Menu

وداعاً لأنّك أحمد..

مهند فوزي أبو شمالة

الشهيد الصحفي/ أحمد نعيم بدير

الهدف الإخبارية

العاشر من يناير كانون ثاني من العام الماضي 2024، قتلت قوات الاحتلال الصهيوني الصحفي أحمد نعيم بدير، أحد أعمدة العمل في بوابة الهدف الإخبارية، وهنا أكتب عنه وله، ليس لأنّه عاملٌ في الهدف، بل أكتب لأنّه أحمد.. أكتب لأحمد الإنسان، وعن أحمد الصحفي، ولأحمد الشهيد.

بعيداً عن الابتذال والتكلف في المشاعر، على الرغم من أنّ صناعة العواطف لا تكفي لأن تصوغَ حالة حزني على استشهاده، ولا قيمة الفقد التي سنعانيها نحنُ.. و"الهدف"، فبدءاً بي كان أحمد أخي وصديقي ورفيقي ومعلمي، فقد سبقني زمناً في دراسة الصحافة والإعلام، ومثلها في ممارستها، ومثلها في عمله ضمن طواقم البوابة، فقد فقدتُ قيمةً قيّمةً في حياتي الاجتماعية والمهنية، وقد فقدت الهدف أحد أعمدتها، حيث كان أحد أفضل المحررين وكتّاب التقارير فيها، فقد كتب عن الحكيم والوديع والأديب، واستلهم منهم كيف يمكننا أن نحبَ الوطن، وكيف نوظف حبه في عملنا، وهنا كنت أسأله كثيراً: "ما الذي يجعلك تعمل بكلّ هذا الشغف؟".

وداعاً لأنّك أحمد.. لقد استُشهد أحمد وهو لا يبعد عني سوى خطوات، فقد سبقني لحصد مكافأته، حيث الشهادة في الميدان، ارتقى وهو على رأس عمله، ناقلاً للحقيقة، في خضم العدوان والقصف والخطر، بعد أن قصفت طائرات الاحتلال بوابة مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، وهنا تجلّى نتاج عمله وشغفه وحبه وانتمائه الذي لم ينل الخوف ولا الجوع ولا التعب ولا الخطر ولا القصف ولا كل شعور منه ولا من عزمه على مواصلة عمل البوابة خلال العدوان، فقد عملت بأقل من نصف طاقمها منذ بدء العدوان، وكان أحمد على رأس القليلين.

وداعاً لأنّك أحمد.. في أثناء وداعنا لأحمد، تسللت لأذناي كلمةٌ قالها شقيقه لأمّه، "بيستاهلها، ليش ما مهند استشهد، ليش ما أنا استشهدت؟... ببساطة لأنو بيستاهلها."، وهنا أيقنت أنّ الوداع حدث لأنّه أحمد، فهو الذي أخذني وعملنا وحيدَين شهوراً لنقل الحقيقة في وسط مجازر لا يفرق العدو بارتكابها بين مواطن ولا صحفي ولا طبيب ولا طفل ولا امرأة.

من زاوية ليست بعيدة عمّا سبق، إن للحزن على رحيل أحمد بدير طعم خاص، إذ ليس هو الحزن على الموت، حيث الجميع يوماً سيرحل، وإنما الحزن هنا على بقائنا من دون أحمد بدير، من دون كلماته، ومن دون قلمه، ومن دون ضحكته.

ختاماً أقتبسُ من أحمد لأكتبَ له: "إنّ الحزنَ لا يعرفُ الدّفعات.. يأتي مرّةً واحدً وللأبد، وحزننا عليك سيبقى للأبد يا أحمد، ومن عمق هذه الكلمات نعود ونكرّر أن أحمد بدير قد رحل فعلاً وللأبد كما تنبَّأ، رحل الإنسان، المثقّف، الصحافي المتفاني، رحل وهو يمسك في اليد اليمنى قلماً، واليسرى ورقاً، ولم يترك أبداً الحقيقة تفلت من بين يديه.

وداعاً لأنّك أحمد.