينتظر فقط دفاعًا عن غزة، بل شكّل حالة من التحدي والمواجهة، جعلت الاحتلال الإسرائيلي يفشل في اقتحام القطاع وفرض سيطرته عليه كما فعل في بيروت عام 1982 عندما طرد شارون الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات . بل على العكس، ظل السنوار يقود من الخطوط الأمامية، مما جعل استهدافه ومحاولة اغتياله هدفًا رئيسيًا لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو. لكن المحاولات باءت بالفشل، وظل السنوار يُفشل محاولات إسرائيل المستميتة لتغيير المعادلة.

غزة والمقاومة: ساحة الانتصار الحي والمستمر

تجسد غزة اليوم بفعل الصمود الذي زرعه السنوار، ساحةً للصمود الأسطوري في وجه آلة القتل الإسرائيلية، حيث تحولت المقاومة الفلسطينية إلى حالة متقدمة من العمل العسكري المنظم، تعتمد على تكتيكات متطورة وتكنولوجيا دفاعية هزّت أركان دولة الاحتلال. لم يكن السنوار مجرد قائد يسير خلف حشد المقاتلين، بل كان في الصفوف الأمامية، يقود العمليات العسكرية ويشرف على تفاصيل المواجهة بكل ما أوتي من شجاعة وثبات.

نتنياهو الذي لم ينجح في القبض عليه، يدرك أن السنوار هزمه حياً، فقد استطاع إبقاء غزة صامدة ومقاومة رغم كل الحصار والقصف والتضييق. لكن السنوار أيضاً هزم الاحتلال ميتاً، حينما أصبح استشهاده رمزاً للوحدة والتحفيز للأجيال القادمة في مسيرة التحرر.

يحيى السنوار، في مسيرته الطويلة بالنضال والعمل العسكري، لم يكن مجرد قائد يلتزم بالقواعد التقليدية في المعارك، بل أظهر رؤية عسكرية وسياسية متقدمة استطاعت أن تهزم دولة الاحتلال الإسرائيلي وتفشل محاولات نتنياهو وجيشه في تصوير أي نصر، حتى في ظل الدعم الأمريكي والترسانة العسكرية التي تتلقاها إسرائيل.

عقلية السنوار: المزج بين الاستراتيجية والتكتيك

تتميّز عقلية السنوار بفهمه العميق لتعقيدات المواجهة مع دولة الاحتلال، فهو يدرك تمامًا نقاط القوة والضعف لدى الطرفين، ويستخدم هذه المعرفة لصالح المقاومة الفلسطينية. لقد استطاع تطوير استراتيجية قائمة على المزج بين الحرب التقليدية وحرب العصابات، حيث تعتمد المقاومة على مرونة في الحركة والتخطيط لا تعتمد على المواجهة المباشرة المكشوفة، بل تعتمد على حرب الأنفاق، والهجمات المفاجئة، وإطلاق الصواريخ من منصات سرية.

السنوار أدرك أيضًا أهمية استنزاف العدو نفسيًا واقتصاديًا، لذلك ركز على تكثيف الهجمات الصاروخية وتوسيع مداها لتصل إلى عمق الكيان الإسرائيلي، مما شكّل ضغطًا متزايدًا على الجبهة الداخلية الإسرائيلية. لقد حول غزة من منطقة محاصرة إلى جبهة مفتوحة تضرب في العمق، مما أجبر نتنياهو وقادة جيشه على التعامل مع تهديدات لم تكن موجودة من قبل، واضطرهم إلى إعادة تقييم خططهم الاستراتيجية مرارًا وتكرارًا.

حرب الوعي: هزيمة السردية الإسرائيلية

إضافة إلى تكتيكاته العسكرية، أدرك السنوار أهمية الحرب الإعلامية والسياسية في صراع طويل الأمد كهذا. فبينما كانت إسرائيل تسعى لصناعة صورة لنصرها على الساحة الدولية، كان السنوار يقلب الموازين من خلال تكتيكات إعلامية واستراتيجيات تواصل فعّالة، أبرزت صورة المقاومة الصامدة في وجه العدوان. القيادة العسكرية للمقاومة، بقيادة السنوار، حرصت على نشر الرسائل المصورة والمقاطع التي تؤكد قدرة غزة على الصمود، وتستعرض قوة المقاومة في اللحظات الأكثر حرجًا، مما أدى إلى كشف كذب الرواية الإسرائيلية ومنع الاحتلال من تحويل هجماته إلى انتصارات معنوية ودعائية.

حسابات نتنياهو الخاطئة: الصمود كاستراتيجية

لقد شكلت عقلية السنوار تحديًا غير مسبوق لنتنياهو، الذي لم يستطع مواجهة حقيقة أن قطاع غزة، رغم الحصار والتدمير، لم ينكسر، بل ظل يقاتل ويمثل تهديدًا استراتيجيًا مستمرًا لإسرائيل. إن تمسك السنوار بمبدأ الصمود والمرونة في التخطيط جعل الاحتلال يخسر رهاناته. كل مرة كان الاحتلال يظن أنه اقترب من حسم المعركة لصالحه، كان السنوار يعيد ترتيب أوراقه، ويطور تكتيكاته، ويعود بضربة أقوى وأشد تأثيرًا.

في العمليات العسكرية الكبرى، كمعركة "سيف القدس " في 2021 أو حتى الصراعات الأخيرة، رأينا كيف أدت هجمات المقاومة إلى تعطيل الحياة في الكيان الإسرائيلي، مما أحرج نتنياهو وجيشه أمام شعبهم، وأظهر لهم ضعفهم الحقيقي في مواجهة مقاومة منظمة ومرنة. السنوار لم يمنح الاحتلال أي فرصة لصورة انتصار، بل على العكس، كشف هشاشة منظومته الدفاعية.

تفكيك وهم النصر الأمريكي-الإسرائيلي: السنوار في مواجهة بايدن

على الصعيد الدولي، وبخاصة مع إدارة بايدن التي كانت تحاول تثبيت دعمها لإسرائيل وتقديمها كقوة لا تقهر، أفشل السنوار هذه المحاولات من خلال إصراره على الصمود والمواجهة. فإسرائيل التي طالما عوّلت على الدعم الأمريكي للردع وتحقيق النصر، لم تتمكن من تبرير حملاتها العسكرية المتكررة على غزة؛ بل إن السنوار نجح في فضح الدعاية التي تدعي أن إسرائيل هي الضحية وأنها تحتاج للدفاع عن نفسها أمام صواريخ غزة.

لقد جعل السنوار العالم يدرك أن دولة الاحتلال تقف عاجزة عن تحقيق أهدافها حتى بوجود ترسانة عسكرية هائلة ودعم سياسي ودبلوماسي أمريكي غير محدود. في كل مرة حاولت إسرائيل، وبدعم من بايدن، تحقيق نصر وهمي، كان السنوار يبدد هذا الوهم على أرض الواقع، حيث ظل يقود المقاومة بتكتيكات جديدة، وظلت صواريخ غزة تخلق واقعًا مختلفًا يصعب على الاحتلال تقويضه.

إرث السنوار: معركة النفس الطويل

فكر السنوار كان دائمًا مبنيًا على معادلة النفس الطويل؛ فهو يدرك أن إسرائيل، رغم تفوقها العسكري، لا تستطيع تحمل الاستنزاف الطويل ولا الضغوط المتزايدة على الجبهة الداخلية. فكلما طالت المعركة وازدادت تكلفتها الاقتصادية والسياسية، زادت الضغوط على القيادة الإسرائيلية، وكشف المجتمع الإسرائيلي هشاشته، خاصة مع ارتفاع أعداد الهجرة المعاكسة من المستوطنات وزيادة التوترات الداخلية.

استراتيجية السنوار في الصمود، ورفض الهزيمة، وتحويل كل عملية إلى فرصة لمزيد من الاستنزاف، هي التي أفشلت حسابات نتنياهو وجعلت دولة الاحتلال في حالة من الفشل المستمر في غزة، مانعة بذلك نتنياهو وأمريكا من صناعة أي صورة لنصر، سواء على المستوى العسكري أو السياسي، ومثبتة أن إرادة المقاومة، المستمدة من قيادات ذات رؤى ثاقبة كعقلية السنوار، هي الأقوى والأبقى.

السنوار والاستشهاد: الانتصار الأخير في معركة البقاء

استشهاد يحيى السنوار هو قصة انتصار أخرى، حيث تمكن من تحقيق ما لا يستطيع الاحتلال نفيه أو تقويضه. فقد أصبح شهيدًا في معركة الشرف، لينتقل رمزيًا إلى كل شبر من أرض فلسطين، كرمز حي لحق العودة، خاصة إلى يافا التي يحلم كل فلسطيني بالعودة إليها. كما أشار الأكاديمي وفي أعقاب الإستيلاء على جثة الشهيد ووصولها إلى ما يسمى "تل-ابيب" مع أنها يافا، نشر الأكاديمي الفلسطيني البريطاني البروفيسور مكرم خوري - مخول تغريدة على منصة إكس X منح السنوار لنفسه حق العودة إلي مدينة يافا المحتلة بجثمانه الذي استقر في منطقة حي أبو كبير حيث يقع مبني مركز الطب الشرعي.

https://x.com/profmkm/status/1847384550533714448?s=46

يستقر السنوار اليوم في ذاكرة الشعب الفلسطيني كرمز للحرية، وكأسطورة مقاتل أعاد رسم خارطة النضال في وجه الصهيونية العالمية.

في النهاية، يحيى السنوار لم يكن فقط قائدًا فلسطينيًا، بل كان رمزًا للحرية في كل الأوطان العربية والعالمية التي تسعى للتحرر من الاستعمار، متربعًا في القلوب والعقول كقائد ملهم واجه الاحتلال حتى النفس الأخير، ليُكتب اسمه بحروف من ذهب في سجلات الشرف العربي والعالمي.