Menu

بعد عام على طوفان الأقصى

استحقاقات اليساريين والاشتراكيين تجاه القضية الفلسطينية تتطلب النقد والتصحيح

أسامة العبد الرحيم

أسامة العبد الرحيم، أمين عام الحركة التقدمية الكويتية

مجلة الهدف - الكويت

بعد انقضاء عام على عملية "طوفان الأقصى" المجيدة، وما تبعها من تطورات كبرى على مستوى القضية الفلسطينية وعودتها إلى الصدارة كقضية محورية ضمن الاهتمام الإقليمي والعالمي، بل وأصبحت محدداً لاتجاه مسار تاريخ المنطقة والعالم، ما يفرض على جدول أعمال قوى اليسار والاشتراكية في العالم والمنطقة العربية على وجه الخصوص مراجعة نقدية شاملة لمواقفها ورؤيتها وبرامجها، انطلاقاً من مسؤوليتها الاجتماعية والسياسية والأخلاقية، واستيعاباً لدورها التاريخي المفروض في هذه المرحلة المفصلية كقوى طليعية في هذا الصراع، فإنه وللأسف، الكثير من القوى اليسارية والتقدمية في العالم والوطن العربي تعاني من انزلاقات فكرية شلت عقلها أمام التحديات التي واجهتها وتواجهها ما أفرغ خطابها من المضمون الثوري والمعبر عن مصالح الشعوب، ومنها من سقط في وحل الانتهازية وساوم لمكاسب صغيرة لا قيمة لها أمام الخسائر والتنازلات التي صبت لصالح الإمبريالية وتوابعها، وغيرها من القوى التي أصبحت وللأسف على الهامش لضعف دورها ونشاطها، وتعود لكلٍ أسبابه وظروفه ومعطيات واقعه الخاص، منها الأسباب الموضوعية ومنها الذاتية، ولسنا هنا بصدد الخوض بالتفاصيل، وكذلك يجب أن ننوه إلى أنها مسؤولية يحملها كل حزب وحركة وتنظيم على عاتقه، فنحن هنا نشير إلى ما هو المطلوب منا جميعاً.

بالحديث عن رؤية اليسار للقضية الفلسطينية وموقفه تجاهها فيجب أن نُثبت انطلاقها من أساس أنها قضية تحرر وطني في مواجهة كيان صهيوني غاصب زرعته الإمبريالية في منطقتنا العربية كقاعدة متقدمة لها ليتولى القيام بدوره الوظيفي في خدمة المصالح والمشروعات الإمبريالية الغربية وتثبيت هيمنتها على منطقتنا وبلداننا وشعوبنا، وذلك بالارتباط مع المشروعات التآمرية الإمبريالية منذ بدايات القرن العشرين ممثلة في وعد بلفور واتفاقية سايكس – بيكو، التي استهدفت وطننا العربي، وتمزيق بلداننا، وتفريق شعوبنا، ونهب ثرواتنا. ونرى أنّ الموقف تجاه الكيان الصهيوني يجب أن يرتكز على التصدي لدوره كمخفر إمبريالي في المنطقة لمواجهة حركة التحرر الوطني العربي واستهدافها وإضعافها، وفرض اتفاقيات الاستسلام، وتمرير مشروعات تسيّده على المنطقة وتثبيت تبعيتها للإمبريالية تحت أسماء متعددة لما يسمى مشاريع الشرق الأوسط الجديد وصفقة القرن واتفاقات أبراهام وغيرها من المشاريع. ويجب أن يكون واضحاً أنّ الأساس في القضية هو اختلاق الكيان الصهيوني نفسه، وليس مجرد الاحتلال الصهيوني اللاحق للأراضي الفلسطينية في ٥ يونيو/ حزيران ١٩٦٧ وأنّ النضال ضد الصهيونية لا ينحصر في قيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة بعد ذلك التاريخ فقط في إطار ما يسمى "حلّ الدولتين". ونؤكد على أنّ مقاومة المشروع الصهيوني مرتبطة بالنسبة للشعوب العربية وحركاتها التحررية بمقاومة الهيمنة الإمبريالية، وإنّ تحرير فلسطين مرتبط بالضرورة بتحرير شعوبنا وتحرر بلداننا وتضامنها ووحدتها… وتجسيد حقيقة أنّ القضية الفلسطينية هي القضية المركزية لشعوب أمتنا العربية وقواها التحررية.

ومن جانب آخر، فمن المهم الانطلاق من حقيقة أنّ مقاومة المشروع الصهيوني مرتبطة بالنسبة للشعوب العربية وحركاتها التحررية بمقاومة الهيمنة الإمبريالية، وإنّ تحرير فلسطين مرتبط بتحرير شعوبنا وتحرر بلداننا وتضامنها ووحدتها.

وبالتالي، فإنه من مهماتنا كجزء من حركات التحرر الوطني رفض أي شكل من أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، ودعم نضالات شعوب الدول المطبعة لإلغاء اتفاقيات الاستسلام والتطبيع، ونشر ثقافة مقاومة مضادة للصهيونية، ورد الاعتبار للمنظور الماركسي ال لينين ي الثوري للصهيونية بوصفها حركة عنصرية تمثل مشروع إمبريالي للهيمنة. ونحن بوضوح مع المقاومة، وضد التسويات وأنصاف الحلول المجحفة بحق شعبنا، وأن التمثيل الشرعي والوحيد لأصحاب السواعد التي ترفع السلاح بوجه المحتل وتكافح المحتل وداعميه لتحرير الإنسان والأرض.

فنحن في الوقت الذي نؤكد فيه التزامنا بالتضامن الكفاحي الشعبي بكل أشكاله مع الصمود الأسطوري للشعب العربي الفلسطيني ونضاله من أجل تحرير أراضيه المحتلة، وتقديرنا لتضحياته التي نُجلّها ودعمنا لحقّه الكامل في تقرير مصيره، إلا أننا نرى أن القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية وطنية فلسطينية، وإنما هي قضية تحررية عربية مركزية تعني شعوبنا العربية وحركاتها التحررية في مواجهة الإمبريالية وتوابعها، وتعني أيضاً شعوب العالم وقواها التحررية ضمن الصراع الطبقي بين الشعوب والإمبريالية، وإن ما يقربنا من أي موقف يكون قربه من التحرير الكامل لأرض فلسطين من نهرها إلى بحرها، فلا سلامٌ يحل ما بقيت أقدام الصهيونية تقف على شبر من أراضينا العربية، ولا مفر من قبضة الهيمنة الإمبريالية ما لم تُكسَر في منطقتنا.

وضمن سياق مواجهة الإمبريالية والصهيونية تبرز أهمية دعم صمود الشعب الفلسطيني وإسناد مقاومته، والعمل على فضح جرائم الكيان الصهيوني ومقاطعته وفرض طوق من العزلة عليه، وتحويل التضامن إلى إسناد مادي وملموس على جميع المستويات، فهي حرب طبقية شاملة ومفتوحة، يجب على قوى الشعوب الحية أن تقود الجماهير فيها دون كلل وملل ودون تردد وخوف، وأن تحمل على عاتقها تحقيق ما يطلق عليه بالمستحيل، فالثورة لم تكن للممكن، بل للمستحيل، لفرض أحلام الشعوب الحرة والكادحين والمقهورين على أرض الواقع.

ومن واجبات قوى اليسار والتقدم توحيد صفوفها وتكثيف جهودها وتحقيق أعلى درجة من التنسيق بين جميع القوى التحررية في المنطقة والعالم بحملات مضادة لحملات التطبيع والتخذيل والتشكيك ونشر ثقافة ووعي مقاوم مضاد للصهيونية.

وأخيراً وليس آخراً، أود التنبيه على أهمية تدقيق مفهوم المقاومة تدقيقاً طبقياً أكثر ثورية وشمولية، فهو وإن كان المفهوم يعبر عن الكفاح بكل الوسائل لمواجهة العدوان والغزو والاحتلال، إلا أنّ مفهوم المقاومة يتضمن إلى جانب مقاومة العدوان والغزو والاحتلال، مقاومة الهيمنة الإمبريالية ومشاريعها في كل العالم، والتصدي للركائز المحلية التابعة للإمبريالية في كل بلد، واستهداف المصالح الإمبريالية والصهيونية بكل الوسائل والسبل المشروعة والمتاحة.

ختاماً؛ في هذه الظروف العصيبة، والمنعطف التاريخي الكبير، فإن الوقت هذا أكثر من أي وقتٍ مضى، يحتاج فيه اليسار لإعادة تأهيل ذاته، لحاجة الشعوب الحرة والرازحة تحت بطش الإمبريالية حاجةً موضوعية لقواها الثورية الحاملة لمصالحها الطبقية الجذرية ولدورها بقيادتها في الصراع نحو التحرير والاشتراكية.

* أسامة العبد الرحيم، أمين عام الحركة التقدمية الكويت ية

نشر هذا المقال في ملف العدد من مجلة الهدف، عدد تشرين الأول (أكتوبر)، رقم (1583) بالتسلسل العام (64) رقميًا.