بدأَ ولم ولن يتوقف تحليل واستنباط قرار 7 تشرين أكتوبر وهل كان بقرار من قيادة حماس في غزة أم تم إعلام قيادة حماس في الخارج وإخبار إيران و"ذو العمامة السوداء" و اليمن وسورية... إلخ. وإن تم هل كانت الردود بتجاوب معين أو بنصائح التأجيل أو الرفض؟
ومن جهة ثانية، تتضارب التحليلات فيما يخص تطورات الصراع ومآلاته. لكن ما هو مؤكد أن معظم التحليلات تتغير طبقاً لطبيعة التطورات في الميدان كما أكد غير مرة، الشهيد ذو العمامة السوداء.
لكن السؤال من هي أطراف الصراع؟
قد يُخالفني كثيرون الرأي ولكنني كتبت منذ يوم 8 تشرين أكتوبر 2023 بأن الحرب هي عدوان أمريكي في الأساس وبأن أمريكا قادت العدوان بحكم مصالحها وبأنها هي التي حققت انتصاراً حتى الآن عبر تثبيت نفسها القوة العظمى الوحيدة التي تسيطر على الوطن العربي وعزلت الأقطاب البازغة روسيا والصين بكل سهولة وعلى من يعترض أن يتذكر ماذا فعل خروتشوف تجاه عدوان 1956 الثلاثي (بريطانيا وفرنسا وفي ذيلهما الكيان) ضد مصر. ذلك لأن ثروات الوطن العربي "مؤممة" لصالح أمريكا وبالتالي، فإن الكيان الذي كان قاعدة أثبت 7 تشرين أنه محمية، ولكن هذا لم يؤثر على إصرار أمريكا وكل الغرب على حماية الكيان لأن دوره لم ينتهِ من جهة ولأنه نجح في تطبيع عديد الأنظمة ال قطر ية العربية تطبيعاً بمعنى استدخال الهزيمة وصولاً إلى الصهينة وإذلال أمة والمشاركة في العدوان علانية. لذا يُقابل نصر 7 تشرين انتصارات وسخة للصهينة العربية والغرب والكيان.
كان من السهولة بمكان أن يستنتج المرء هذا الموقف الأمريكي من اللهفة التي جلبت بايدن وبلنكن فوراً إلى الكيان بغض النظر حتى عن خطاب كليهما المثقل بالعدوان والحرب، تلك اللهفة التي أساسها أن الكيان مثابة استثمار إستراتيجي لأمريكا والغرب وليس لأسباب ثقافية، عرقية، لغوية، دينية... إلخ رغم حضورها بالطبع. (انظر لاحقاً)
تجليس الحَدَث
بغض النظر عن تقييم هذا أو ذاك لحدث 7 تشرين، لكن الأهم هو تجليس الحدث في سياقه المادي التاريخي، فالحدث أمر موضوعي بطبيعته لا يُخبرنا بقدومه ولا ينتظر رأينا فيه، مما يضعنا في مناخ مزدوج يختبر قدرتنا على التقاط مفاتيح الحدث نفسه وقدرتنا على تطويعه لظرفنا وموقفنا أو في مناخ أعمى حيث نرتطم بمغاليق الحدث ليشهد عجزنا عن مواجهته وتطويعه. بهذا المعنى يمكننا فهم 7 تشرين/أكتوبر وبالتالي يتم تصنيف كل طرف أو محلل على ضوء قدرته على الالتقاط.
7 تشرين، هو حدث ابتكرته المقاومة في حركة حماس وبقية الفصائل ضمن أفقها هي كفدائيي حرب الغُوار بما لحرب الغوار من أحقية المفاجأة وحتى المغامرة الأمر الذي يبرر لهذا النمط من الحرب انتهاج تكتيك اضرب واهرب، وهو التكتيك الفريد الذي يمكننا معه اعتبار أن بناء أنفاق غزة هو موئل الهرب ثم الخروج لاقتناص آليات العدو وهو الضرب وهكذا وها نحن في العام الثاني. نعم بهذا الشكل الموسع للقتال حتى الآن. وللتوضيح، فإن المقاومة في غزة قد أسست قاعدة محررة لها هي تحت الأرض، وهذا لم يحصل في التاريخ علماً بأن حروب الغوار أقامت قواعدها على سطح الأرض، ولذا لم تعتبر اية منطقة قاعدة لها سوى منطقة محررة حقاً ولا يسهل على العدو وصولها واقتحامها، لكن حالة أنفاق غزة هي حالة اختفاء والتحام معاً.
لا تقوم مقاومة إلا في ظروف الضرورة وغياب توازن مع العدو، ولذا لا تعبأ بحسابات الحكومات/الدول التي تنتظر التوازن وغالباً لا يتوفر إلا لدول تقودها حركات ثورية خالصة، فما بالك بما أثبتته المقاومة بأن غياب سلطة الدولة التابعة هو المناخ الأفضل للمقاومة، وهنا تحضرني معترضة مفادها ثرثرة بعض قوى الدينسياسي ،حزب التحرير الإسلامي، التي ترى بأن حركات المقاومة مشكورة لكنها لا تصل إلى النصر! وهذا ناجم بالطبع عن أن هذه الفئة من الدينسياسي تحترف التنظير ولم تلمس أي سلاح. وعموماً، سواء جرت استشارة المحور أم لا، فإن كل هذا لا ينتقص من هذا الابتكار التاريخي الفعلي والمجسَّد.
أمريكا دولة الحرب الدائمة، تقاتلنا لأجل التراكم
كتب لينين في كتابه "الإمبريالية" أن "السعي الحتمي لرأس المال المالي" هو "توسيع مجالات نفوذه وحتى في أراضيه الفعلية". كان يتحدث بالطبع عن عالم يتسم بالتنافس الإمبريالي، حيث كان يأخذ هذا السعي شكل صراع تنافسي بين رؤوس الأموال المالية المتنافسة التي سرعان ما أكملت تقسيم العالم. إذن، كيف لرأس المال أن يتخلى عمَّا أخضعه وأغناه! وكيف لرأس المال أن لا يتهادن طالما هو بأكمله مهدد بالاقتلاع، وهو ما أسماه ماركس "تآخي اللصوص".
وكيف لرأس المال أن لا يتوحش وهو قد وصل مرحلة الاحتكار المعولم/سمير أمين، وتراكب ذلك مع الفاشية المعلنة سلطوياً ومع الشركات المعولمة وخاصة صانعة السلاح! وبكلمة كيف لا يتوحش حيث تقوده الدولة العميقة مما يجعل حتى رئيس الإمبريالية الأمريكية أرجوز معاق جسدياً حالة بايدن أو بهيمة متوحشة ترامب.
لا بد من نظرة للخلف إذ كانت الحرب الإمبريالية الثانية فرصة الإمبريالية الأمريكية التاريخية لنهب الكوكب، حيث قامت الدولة الأمريكية ما بين الأعوام 1940 و1945، بإنفاق ما لا يقل عن 185 مليار دولار على المعدات القاتلة والقتالية، وارتفعت حصة النفقات العسكرية من الناتج القومي الإجمالي بين الأعوام 1939 و1945 من رقم تافه يقارب 1.5% إلى ما يقارب 40%. وهذا مكَّن أمريكا من احتواء أوروبا بتزويد أوروبا بالمال/مشروع مارشال وبالسلاح وأسس لعقيدة أمريكا السلاحية لاحقاً في فترة أيزنهاور حيث أدرك رأس المال أن هناك دولاً بوسعها التطور في إنتاج منتجات مدنية ولكنها قررت التركيز على التفوق في إنتاج الأسلحة من أجل:
-
حروبها هي
-
تصدير السلاح لدول أخرى
- تصنيع حروب بين الدول مما يوسع سوق السلاح الأمريكي
يكتب المؤرخ ستيوارت د. برنديز، أن الربح الصافي لأضخم 2000 شركة أمريكية، ما بين عامي 1942 و1945، كان أعلى بأكثر من 40% عنه خلال الفترة ما بين عامي 1936 و1939.
قاد هذا إلى تخدير الطبقة العاملة في أمريكا حيث التشغيل الكامل والأجور الأعلى! مما خدع العمال الذين افتقروا لقيادات نقابية غير محتواة من البرجوازية.
حلت عام 1945 الحرب الباردة محل الحرب الساخنة ، واستمرت الشركات الكبرى بدفع 50% من كافة الضرائب، ولكن أخذت هذه الحصة في الاضمحلال في غضون الحرب الباردة باستمرار لتصل عام [2003] إلى حوالي 1% فقط.
كان تخفيض العبء الضريبي عن الشركات سهلًا، نظرًا لكونها قد حولت نفسها بعد الحرب العالمية بل الإمبريالية الثانية إلى شركات متعددة الجنسيات، وأصبح سهلًا بالتالي تفادي دفع ضرائب ذات قيمة في أي مكان.
قاد هذا إلى ابتلاع الشركات الكبرى لكل من السلطة ومتقاعدي الجنرالات حيث أصبح وبشكل روتيني جنرالات البنتاغون المتقاعدين حديثًاً مستشارين لدى الشركات الكبرى العاملة في الإنتاج العسكري، وأن يُعيّن رجال الأعمال المرتبطون بهذه الشركات مسؤولين كباراً في وزارة الدفاع، ومستشارين للرئيس، وهذا جزء هام من مبنى الدولة العميقة.
وبعد الحرب الباردة جرى تصنيع أعداء قدامى جدد هما الصين وروسيا، وبدخول الرأسمالية مرحلة الكساد التضخمي stagflatio، كان لا بد من توسيع نطاق العدوان فكان تصنيع الإرهاب والذي تجلى في الوطن بل ضد الوطن العربي في الاستشراق الإرهابي Terrorist Orientalist وهو خلق الإرهاب والتصدي له.
ولتغطية نفقات هذا الاحتراف الحربي العدواني منذ نهاية الحرب الباردة والانتقال إلى النيو/لبرالية، وتراجع دفع الشركات للضرائب ذهبت أمريكا إلى الاعتماد تمويلياً لحروبها المعولمة إلى القروض والمديونية والتي وصلت اليوم إلى 34 ترليون دولار.
وهكذا، وأمريكا على هذا الحال وتجر خلفها أوروبا، كيف لها أن تسمح باقتلاع القاعدة الصهيونية مما يعني في التحليل الأخير اقتلاع مصالحها/مستعمراتها الاقتصادية في وطن مباح لها ومستباح! وكيف لا تنفق على القاعدة/المحمية وهي، أي الأخيرة مثابة استثمار إستراتيجي لها في الوطن العربي حيث تساهم في "تخليد" التقشيط والنهب والتبادل اللامتكافىء لصالح أمريكا والغرب مما يجعل الإنفاق على الكيان مجرد "نُقُل أي بعض الفستق" على مائدة ممتدة من الأرض إلى السماء!
أظهرت حرب أوكرانيا أن أمريكا التي احتوت أوروبا بعد 1945 بخطة مارشال، وكرست ذلك بالطفرة النفطية 1973 قد كررت ذلك بتحريك بل استخدام أوروبا طبقاً لمصالحها هي نفسها، كما أن الحرب على غزة كرست ووسعت هذه الهيمنة الأمريكية وتسخير أوروبا أيضاً لصالح العدوان الأمريكي، ومع ذلك ورغم الاحتجاج الشعبي في عديد بلدان العالم إلا أن أمريكا لم تتوقف عن تزويد الكيان بأكثر مما يطلب من الأسلحة. ورغم أن بعض الدول الأوروبية قد ادعت وقف أو تخفيف تصدير الأسلحة للكيان، وهذا هراء،، إلا أن النظام في ألمانيا أعلن بفجاجة إمبريالية نازية عن جاهزيته لزياد تزويد الكيان بالسلاح، ولعل السر في هذا هو أن ألمانيا هي قاطرة الاقتصاد الأوروبي وبالتالي تشكل الحليف الاقتصادي الأقوى لأمريكا في الاتحاد الأوروبي بينما تشكل بريطانيا التابع السياسي الأول لأمريكا.
كيف للدولة العميقة في أمريكا وعموم الغرب إذن أن تتخلى عن هذا وهي مُختصرة في الشركات والشريحة محدودة العدد من مالكيها وهم وحوش في أثواب بشر؟ من هذا نستنتج بأن الحرب ضد روسيا في أوكرانيا والعدوان ضد غزة ولبنان والضفة الغربية هي فرصة هامة لشركات الأسلحة والذخائر الأمريكية بحيث تحقق عوائد مالية هائلة دون أن تدفع ضرائب تُذكر.
كتب: إيلي كليفتون ( 14 تشرين أول 2024) في مجلة "Responsible Statecraft":
"من الصعب رؤية منطقة الشرق الأوسط خلال العام الماضي على أنّها أيّ شيء آخر غير كارثة كاملة. فلقد قتلت "إسرائيل" أكثر من 41,000 فلسطيني في غزّة بالقصف، وحاصرت القطاع ومنعت شُحنات الغذاء والدواء كشكل من أشكال العقاب الجماعي ضدّ المدنيين الفلسطينيين، بذريعة الانتقام بعد عملية "طوفان الأقصى".
لكنّ ثمّة مستثمرين يقفون خلف هذه المأساة، ويُحقّقون أرباحاً هائلة وقياسية في أسهم شركات الأسلحة الأميركية، مُتفوّقِينَ بشكل كبير على مؤشّرات سُوق الأسهم الرئيسية؛ بسبب الحروب العدوانية التي تشنّها "إسرائيل" في غزّة والضفّة الغربية والآن في لبنان... وفي الوقت عينه تقوم الولايات المتّحدة بتقديم مليارات الدولارات من الأسلحة لـ "إسرائيل" وهذه المنحة من أموال دافعي الضرائب الأميركيين لـ"دولة" الاحتلال الإسرائيلي كانت الوقود الذي دفع بأرباح الأسهم المذكورة إلى مُستوى غير مسبوق.
ويمكنك أن تقرأ في "TomDispatch": المجمّع الصناعي العسكري الأميركي.. القوة الأكثر تدميراً في العالم شركة "لوكهيد مارتن" أكبر شركة أسلحة في العالم، التي تصنع طائرات "إف 35" التي تستخدمها "الدولة" الصهيونية لقصف الأبرياء في غزّة ولبنان، حقّقت عوائد إجمالية بنسبة 54.86% في عام واحد، مُتفوّقةً على أكبر مؤشّر سهمي بنحو 18%، أي أنّ استثماراً بقيمة 10 آلاف دولار في هذه الشركة من شأنه أن يُحقّق عائداً إجمالياً قدره 5486 دولاراً، بينما أقوى الأسهم الأخرى لا تُنتج أكثر من 3,689 دولاراً فقط.
لم تقتصر أرباح تجارة أسلحة الموت على الشركة المذكورة، فقد تبعتها شركة "رايثيون"، وهي في الترتيب ثاني أكبر شركة سلاح في العالم مُختصّة بتصنيع القنابل الضخمة الخارقة للتحصينات، وهي أسلحة محظور استخدامها في المناطق ذات الكثافة السكّانية العالية من المدنيين، لكنّ "إسرائيل" تستخدمها على نحو مُتكرّر، في غزّة ولبنان في أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، ما أدّى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين الأبرياء ومعظمهم من الأطفال والنساء.
أيضاً، حقّق سهم شركة "رايثيون" عوائد هائلة للمستثمرين، مُتفوّقاً على أقوى الأسهم في البورصة بنحو 46%، ما يعني أنّ استثمار 10,000 دولار في شركة "رايثيون" يُنتج عائداً سنوياً إجمالياً قدره 8,269 دولاراً.
وعلى هذا النحو، شركة "جنرال ديناميكس"، التي تُنتج القنابل الخارقة للتحصينات، والتي استخدمتها "الدولة" الصهيونية في عملية اغتيال قائد المقاومة الشهيد السيّد حسن نصر الله، حقّقت مكاسب أقلّ من الشركتين السالفتين، بعائد إجمالي بنحو 37% للمستثمرين، مُتفوّقة على أفضل مُؤشّر بأكثر من 3%. في حين أنّ الاستفادة من الحرب قد تكون بغيضة بالنسبة إلى البعض، إلّا أنّ مُحلّلي الدفاع في المصارف الاستثمارية الكبرى حثّوا المديرين التنفيذيين للشركات على الاستفادة والاستثمار في الحرب الإسرائيلية على غزّة ولبنان. وبعد مرور عام على العدوان، ثبت أنّ هؤلاء المحلّلين على صواب، فالحرب الإسرائيلية مُستمرة، بكفالة إدارة البيت الأبيض الذي يُزوّدها بالأسلحة والأموال في تناقض مع طلب وقف إطلاق النار المرائي.
في الشهر الفائت، وافق البيت الأبيض على حزمة مُساعدات بقيمة 8.7 مليار دولار لـ"دولة" الاحتلال الإسرائيلي، ستنفق إلى حدّ كبير على الذخائر والأسلحة من شركات الأسلحة الكبرى، ليصل إجمالي المساعدات الأمنية الأميركية لـ "إسرائيل" خلال عام إلى ما يقرب من 18 مليار دولار، في وقت تزداد حكومة "تلّ أَبيب" وحشية في تصعيد عُدوانها، وفي رفض المطالب الإنسانية والدولية بوقف جرائمها في غزّة والضفّة الغربية ولبنان.
أزمة الكيان بشرية أولاً لكن ليس فقط
لعل هذا توضيح مناسب لما ورد في مقالنا السابق للهدف بأن الكيان الصهيوني، رغم خسائره المادية قادر على مواصلة العدوان، وليس ذلك بناء على الدعم الأمريكي والغربي عموماً، بل كذلك لأن أنظمة التطبيع العربية تواصل تزويده بمختلف متطلباته الغذائية عبر عشرات الشركات الإماراتية والمصرية والخليجية والأردنية والتي تحاول تعويض خسارة الكيان للإمداد البحري بسبب موقف اليمن العظيم بتعويض ذلك بالنقل البري، وهذا يؤكد أن هذه الأنظمة تشارك وتتبرع للمجهود الحربي الصهيوني، ومن يدري كم نظام عربي غيرها يقوم بذلك.
كشفت البيانات أن حجم التجارة بين إسرائيل والإمارات بلغ 271.9 مليون دولار في يونيو 2024، بزيادة قدرها 5% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.
وخلال الأشهر الستة الأولى من عام 2024، بلغ إجمالي التبادل التجاري بين البلدين 1.66 مليار دولار، محققاً نمواً بنسبة 7% مقارنة بالفترة المماثلة من عام 2023.
وقفزت التجارة مع البحرين بشكل ملحوظ لتصل إلى 16.8 مليون دولار في يونيو 2024، بزيادة قدرها 740% عن يونيو 2023.
وخلال النصف الأول من عام 2024، ارتفع حجم التبادلات التجارية بين المنامة وتل أبيب بنسبة 879% ليصل إلى 70.5 مليون دولار.
أما المغرب، فبلغ حجم تجارته مع إسرائيل 8.5 مليون دولار في يونيو 2024، بزيادة 124 بالمئة مقارنة بالعام السابق.
وخلال الأشهر الستة الأولى، بلغ إجمالي التبادل التجاري بين البلدين 53.2 مليون دولار، بنمو نسبته 64% مقارنة بالفترة المماثلة من عام 2023.
ووصلت التجارة بين إسرائيل و الأردن إلى 35 مليون دولار في يونيو 2024 بواقع 14% عن يونيو 2023.
وخلال النصف الأول من عام 2024، انخفضت بنسبة 16% إلى 213.8 مليون دولار.
المصدر : nziv
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
ولأن ما يكسر ذراع الكيان هو سحق قواه البشرية في الميدان. ولذا، كما نرى فإن الكيان يقاتل بالطائرات والمدافع وبأقل جنود مشاة على الأرض من جهة ويجند كثيراً من المرتزقة ليكونوا في مقدمة قواته المعتدية والتي تشتمل على عدد من العملاء العرب ممثلين لأنظمة بلدانهم القُطرية.
ورد في مقال لمتان تسوري في صحيفة يديعوت أحرونوت 19/8/2024:
" إسرائيل" تشهد هجرة كبيرة لأصحاب الوظائف المهمة."
كبار الأطباء يختفون من المستشفيات الإسرائيلية، والجامعات تجد صعوبة في تعيين أعضاء هيئة التدريس في المجالات الحيوية حيث تشهد موجة هجرة كبيرة لأصحاب الوظائف المهمة فيها، كالأطباء والمدرسين والتكنولوجيين.
على منبر صغير في "مؤتمر الطوارئ الوطني" في كيبوتس "نير عوز"، حذّر البروفيسور الإسرائيلي أهارون تشيخانوفر من أنّ "كبار الأطباء يختفون من المستشفيات، والجامعات تجد صعوبة في تعيين أعضاء هيئة التدريس في مجالات حيوية".
وقال: "عندما يغادر 30 ألف شخص من هذا النوع إسرائيل، فلن تكون هناك دولة هنا". واستاء من صمت الرئيس إسحاق هرتسوغ، وقال متوجهاً إليه: "قم وافعل شيئاً". وبحسب قوله، فإنّ "إعادة الأسرى هي الهدف الأساسي لإسرائيل. وإذا لم يتحقق ذلك، فسيتحطم العقد الأساسي بين المجتمع والحكومة والجيش، ففي حينها ستعرف كل أم عبرية أنّها تقدم حياة أبنائها لقادة تركوهم لمصيرهم".
ويرى البروفيسور الإسرائيلي أنّ "موجة الرحيل الضخمة التي تشهدها إسرائيل هي القضية الثانية بعد قضية الأسرى التي يجب أن تكون في سلّم أولويات الحكومة".
وأضاف: "لا يجب إطلاق اسم حثالة البشر على هؤلاء الذين يغادرون البلاد، لأن هؤلاء يريدون العيش في بلد ديمقراطي ليبرالي حر، وليس في بلد تستولي الحكومة فيه على السلطة بالقوة".
الصهيونية العربية في مقدمة العدوان:
كتب كثيرون بأن أهم متغيرات هذا العدوان هو دخول الولايات المتحدة مباشرة فيها بل قيادتها، ولكن هذا ينم عن عدم الرؤية لأن مشاركة كل الغرب في تصنيع وحماية الكيان بدأ منذ 1917 ويكفي أن نذكر أن كل الغرب بمن فيه المستوطنين الفرنسيين في الجزائر شاركوا في عدوان 1948 في فلسطين بقوة اسمها "الماخال" ضمت طيارين وخبراء مدفعية وأطباء عيون... إلخ ولا ننسى عدوان 1967 وحرب تشرين 1973 حيث أقامت أمريكا جسراً جوياً من الأسلحة للكيان.
كما يزعم البعض أن توقعات محور المقاومة ارتكزت على أن الحرب ستكون قصيرة لأن الكيان لا يتحمل حرباً طويلة ربما، لكن هؤلاء لم يروا الكيان سوى في جغرافية فلسطين المحتلة وليس كامتداد للغرب الإمبريالي الذي أعلى خبرة في تاريخه هي تعدد واحتراف العدوان على صعيد الكوكب ومن أجل النهب والتقشيط وبالتالي وصول التراكم اللامحدود.
إن المتغير الأساسي في هذه الحرب هو في الوضع العربي حيث اصطفت دول عربية لصالح الكيان حتى عسكرياً، ولاذ البقية بالصمت، ولا ندري مدى كونه صمتاً، وتم على صعيد الوطن بأسره إذلال الأمة تماماً وحصر موقف الأمة العربية من الصراع في الصراخ في الساحات وتدجين وتطويع القوى السياسية التي من المفترض أن تقوم بتحريك الجماهير إلى لُعب دور في ضبط الجماهير.
لم يكن هذا مثلاً عام 1948 حيث شاركت جيوش عربية ولو شكلياً في الحرب أي لم تجرؤ الأنظمة حينها على عدم المشاركة بينما اليوم تقف أنظمة التطبيع مع الكيان مسلحة بتحليلات الطابور السادس الثقافي الذي تكوَّن منذ هزيمة حزيران 1967 وأعلن عن نفسه منذ 1991 حينما وقف مع العدوان الثلاثيني ضد العراق داعماً مشاركة جيوش عربية في ذيل ذلك العدوان.
إن كارثة المشاركة في العدوان على العراق 1991 في كونها تشريع قيام قطرية عربية بالعدوان ضد أخرى في ذيل وتحت راية الإمبريالية وهو الأمر الذي استفحل خلال الربيع الخريفي العربي وكان فيه ما كان. هذه المقدمات جعلت اصطفاف الصهيونية العربية في جانب العدوان منذ 8 تشرين 2023 أمراً "طبيعياً".
ولعل ما يُثير الحيرة أن أقلية محدودة، بل ربما لا أحد، يشير إلى دور الصهيونية العربية في العدوان الحالي مما يزيد من تخدير الشارع العربي ويعزل بل ينتزع فلسطين من عمقها العربي ويمتد إلى عزل لبنان واليمن وسورية.
ولذا، طالما ركزنا ومنذ ثلاثين سنة على أن أية حركة ثورية عروبية مُطالبة بمواصلة الموقف والمشروع الذي يعمل على إسقاط الأنظمة العربية لأن هزيمة الكيان والإمبريالية تبدأ بتغيير الواقع العربي، وخلال ذلك ركزنا على:
-
إن الوطن العربي يعيش منذ قرن حرباً أهلية تشنها أنظمة تابعة وعميلة ضد الطبقات الشعبية
-
مواصلة و/أو العودة للعمل السري
-
مغادرة الأحزاب العلنية المرخصة من مخابرات الأنظمة حيث تحولت إلى أداة تدجين الطبقات الشعبية
-
تفكيك المفاصل الأمنية والمخابراتية للأنظمة العربية تمهيداً لهزيمتها
-
تبني التنمية بالحماية الشعبية لإرغام الأنظمة التابعة للسوق الدولية على التحول عن طريقها سواء بالقوة أو بتحولات ذاتية وصولاً إلى فك الارتباط بالسوق الدولية.
نؤكد بهذه الخَطاطة الموجزة بأن هذه حرب تاريخية، لا مؤقتة ولا موسمية بل ممتدة وشاملة وليست فقط ضد قطر أو آخر. ولا أوضح من ذلك أن العدوان الثلاثي ضد الأمة العربية يمتد من غزة إلى لبنان إلى سورية إلى اليمن وربما يتسع حتى ضد إيران، فما هذه غير أنها حرب شاملة؟ حرب عالمية ضد العرب.
وحين نؤكد أن ما يجري هو عدوان معولم نقصد بوضوح أن جيشها الأول هو الصهيونية العربية كأنظمة وساسة ومثقفي الطابور السادس ومخابرات وحتى جيوشاً، والجيش الثاني هو الأمريكي وأخيراً الجيش الصهيوني الذي كلا الطرفين الأولين في خدمته.
صحيح أن انتصارات 2000 و 2006 و 2014 قد أكدت تقييد فرص الكيان في التوسع الجغرافي، ولكن أنظمة الصهيونية العربية قد عوضت الكيان بانخراطها في التطبيع وترويجها لاستدخال الهزيمة وتكريس تبادلها التجاري مع الكيان ناهيك عن العلاقات العسكرية والضخ الإعلامي المتصهين بدرجات وضيعة المحتوى. ومع ذلك فإن مشاركتها اليوم في العدوان قد فتح شهية الكيان مجدداً على التوسع الجغرافي.
لعل مما أثبته 7 تشرين ومن ثم بل وخاصة 8 تشرين 2023 هو تمكُّن الأنظمة والطبقات الحاكمة ومخابراتها وجلاوزتها من عنق الأمة العربية بلجنها تماماً عن القضية المركزية أي فلسطين، ولعل هذا قمة الحرب الأهلية التي تشنها الأنظمة والطبقات الحاكمة ضد الطبقات الشعبية العربية.
وإلى جانب هذا الحدث الخطير انكشف كذلك ما يسمى "العالم العربي والإسلامي" وهي تسمية لا تزيد على كونها مجاملة خادعة بل حتى مهادنة بين أطراف مضمخة بالطائفية البغيضة، وهي بالتالي تقضي على الانتماء القومي الوطني ولا توصل بحكم التبعية والتخلف والطائفية إلى أي مكان سوى تناقضات حادة ومؤامرات لا تتم التغطية عليها إلا في الأزمات، وهذا ما أسميناه في الحالة العربية والإسلامية "عدم الاستقرار الجيولوجي في مستويات الثقافة والسياسة والاقتصاد والأيديولوجيا والانتماء" فبوسعك أن تجد في الأسرة الواحدة متغربن ولا عروبي ومتعصب لإيران، أو تركيا ، أو ضد الشيعة أو ضد السنة أو متصهين!
ومع ذلك، فإن الحرب على غزة قادت إلى مهادنة شكلية بين هذه الأنظمة وذلك في حاجتها لتلك المهادنة لتنفيذ الأوامر الأمريكية للتخلي عن تقديم أي دعم لغزة التي تعاني الإبادة، فقد التقت قيادات أل 57 دولة عربية وإسلامية في الرياض تحت إبط النظام السعودي الذي باسم الإسلام يقف ضد العروبة وفلسطين ويكرِّس تبعية وضيعة للغرب وخاصة للولايات المتحدة. إن ما يجب التركيز عليه بلا تردد هو الفارق بين الدين كإيمان وبين الدينسياسي الذي هو في خدمة الأنظمة وسيدها الإمبريالي. إن تصنيع "أمة إسلامية" من المحال تحققها هو في النهاية في خدمة الكيان الصهيوني الذي يحاول خلق وتصنيع "أمة يهودية" من مئة قومية متناقضة متنافرة وبالتالي فإن الحديث عن أمة إسلامية وليس عن دين إسلامي هو تبرير للكيان في تصنيع "أمة" يهودية!
فالعالم الإسلامي لا يشترك في غير الدين الذي هو جزء من الثقافة ولم يشكل جامعاً باي حال لما يسمى الأمة الإسلامية كعابرة للقوميات بينما تشترك هذه الدول وبعمق بل تنخرط في النظام الرأسمالي الدولي وتربطها علاقات بين تبعية وتحالفات مع أنظمة حليفة للكيان الصهيوني وتابعة للإمبريالية.
كيف يمكن أن تكون الأنظمة التي تحكمها أنظمة طائفية سواء من السُّنة أو الشيعة على قلب رجل واحد وبينهما وعلى أيديهما تاريخ تحريض وتحشيد طائفي متخلف. فمن تابع فيديوهات مشايخ الطرفين وهم يأخذون المسلمين إلى خلاف علي ومعاوية ويزيد والحسين وعائشة... إلخ لن يكون بوسعه تصديق مجاملات هذه الأنظمة والإعلانات المشتركة عن لقاء وزير وآخر في حفلات تكاذب. ورغم تراجع حِدَّة التحشيد الطائفي إثر 7 تشرين أكتوبر، إلا أن هذا ليس سوى أمر مؤقت، بل وتم خرقه في مناسبات عديدة.
ليس لنا الدخول في تكاذب هؤلاء، ولكن المهم أن يُدرك المرء أن مهادنة هذه الأنظمة مع بعضها البعض هو تكاذب. ويكفي أن نرى بأن مؤتمر هذه أل 57 نظام يوم 11 نوفمبر 2023 في الرياض لم يتجاوز ترجي الأمم المتحدة أن تضغط على الكيان لوقف الإبادة في غزة، ولم يحصل بل اتسع إلى لبنان!
الدولة المركزية والقضية المركزية
كشف موقف الأنظمة العربية تجاه إنجاز وانتصار 7 تشرين عن تغلُّب الدولة القُطرية في الوطن العربي على الدولة المركزية العربية ولا سيما بعد تفوق الأنظمة الملكية التابعة على الجمهوريات سواء تهبيط مصر، واحتلال العراق و ليبيا وإسقاط نظاميهما وتدمير سورية واليمن بل واحتلال جزء من كلتيهما.
وعليه، فإن هزيمة الدولة القومية أمام الدولة القُطرية قاد إلى تغييب مقصود للقضية المركزية بانقسام الأنظمة العربية إلى فريق تطبيعي متصهين وفريق صامت. ولم يخرج على هذا سوى سورية واليمن وبعض لبنان كونه جزءاً من محور المقاومة.
وفي الحقيقة فقد تم التمهيد لهذا التخلي عن القضية المركزية عبر مسيرة طويلة من المساكنة بين القوى السياسية التي تخلت عن جذريتها وعن هدفها في تغيير الواقع العربي بإسقاط الأنظمة القطرية وإنجاز الوحدة العربية وبين الأنظمة القائمة حيث تحولت تلك الأحزاب إلى أحزاب تعمل بموجب إملاءات أجهزة المخابرات في تلكم الأنظمة مما عزلها عن الجماهير ولم تحظَ بقاعدة شعبية ذات وزن. والمثير للشفقة أن هذه القوى لم ترفع إثر انتصار أكتوبر أي شعار مخالف لما تسمح به السلطات سواء علانية أو بالإيماء. ولذا شاهدنا هذه الحالة الذليلة في الشارع العربي بينما رأينا موقف الجيل الطلابي في الغرب وخاصة في الولايات المتحدة حيث تضامن طلبة الجامعات الكبرى في أمريكا والتي يمولها آباء هؤلاء الشباب الذين في حقيقة الأمر يشكلون بدايات أولية لشبيبة أممية.
المحور والثورة المضادة
شكَّل وجود المحور تغييراً جوهرياً في الساحة العربية حيث وقف في مواجهة الأنظمة التابعة التي هيمنت على الساحة العربية لعقود محور أو تكتل جديد مضاد لهذه الهيمنة من جهة والتابعة من جهة ثانية الأمر الذي دفع الثورة المضادة إلى درجة كبيرة من الاستقطاب والاستهداف في طبعات من نمط ناتو عربي، أو الاتحاد العربي الذي تقوده السعودية ضد اليمن. ولكن 7 تشرين دفعت الصهيونية العربية كجزء من محور الأعداء إلى الوقوف ضد محور المقاومة سواء بالصمت عن إبادة غزة أو المشاركة في العدوان ضد غزة وإسعاف الكيان بالمواد الغذائية وشن حملة تشويه للمحور ولطوفان الأقصى على يد الطابور السادس الثقافي مما أقنعنا بأن هذه الأنظمة أي الصهيونية العربية هي الجيش الأول في جيش العدوان.
ولا نقصد بهذا فاعليتها العسكرية ولكن وبشكل محدد خيانتها للقضية العربية الفلسطينية كقضية مركزية، كيف؟
إن الوضع الطبيعي لأي بلد عربي إثر يوم 7 تشرين/ أكتوبر أن يقوم بإسناد الطوفان عبر ما لديه من إمكانيات. إن قدرة البلدان العربية على دعم المقاومة متعددة من طرد السفراء ووقف المتاجرة، ومقاطعة منتجات أي بلد ضمن محور الثورة المضادة، وتخفيض ضخ النفط وصولاً إلى قطعه... إلخ
إن موقع الوطن العربي قادر على شل العالم بأكمله وتركيعه لصالح قضايانا لو قامت الأنظمة العربية بأربع خطى:
-
إغلاق الممرات المائية/البحرية أسوة بما فعلت اليمن
-
وإغلاق الطرق البرية
-
وإغلاق الأجواء
-
ووقف الاستيراد من الدول المعادية علماً بأن الوطن العربي من المناطق التي لديها أعلى تراكم من السيولة المالية والحاجة للاستيراد.
لكن ما حصل، كما أشرنا أعلاه، أن معظم هذه الأنظمة قد انقسمت بين عدو وبين صامت. ولذا، فإن ما يجب أن نرد به على الذين يدينون نصر الطوفان بأن هذه الأنظمة هي التي يجب أن تُدان وتُخلع لأنها هي التي قصَّرت في القيام بدورها وواجبها أي ردف الكفاح المسلح بالحرب الاقتصادية واللوجستية... إلخ.
إن موقف الصهيونية العربية المضاد للثورة هو الذي خدم العدوان المعولم ضد محور المقاومة وخاصة ضد جبهة الإسناد سواء من لبنان واليمن وسورية، ولذا وسَّع العدو الثلاثي عدوانه ضد لبنان واليمن، وواصل عدوانه ضد سورية.
خلاصة القول، فإن كافة هذه التطورات تؤكد بأن طوفان الأقصى هز العالم ولم تتوقف تداعياته بعد، وأكد أن الصراع مديد من جهة وتناحري من جهة ثانية وهذا، كما بدأنا هذه المقالة سوف يقود إلى حدث شعبي عربي كبير، علينا التحلي بوعي نقدي وحس ثوري وقرار ومبادرة جريئة للإحاطة بالحدث والسير في مقدمته وصولاً إلى النصر في معركة التحرير. وكما كتب ماوتسي تونغ: "تجرَّأ على النصر".
مجلة الهدف، عدد تشرين الأول (أكتوبر)، رقم (1583) بالتسلسل العام (64) رقميًا، ص72-79